الساحة القضائية

انشقاقات داخل القضاء تطوعه للتأثيرات السياسية وتدخل سلطته في فراغ دستوري

يمنات – الهوية

تأتي الإجازة القضائية هذا العام متزامنة مع مستجدات قضائية مبشرة بالخير إذ سبقها حكم قضائي صادر عن الدائرة الدستورية قضى بعدم دستورية (34) مادة من قانون السلطة القضائية بأيام قليلة من إقرار مجلس النواب لمشروع تعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية قبل اقل من أسبوع علي بدء الإجازة القضائية.

مستجدات المشهد القضائي توحي بان ما يجرى يبرز تفاعلات متناقصة داخل سلطة القضاء الى العلن بعد أشهر ليست بالقليلة من تفاعلها في السر.

وتلوح الى خلافات وسط قيادة السلطة القضائية تعتمل منذ أكثر من عامين وتدور رحى معاركها بين قيادات الأجهزة القضائية بداية من أعلى هيئة قضائية وإدارية ووصلا الى أدنى المستويات الإدارية والقضائية.

ما يجري يؤكد أن المشهد السياسي الذي تعيشه اليمن منذ نشوء أول أزمة سياسية في البلاد كان لها تأثير كبير على واقع السلطة القضائية وأن كانت تدور في السر إلا أن الاقصاءات الإدارية الأخيرة كشفت عنها بعد ان تمكنت السلطة التنفيذية ممثلة بحكومة الوفاق الوطني من بسط سيطرتها على تصرفات القيادات الإدارية في مفاصل السلطة القضائية بداية من التدخل السافر الذي مارسته وزارة المالية في إقرار موازنة السلطة القضائية بما يخالف الدستور والقانون والتي سعت من خلال عناصر الإصلاح في وزارة المالية ممثلة بشخص وزيرها الإخواني صخر الوجيه لفرض قيود على اداء قيادة السلطة القضائية وإظهار مجلس القضاء الأعلى في مظهر الهوان الذي لم يسبق لها أن ظهرت به على مر التاريخ اليمني منذ إعلان الجهورية اليمنية عام 1990م ومن قبلها جمهوريتي اليمن في الشمال والجنوب.

يقول مراقبون سياسيون أن السلطة القضائية كشفت مؤخرا من خلال تناقضاتها فيما يصدر عنها أن تحت الطاولة معركة طاحنة بين قيادات أجهزة القضاء سواء الإدارية أو القضائية وهو ما يفسر صدوركم حكم المحكمة العليا الدائرة الدستورية الذي ادخل السلطة القضائية في فراغ دستوري.

معتبرين الممارسات التي سادت العمل الإداري داخل وزارة العدل منذ أن سلمت حقيبة العدل لحزب الإخوان المسلمين التجمع اليمني للإصلاح وبدأت التغيرات الإدارية تطال كل من لا ينتمي إليه بعناصر إخوانية في مخالفة صريحة للإجراءات القانونية والتشريعية النافذة.

وفيما أرجع البعض سبب هذا التصادم بين القيادات من ولاءات حزبية سابقة كان يفترض بها أن تتحرر منها من أول يوم انتمت فيه الى سلطة القضاء باعتبار القضاء سلطة مستقلة محرم فيها الانتماء الحزبي او الإبقاء على ولاءات سياسية لتسخير نفوذها في خدمته.

ومع أن آخرين اعتبروا تعيين القاضي مرشد العرشاني وزيرا للعدل اعتبر في نظرهم الانطلاقة لشرارة الشقاق داخل صفوف السلطة القضائية إذ ظل يمارس عمله السياسي في الوقت الذي يمارس فيه عمله كعضو له تأثيره في مجلس القضاء الأعلى دون ان يتخلى عن عمله الحزبي والجماهيري كقيادته لجمعية الإخوان المسلمين التابعة للتجمع اليمني للإصلاح في مخالفة صريحة للنص الدستوري الذي يحرم العمل السياسي لكل من ينتمي للسلك القضائي ومن ثم انصياعه لكل توجيهات اللواء علي محسن الأحمر القيادي العسكري الذي يمثل الجناح العسكري للإخوان المسلمين في اليمن وقيادات سياسية أخرى كان لها علاقات مع القاضي العرشاني أيام كان يمارس دور الكاتب الخاص لدى قائد الفرقة الأولى مدرع سابقا.

لكن هناك من يذهب الى القول بأن سبب الاختلافات التي بدأت تطفو على السطح بين صفوف قيادات الأجهزة القضائية سببها قيام البعض باستجلاب النصرة من فعاليات سياسية وحزبية وطائفية بعد أن بدأت الإقصاءات الإدارية لغير العناصر المنتمية الى حزب الوزير العرشاني تبسط يدها على مفاصل وزارة العدل بداية من استهداف مدراء الإدارة العامة والإدارات الأدنى منها وانتهاء بتعيين وكيلين للوزارة المعنية بمهام الإشراف المالي والإداري على المحاكم الشرعية في البلاد.

ليتلوها مباشرة الحملات المستهدفة لعدد من رؤساء وقضاة المحاكم الذين اثبتوا موقفا صارما من تصرفات المفسدين معلنين انتصارهم للتشريعات والقوانين النافذة في البلاد بداية من إقرار الحق القانوني في وجوب تعويض ضحايا أحداث العام 2011م أو ما عرف بربيع الثورة اليمنية على نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

الحملات التي بدأت باستهداف محكمة الصحافة ثم المحكمة الإدارية والنيابة الجزائية لم تقف عند هذا الحد بل لقد وصلت الى استهداف عضوين في مجلس القضاء الأعلى احدهما يرأس أعلى هيئة قضائية وهو رئيس المكمة العليا القاضي عصام السماوي بالتلميحات والإشارات المتهمة له بأنه ينفذ توجيهات الرئيس السابق والآخر يرأس النيابة العامة في البلاد وهي أيضا هيئة قضائية لها مكانتها وهيبتها.

مراقبون للشأن القضائي اعتبروا قرار الدائرة الدستورية في هذه الآونة بأنه تصرف غير حكيم حتى وأن كان صحيحا كونه أدخل السلطة القضائية في فراغ دستوري ما كان يجب أن يكون لولا أن هذا تعبير عن خفايا عراك سياسي يدور خلف كواليس القيادة القضائية.

لكن آخرين اعتبروه تصرفا صحيحا وكان يجب أن يكون حدثا قبل أكثر من عقدين إلا أن عدم تقديم طعن حول قانون السلطة القضائية هو سبب تأخر صدور مثل هذا القرار الى هذا التوقيت.

فيما رأيا ثالثا اعتبر صدور قرار الدائرة الدستورية ليس صحيحا وإنما هو مسايرة لرغبات الرئيس السابق لإدخال البلاد في فراغ دستوري يبدأ من أهم سلطة في البلاد خاصة وأن السلطة التشريعية لا تمتلك شرعيتها الحقيقية كونها وفقا للدستور منتهية الولاية والتمديد لها لم يكن شرعيا ولا دستوريا.

وبين هذه المعمعة التي تعيشها البلاد تعيش السلطة القضائية تذبذبات يتناسب طرديا مع تذبذب المنظومة السياسية لتضيع بين أرجلها حقوق الوطن والمواطن ليعيش الشعب اليمني ويلات قد تصنعها أجهزة العدالة والضبط القضائي لا سيما مع ما تعيشه البلاد من انفلات أمني غير مسبوق.

وأمام هذا المشهد تقف التساؤلات باحثة عن المخرج الذي يستطيع من خلاله الجهاز القضائي ان يستعيد ثقة الشعب اليمني وتحديدا جمهور المتخاصمين في ظل وضع تنتهك الحقوق والحريات من أجهزة السلطة التنفيذية وتعجز أجهزة القضاء عن الانتصار لها أو تواجه الشخصيات التي تعمل على صناعة هذا الانتصار لها أو تواجه الشخصيات التي تعمل على صناعة هذا الانتصار في هذه الآونة بحملات استهدافية للقضاء عليها وإفناء دورها وتأثيرها قراراتها من الوجود لا سيما بعد أن تمردت الوزارة المعنية بشئون الجهاز القضائي عن أحكام القضاء.

زر الذهاب إلى الأعلى