إختيار المحررالعرض في الرئيسةتحليلات

التفاهمات السعودية الحوثية بين منتصر ومنكسر..

يمنات – صنعاء

صلاح السقلدي

ربما لم ترتقِ التفاهمات التي نراها اليوم بين المملكة العربية السعودية وحركة أنصار الله (الحوثية) إلى درجة ان تسمى حوارات أو مفاوضات , لكن المؤكد ان هذه التفاهمات قد أذابت جزء لا بأس به من جبل جليد انعدام الثقة بينهما, وفتحت آفاقا واسعة نحو الحل الشامل بينهما كممثلين لأنفسهم ولمن يتحالف معهما كل على حدة, وشرعت الأبواب أمام مبادرات من جهات مختلفة للوصول نهاية للحرب و صولا إلى التغلب على أسبابها وتجاوز نتائجها.

– لماذا حدث هذا التقارب فجأة بين الطرفين؟. المتتبع لما يدور خلف الكواليس من خفايا ومشاورات لن يرى في هذا التقارب مفاجأة ولا غرابة. فالذي حدث هو تتويجا لجهود بُذلت خلف الحجب خلال الأشهر والأسابيع القليلة الماضية, سواء في سلطة عمان أو في الأردن أو عبر الوسيط الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ, فضلا عن جهود ووساطة تكميلية قام بها شيوخ قبائل من المناطق المتاخمة للحدود يتمتعون بشيء من الثقة من الطرفين(السعودية والحوثيين).

أسباب هذا التقارب وعوامل الضغط التي أسهمت بظهوره

هناك أسبابٌ عدة تقف خلف هذا التقارب الذي نراه اليوم بين الطرفين. نُـذكر بعض منها:

1- طول فترة الحرب (عام كامل تقريبا) أوجدت درجة القناعة لدى الطرفين وبالذات المملكة العربية السعودية قائدة التحالف العربي بهذه الحرب بأن الحسم العسكري بعيد المنال ان لم يكن مستحيلا أصلا.

2- تردي الحالة الإنسانية باليمن جـرّاء الحصار الداخلي والخارجي على المدن والموانئ والمطارات,أظهر معه حالة من التململ والسخط الدوليين تجاه هذا الوضع المخيف, بالإضافة إلى تكرار استهداف طيران التحالف لمستشفيات ومقار المنظمات الصحية الدولية وبالذات الصليب الأحمر الدولي وأطباء بلا حدود, ضرب سمعة المملكة بالصميم أمام المنظمات الحقوقية والإنسانية العالمية, اقترب معها مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار جديد حول الحرب اليمن وبالذات بالشأن الإنساني, مما أوجد حالة من القلق لدى السعودية على لسان سفيرها بالأمم المتحدة السفير عبد الله المعلمي من اختلاط الأوراق, ومن ارتخاء القبضة السعودية الممسكة بالملف اليمني بشكل متفرد, والخوف من الدب الروسي المكشر أنيابه داخل مجلس الأمن الدولي بعد ان ألقت خلافات الحرب بسوريا ظلالها الكئيبة على العلاقات – الفاترة أصلاً- بين البلدين (روسيا والسعودية).

3- ضراوة المعارك على الحدود اليمنية السعودية, وصعوبة تقفي أثر المقاتلين الحوثيين وإضعافهم لشراستهم بالقتال و لصعوبة الجغرافيا ووعورتها على الحدود, وحالة النزوح المتزايدة للأهالي السعوديين من هذه المناطق, وبقاء الخوف من الصواريخ البالستية (الحوثية الصالحية) يراوح مكانه برغم قسوة الضربات الجوية وكثافتها.

4- تنامي الجماعات الإرهابية المتطرفة بالجنوب وتوسع عملياتها وخطورة نوعية هذه العمليات التي تنتهجها, ومنها على سبيل المثال جريمة دار المسنين في عدن. حيث بدت التقارير والإحاطات التي قدمها ولد الشيخ لمجلس الأمن بالأشهر الأخيرة واضحة بهذا الشأن وتحذر فيها بشدة من اتساع ظاهرة التطرف بعدن وحضرموت وبالجنوب كله, وان طول مدة الحرب يمثل بيئة خصبة لتكاثر هذه الجماعات, بل لقد أخذت تقاريره (أي ولد الشيخ) بالآونة الأخيرة تركز بشكل مكثف على هذه الظاهرة دون غيرها من الأوضاع الأخرى على خطورتها كموضوع تعز مثلا, مما حدا بأمريكا وأوربا لممارسة ضغوطها الكبيرة على السعودية بسرعة إيجاد نهاية للحرب , ودخلت مؤخرا وبقوة روسيا ومصر على الخط لتبديا قلقهما من تنامي هذه الظاهرة, بل والأكثر إثارة بالموضوع ان روسيا أكدت صراحة قبل يومين على لسان رئيسها (فلادمير بوتين) استعدادها للتدخل باليمن لكبح جماح هذه الظاهرة, وهذا أوجد لدى السعودية حالة من التخوف من ان يتكرر سيناريو التدخل الروسي في سوريا باليمن, في دف بالعلاقات الأمريكية الروسية على حساب العلاقات الأمريكية السعودية خصوصا بعد تسوية الملف النووي الإيراني.

5- الوضع الاقتصادي السعودي المنهك والناتج عن انخفاض أسعار النفط وازدياد الالتزامات المالية السعودية تجاه حلفائها المنخرطين بتحالفات إقليمية وإسلامية معها وتصاعد التكاليف العسكرية مثل المناورات والحشود العسكرية بالمنطقة التي تتحمل أعبائها السعودية بدرجة رئيسية, ناهيك عن الأموال الطائلة التي تكبدتها الخزانة السعودية لكسب مواقف سياسية لكثير من حكومات الدول والمنظمات الحقوقية لمساندتها بحربها بالغة الكلفة.

6- التخوف لدى المملكة من إفساح المجال بالكامل مستقبلا في صنعاء لمصلحة الحليف الحالي( العدو التاريخي)جماعة الإخوان المسلمين باليمن ممثلا بــ(حزب الإصلاح). فبعد ان أطمئنت المملكة إلى أن أظافر الحوثيين وعلي عبدالله صالح قد تم تقليمها إلى درجة كبيرة رأت المملكة انه من المفيد لها أن تظل حالة من توان القوى باليمن قائمة كي لا تكون الغلبة لطرف على طرف آخر ويتفرد بالحكم, وهذا سيضمن حفظ المصالح السعودية باليمن وقطع أي دور إيراني وهيمنة متجددة للمملكة التي فقدت كثير من مناطق نفوها بالمنقطة, سيّما أن كل القوى باليمن ليست على وفاق تام مع المملكة, سواء حزب الإصلاح أو حزب صالح أو حركة الحوثيين, وحتى الاشتراكي والناصري أيضاً, وبالتالي فمن المنطقي وفقا للحسابات السعودية أن تظل كل هذه الإطراف تتصدى لبعضها البعض وتكفي المملكة أذيتها ومضرتها وتحفظ لها نفوذها.هذا علاوة على ثقة السعودية ان الوضع الاقتصادي باليمن وحاجته لإعادة الإعمار سيجعل أي قوى تحكم صنعاء بحاجة ماسة للملكة ولدعمها.

7- مرونة مواقف حركة الحوثي تجاه السعودية واستعدادها -أي حركة الحوثي- لتقديم تنازلات مهما بلغت مرارتها طالما والثمن هو بقائها حية بالساحة اليمنية وقوة فاعلة بالساحة, فالتفاهم المباشر مع السعودية تعتبره الحركة الحوثية نصرا لها وإضعافا لخصمها اللدود الإصلاح وهادي( قوى الشرعية ). فالحوثيون يستأنسون بالمقولة الشهيرة التي تقول(( ان لم يهزم الطرف الضعيف بالحرب فهو المنتصر)) والطرف الضعيف في هذه الحرب هو الحوثيين وصالح, وخصوصا بعد ان أعيتهم الضربات الجوية و أنهكهم الحصار البحري والجوي والبري,واستبدت بهم العزلة الدولية, وبالتالي فأي تسوية على ضوء الوضع القائم هو نصرا لهم كحركة وكسلطة أمر واقع, نصرا بكل المقاييس السياسية والعسكرية والجماهيرية حتى.

8 – وأخيراً وليس آخرها,هو عامل الوضع العسكري في سوريا, حيث شكل اتفاق وقف إطلاق النار بين الفرقاء هناك عامل دفع لتطبيقه باليمن خصوصا انه يقف خلفه أكبر قوتين بالعالم, (أمريكا وروسيا).

هل سيصمد هذا الاتفاق..؟

لاشك ان قوى يمنية وإقليمية انزعجت من هذه التفاهمات التي ظهرت بين السعودية والحوثيين. فالقوى اليمنية المنضوية تحت مسمى الشرعية اليمنية ترى في هذه التقارب تجاوزا لها وتهميشا لدورها, بل وصل الحال ببعض نخبها إلى اعتباره طعنة بالظهر تلقتها من حليفتها السعودية, ومكافئة للحوثيين, ورضوخا لطلب علي عبدالله صالح الذي دعا لأن يكون التفاوض بينه وبين السعودية مباشرة وليس مع شرعية عبدربه منصور, التي دأب على نعتها بالمرتزقة. وبالتالي فلن يكون مستغربا ان سعت هذا القوى إلى إفشال هذا التفاهم وقد تجلى ذلك من الساعات الأولى,حيث شرعت وسائل إعلامية مقربة منها بالحديث عن انهيار الهدنة , وتحدثت عن خرق الحوثيون لها, مع ان الطرفين الحوثي والسعودية لم يتحدثان عن ذلك(على الأقل حتى كتابة هذه الأسطر). وفي الطرف الأخرى يقف الرئيس المنصرف علي عبدالله صالح, الذي يقال انه يشعر بالامتعاض من مثل هكذا تجاوزا لدوره من قبل حليفه الحوثي. مع ان هناك من يقول أن هذا التبرم الذي يبديه صالح هو من قبيل توزيع ادوار بينه وبين شريكه الحوثي .

و حتى ايران الحليف الرئيس لحركة الحوثيين لم يرق لها هذا التقارب تمثل هذا في تصريح عاجل أطلقه الجنرال مسعود جزائري نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية قال فيها بلهجة تنم عن عدم الرضاء بهذا التقارب ان إيران قد ترسل خبراء إيرانيين إلى اليمن.

و مع ذلك وبرغم هذه التحفظات وكثرة المناوئين لهذه الهدنة إلا أن فرص نجاحها لا تزال ممكنة.

خلاصة

جميع الأطراف اليمنية المذكورة آنفا على اختلاف مصالحها وولائها للغير ستكون مستفيدة من توقف هذه الحرب ولو بأشكال متفاوتة من الاستفادة, فالحرب أولاً وأخيرا هي دمار للحرث و هلك للنسل, ولن يكون هناك خاسرا منها سياسيا غير الجنوب الذي دخلها دون أن يضع شرطا واحدا أو طلبا واحدا ولو على استحياء من شركائه بهذه الحرب سواءً الشرعية اليمنية أو دول التحالف, فهو تمثل بالقول العربي الشهير(مع الخيل يا شقراء).وبالتالي فأن الخوف المرعب الذي يتملك الجنوبيين البسطاء أن تتم التسويات بين اليمنيين شرعيين ومتمردين وبين دول التحالف بمعزلٍ عنهم ويعودوا أدراجهم إلى ساحة ((ثورة ثورة يا جنوب..) بخُفي حنين, مكسوري الخاطر ومجروحي الوجدان و(كأنك يا بو زيد ما غزيت ولا حاربت ولا قدت قوافل من الشهداء والجرحى ), يندبُون حظ شهداء سقطوا على أبواب الشرعية اليمنية وعتبات الحرب المذهبية التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل, في ظل قيادة جنوبية تلهث خلف فتات المواد بالرياض وأبو ظبي وتتهالك على مغانم المناصب وأوراق البنكنوت , مع استثناء المواقف الواضحة إلى حدٍ ما للسيد/ علي سالم البيض.

المصدر: عدن الغد

زر الذهاب إلى الأعلى