فضاء حر

القراصنة الجدد

يمنات

يوماً إثر يوم، تترسخ لديَّ قناعة بأن ما حدث لم يكن ثورة.. وإذا جرحت هذه العبارة مشاعر الثوار الطيبين، سأقوم بتعديلها قائلاً: إن الثورة التي قامت استحالت، بعد ذلك، إلى يباب!

كل ما يحُّز في النفس والوعي والوجدان هو تلك الدماء التي سالت على الأسفلت.. كل أولئك الشهداء الضحايا الذين صاروا مجرد ذكرى آيلة إلى الزوال.. كل أولئك الجرحى الذين يشحذون حق العلاج، وآخرهم صار شحاذاً في طرقات مومباي!

وها هو المناضل أحمد سيف حاشد يجرجر وراءه زملاءه الثوار، وجراحهم النازفة، من درب إلى درب، ومن باب إلى باب، ومن زنقة إلى زنقة، فلا يلقى سوى التهكم والشتائم والهراوات والوعود الكاذبة!

نسيَ أولئك الوزراء والقادة والمسؤولون أن تلك الدماء والجراح هي التي جاءت بهم إلى تلك الكراسي والسيارات والحقائب والفلل والأرصدة.. ويزداد الألم ألماً والنزيف نزفاً حين يرى الثوار كيف آلت ثورتهم وتضحياتهم إلى قراصنة أشد خطراً وضرراً وغدراً من قراصنة الصومال والكاريبي!

لقد استولى القراصنة الجدد على سفينة الثورة.. وراحوا يلقون بالبحارة إلى الأمواج المتلاطمة، ويستولون على المؤن والمتاع، ويغتصبون عروس البحر، ويقتلون الأسماك الملونة!

إنهم القراصنة الجدد الذين لا يضعون القبعات الضخمة السوداء على رؤوسهم، ولا العُصابات على عيونهم العوراء، ولا يتكئون على عصِي غليظة، ولا يمضغون التبغ الأسود المسحوق النتن.. بل يلبسون أشيك البدلات الإيطالية، ويتضمخون بأفخر العطور الفرنسية، ويركبون آخر موديلات السيارات الأميركية واليابانية، وينهبون الأرصدة التي تراكمت من دماء ولحوم شبان بعمر الورود والسنابل، بعد أن صادروا لحية آرنستو تشي جيفارا وسيف أبي ذر الغفاري ودفاتر سلفادور الليندي وبابلو نيرودا وأقلام الرصاص التي استبدلوها بأقلام فلو ماستر!.

قراصنة الثورة أحالوها إلى ثورة مضادة!

زر الذهاب إلى الأعلى