إختيار المحررالعرض في الرئيسةتحليلات

امريكا تخشى من حرب تركية روسية .. ولماذا يرفض اوباما تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات؟ وما هو السيناريو الكردي الذي يخشاه اردوغان؟

يمنات – رأي اليوم

عبد الباري عطوان

حالة الغضب التي تسود قيادة التحالف السعودي التركي تجاه الولايات المتحدة الامريكية، والممزوجة بخيبة الامل، يمكن ان تلخص ليس احدث فصول المشهد السوري فقط، وانما “الشرق اوسطي” برمته، وتؤشر لتطورات خطيرة في المرحلة المقبلة، وقد تكون “مرعبة” وحافلة بالمفاجآت غير السارة، بل والمؤلمة ايضا.

الرئيس رجب طيب اردوغان غاضب لان امريكا تدعم وحدات حماية الشعب الكردي التي يعتبرها “ارهابية”، وزاد غضبه عندما شكك جون كيري وزير الخارجية الامريكي بالرواية الرسمية التركية، التي تلقي باللوم على هذه الميليشيات الكردية، وتتهمها بالمسؤولية عن تفجير انقرة الانتحاري يوم الاربعاء الماضي الذي ادى الى مقتل 28 شخصا، واستهدف منطقة محاذية للبرلمان وقاعدة للجيش.

***

القيادة السعودية غاضبة، بل يتطاير الشرر من اعينها لانها اعلنت عن استعدادها لارسال وحدات برية لقتال “الدولة الاسلامية” قي سورية شريطة ان تكون تحت قيادة امريكية، وقوبل هذا العرض غير المسبوق ببرود امريكي، ورد استفزازي يقول “لا شكرا.. لن ننجر الى حرب مع روسيا بسببكم.. تفضلوا ارسلوا هذه القوات وقودوها وتحملوا النتائج”، فذهبت هذه القيادة (السعودية) خطوة ابعد تعبيرا عن احباطها من الموقف الامريكي بالتلويح باستعداد آخر، اي تزويد المعارضة السورية المسلحة بصواريخ مضادة للطيران لتغيير موازين القوى على الارض التي اختلف لصالح النظام في الشهرين الماضيين، فجاء الرد الامريكي سريعا.. شكر الله سعيكم.. ولكن اياكم ان تفعلوا ذلك، سورية ليست افغانستان، وهذه الصواريخ هي صواريخنا في الاساس، وعقد شرائها يحتم عليكم عدم اعطائها لأي طرف ثالث دون اخذ موافقتنا، فبلع السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي لسانه، وربما يبحث حاليا عن تصريحات صقورية جديدة، خاصة ان جعبته باتت فارغة، لدرجة انه اصبح يتحدث في شؤون النفط، وسير المعارك في اليمن، وهما ليسا من اختصاصه.

هذا الاحباط التركي السعودي من الطبيعي ان ينعكس على المعارضة السورية التي يدعمها هذا التحالف، وظهر ذلك بشكل جلي من اعلان السيد رياض حجاب رئيس الهيئة العليا للاشراف على المفاوضات (اين هي؟) ان المعارضة مستعدة لقبول هدنة، او وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة اسابيع، ودون ان يطلب منه احد ذلك، ومن سوء حظه ان المشاورات التي كان من المفترض ان تتم اليوم في جنيف بين مسؤولين روس وامريكان من اجل التوصل الى اتفاق لاطلاق النار تأجلت، ودون تحديد اي موعد جديد.

اسباب التأجيل غير معروفة، ولكن يمكن التكهن بأنها عائدة الى تأكيد الرئيس فلاديمير بوتين، عبر متحدث باسمه، ان قواته وطائراته في سورية ستستمر في محاربة الارهاب دون هوادة، وان التفاوض او وقف اطلاق النار لا يعني وقف الحرب على الجماعات الارهابية لانها ليست جزءا من اي اتفاق هدنة.

الحرب التي يخشاها الجميع، ويحسبون لها الف حساب في الغرب متوقعة، وقد تنفجر في اي لحظة بين روسيا وتركيا، الامر الذي دفع الرئيس الامريكي باراك اوباما الى الاتصال هاتفيا بالرئيس اردوغان طالبا منه التهدئة وضبط النفس، وربما حذره بأنه اذا ما قرر خوضها، لن يجد حلف “الناتو” يقف خلفه، ويقدم له الدعم، كما اتصل بالمعية بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز طالبا الشيء نفسه، وايصال رسالة مفادها ان بلاده لن تنجر الى المستنقع السوري، وتنخرط في حرب عالمية ثالثة، فسورية ليست اغلى من اوكرانيا واهلها، ذوي العيون الزرق والبشرة البيضاء، بل الناصعة البياض.

ما يرفض الرئيس اردوغان فهمه والتسليم به، ان امريكا بصدد تعديل اتفاقات سايكس بيكو، واكمال النقص فيها، فاذا كانت الاولى مهمة لقيام دولة اسرائيل، فان الثانية تريد اقامة اتحاد فيدرالي كردي على طول الحدود السورية التركية يصل حتى العراق وديار بكر، فالاكراد حلفاء اصيليين لامريكا، وخاضوا جميع حروبها، بما فيها الحرب لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين سابقا، والحرب ضد “الدولة الاسلامية” حاليا، والدور التركي في محاربة الخطر السوفييتي في اطار حلفاء “الناتو” انتهى بسقوط هذا الخطر وامبراطوريته، ومعها حلف وارسو الذي انتقل الى رحمة التاريخ.

***

الحل السياسي للازمة السورية تبخر، ومحاولة اسقاط النظام ورئيسه تراجعت، ان لم تكن فشلت، وسياسة الاحتواء الامريكي انهارت، وادى التردد الامريكي الى خلق فراغ سياسي وعسكري كبير ملأته الميليشيات السنية، والشيعية، والجهادية، والآن الكردية، علاوة على روسيا الدولة العظمى الصاعدة.

لا نعتقد ان امريكا تعارض الحرب بين روسيا وتركيا، ولا نبالغ اذا قلنا انها تتمناها، لانها تعني اضعاف عدوين، او قوتين غير صديقتين، احداها عالمية، والثانية، اسلامية طموحة، خرجت عن كل الخطوط الحمراء الغربية في محاولتها اعادة بعض الخلافة العثمانية التي وصلت قواتها الى قلب فيينا.

اردوغان يهدد بإغلاق قاعدة انجرليك الجوية في وجه الطائرات الامريكية، ويخير واشنطن بينه وبين الاكراد، مما يعكس حالة من القلق والارتباك، فالغرب لا يفضل مثل هذه المفاضلة، واذا اجبر عليها فانه سيختار الاكراد، الم يختر اسرائيل ويفضلها على 22 دولة عربية تملك ثلثي احتياط النفط في العالم، واكثر من 400 مليون مواطن؟

الايام المقبلة خطرة .. ومعدلات التوتر في تصاعد مسعور .. والحرب بين تركيا وروسيا اكثر القنابل الموقوتة اقترابا من الانفجار .. وهو انفجار سيغير وجه تركيا والمنطقة بأسرها اذا حدث.

زر الذهاب إلى الأعلى