تحليلات

اليمن .. التسوية السياسية تحتضر والإخوان على خطى الاستحواذ

يمنات – الوطن

تواجه التسوية ومسار التغيير الذي ارتضاه اليمنيون على قاعدة خارطة طريق المبادرة الخليجية ، مهددات انهيار وشيك بأدوات ومعاول تشكل نصف القصة المغيبة ولأن استمرت دون ردع فستكون القاتلة عمدا وعدوانا مع سبق الإصرار والترصد ليس للحل السلمي فحسب بل لأحلام اليمنيين وتطلعاتهم في إحداث تحول ينتشل البلاد من أزماته المتعددة والمعقدة.

ولإن كان التحرك العاجل خليجيا بجلسة أمس الأول للوزاري الخليجي وكذا امميا بزيارة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتلخيص رؤية عاجلة لمجلس الأمن في 11 يونيو الجاري ، وقبله تمديد الولايات المتحدة قرار الطوارئ بشأن اليمن وتتبع مسار الحل السياسي ومعيقيه ..كل ذلك باتجاه إنقاذي للتسوية من انهيارها الوشيك ، غير أن المؤشرات الأولية لذلك التحرك لن تكون لها جدوى لو استمر التعامل بالسلبية المعهودة مع المهددات والمتورطين فيها.

وبجانب معضلة ملفات الأزمات المعقدة المشحونة بصراعات الماضي جنوبا وشمالا المنظورة أمام الحوار الوطني الجاري في سباق مع الوقت خلال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية أن لجهة النجاح او الفشل في الوصول بالبلاد إلى بر الأمان وإحداث التحول المنشود ، تتداخل الألغام المصطنعة للتعجيل بنسف الحوار قبل منتهاه من خلال إسقاط بقايا الدولة، وبات المتورطون فيها من قوى التطرف في معسكر "المعارضة الحاكمة" مشهودون للعلن ، رغم محاولات آلتهم الإعلامية إشغال الرأي العام الداخلي والخارجي عبر فتح جبهات الهاء متعددة.

حصر بنتائج مفزعة

ومع تفاقم الانهيار الاقتصادي وتردي الوضع المعيشي وتنامي الفساد الحكومي الانتقالي، دخلت البلاد مرحلة الانفلات الأمني المتعمد مع موجة غير مسبوقة من الاغتيالات والتخريب وضرب البنية التحتية المطعمة باستمرار الفعل الثوري والتثويري الاحتجاجي منه والمليشياتي الذي لا يستقيم أساسا مع التسوية ..كل ذلك مجتمعا كمنظومة متكاملة ضمن استراتيجية قوى التطرف وعلى نحو مضاعف لما مورس ضد الرئيس السابق ونظامه كأدوات ضغط وابتزاز استقوائي للهيمنة والتفرد.

ويعاني اليمنيون عقابا جماعيا منذ اكثر من عامين نتيجة استمرار اعمال تخريب أنابيب النفط وأبراج الكهرباء في محافظة مأرب ومنطقة نهم، حيث منشأتين حيويتين لإنتاج النفط الخام وتوليد الطاقة الكهربائية وخطوط نقلها، وانتهجت الجماعات القبلية المسلحة والمتطرفة تلك الاستراتيجية للتعجيل في الإطاحة بنظام صالح عبر تضييق استفادته صمودا من تدفقات مالية بيع النفط ، وزيادة السخط الشعبي ضده من تفاقم أزمة الوقود وانقطاع الكهرباء.

وعلى أمل وقف تلك الممارسات ، لم تنجح جهود الرئيس هادي الذي أوكل حكم محافظة مأرب لحزب الإصلاح "الاخوان" -استنادا لنفوذهم هناك – منذ ما يقارب العام ونصف العام, في الحد من تلك الأعمال التي استمرت وعلى نحو من التصعيد تارة ، والتهدئة تارة أخرى ، وفقا لمعطيات مرحلية تذهب لتحقيق مكاسب سياسية ومادية وإطلاق سجناء والحصول على تعويضات وفديات مالية ،وتعيينات وظيفية وتجنيد وغيره.

أرقام مفزعة وصلنا لها من خلال حصر إعلامي اجتهادي في منظومة الانفلات الأمني وعمليات التخريب المتصاعدة للكهرباء والنفط ،والاغتيالات ، والاختطافات والتقطعات.

فنحو 1030 هجوم واعتداء ضد منظومة الكهرباء منذ بداية أزمة الصراع على السلطة مطلع 2011، وما يفوق ال130 هجوم وتفجير وتخريب لانابيب النفط ومنشاته .

ويتكبد اليمن، المهدد بالإفلاس بسبب أزمته الراهنة، خسائر اقتصادية تُقدر بنحو 12 مليون دولار يوميا نتيجة توقف ضخ النفط الخام من منشأة صافر التي تنتج في اليوم الواحد 110 آلاف برميل من نحو 260 ألف برميل ينتجها هذا البلد عندما تكون جميع الحقول قيد التشغيل.. فيما تتصاعد معاناة اليمنيين نتيجة تلك الاعتداءات المستهدفة لإمدادات الكهرباء، وتتفاقم الأوضاع لدى السكان في عموم البلاد والمناطق الحارة والساحلية بشكل خاص.

وعلى جانب أعمال الاغتيالات المتصاعدة وفق حصر إعلامي لـ"الوطن" من واقع ما نشر منذ التوقيع على اتفاق المبادرة الخليجية وتسليم السلطة سلميا مطلع 2012 ، تجاوز عدد الضحايا 3500 شخص ، وشكل القتلى منهم ما نسبته 25 بالمائة ، والجرحى ما نسبته 55 بالمائة والناجون 20 بالمائة… وحل جنود وضباط من وحدات أمنية وعسكرية ، بجانب قيادات بوحدات وأجهزة مخابرات وتحريات في المرتبة الأولى، ومجملهم من خيرة الكفاءات ممن ساندوا الشرعية الدستورية بالنظام السابق كما النظام الحالي.

واتى في المرتبة الثانية من قائمة ضحايا الاغتيالات -وفقا للحصر – مقاتلو اللجان الشعبية في أبين ، ثم نشطاء في الحراك الجنوبي ، تليهم قيادات في حزب رئيس الجمهورية السابق "المؤتمر الشعبي العام"، فمواطنين بحسابات مذهبية ومناطقية.

وتنوع تنفيذ تلك العمليات بين هجمات على وحدات ثابته ومتحركة، وعمليات انتحارية ، وكمائن ، وزرع مفخخات ، ومداهمات ، وإطلاق نار خاطف سواء كان راجل ، أو متحرك عبر سيارات ودرجات نارية بعد ملاحقات ورصد دقيق بإمكانات دولة.

مستند إثبات

وكانت الصحيفة الناطقة باسم وزارة الدفاع اليمنية والمقربة من القصر الرئاسي قد فجرت ولأول مرة منذ تولي الرئيس هادي السلطة قنبلة من العيار الثقيل ، بالكشف عن تورط أطراف في حكومة الوفاق الانتقالية بالوقوف خلف الانفلات الأمني واعمال التخريب المتنامية ، في مسعى ابتزازي واستقوائي حزبي ضيق يعتقد بالتغيير احلالا لها في السلطة بمنهجها الاقصائي المقوض لآمال وتطلعات اليمنيين ،وان لم يكن فضرب أية جهود لاستعادة أمنهم واستقرارهم وما يحمله ذلك من مخاوف الذهاب إلى المجهول.

وفي اعنف هجوم من نوعه ضد من أسمتهم أطراف في حكومة الوفاق الانتقالية -في إشارة كما ظهر لحزب الإصلاح الذراع السياسي للإخوان المسلمين واكبر أحزاب تكتل المشترك المترئس للحكومة والمتقاسم نصف مقاعدها مع حزب الرئيس السابق "المؤتمر الشعبي وحلفائه "- قالت صحيفة 26 سبتمبر في عددها الأسبوعي الخميس الماضي "ان بعض الاطراف في حكومة الوفاق كما بات جليا لا تعمل وفقاً لأجندة المتطلبات الوطنية، بل سخرت قدرات وامكانيات مواقعها القيادية لخدمة أهداف وغايات ومرامي احزابها وهي مرامٍ محدودة الأفق"..

وأضافت لقد ظهرت تلك القوى "بصيغتها النفعية التي تتضح وبشكل سافر بالانفلات الأمني الذي يزداد تدهوراً كلما اقتربنا من انتهاء الفترة الانتقالية وما ارتفاع وتيرة الاعتداءات الاجرامية التخريبية- لأبراج الكهرباء وأنابيب النفط- التصديري الرئيسي- في الآونة الأخيرة وقتل الأبرياء في شوارع العاصمة والمدن الرئيسية وقطع الطرقات، وقبل هذا وبعده نقل ثقافة العنف والتخريب والاختطاف للأجانب، إلى مدن عرفت مجتمعاتها تاريخياً بالمدنية واحترام النظام والقانون، واعتبار الدولة حتى في أسوأ حالاتها هي المرجعية التي يحتكم إليها الناس- إلا تأكيد على نوايا بعض تلك الاطراف الماضية في تهميش الكفاءات الوطنية.. والعاكسة بمسلكها هذا فساداً يمثل سابقة ودامغة"..

وفي إشارة لتعرض الرئيس هادي لعملية ابتزاز فاضح من تلك القوى المحركة لما يشبه "حرب استنزاف" ، اشارت الصحيفة إلى أن محاولة إجهاض آمال وتطلعات اليمنيين في بناء وطنهم على أسس جديدة عبر وضعهم أمام خيارين، اما ان يقبلوا بهم بمرامٍيهم محدودة الأفق والمعتقدة بالتغيير احلالا لهم بالسلطة.. وبصيغة نفعية متنافية مع ما خرج من أجله اليمنيون في ثورتهم وارتضوه في تسويتهم ..وإما ضرب أية جهود لاستعادة أمنهم واستقرارهم وما يحمله ذلك من مخاوف الذهاب إلى المجهول.. تلك الخيارات لن تصل بتلك القوى إلى مبتغاها وستكون مجهولة بالنسبة لها وحدها.

نصف القصة المغيبة لم ينتهي

كل ذلك ونصف القصة المغيبة في مشهد الأحداث في اليمن لم ينتهي بعد ، إذ صعد حزب الإصلاح الممسك بالملف الأمني والعدلي والقضائي في البلاد بمقتضى تقاسمات الحكومة الانتقالية من تحركاته بأدوات ابتزاز نحو إطلاق سجناء متهمون بقضايا إرهابية وجنائية بوصفهم من "شباب الثورة".

وكان تنظيم القاعدة في اليمن أنظم قبل أسبوعين لذلك التصعيد الاخواني للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الموجودين في سجون "العهد البائد" ، واعتبرهم من معتقلي "شباب الثورة" ، ولا علاقة لهم بالتنظيم ، ولكنه هدد مثل حزب الإصلاح بعواقب وخيمة إذا لم يتم إطلاق سراحهم.

والمراد إخراجهم من السجن بعزائم وزراء الإخوان وشبابهم الثوري "السلمي جدا" ومرشديهم وحقوقيهم ، اصناف ثورية متعددة ، صنف خلية السبعين الثورية التي نفذت العملية الإرهابية والتي استشهد فيها نحو 100 جندي في 21 مايو 2012..وصنف ثوري فجر مسجد الرئاسة في 3 يونيو 2011 ، وصنف ثوري نفذ وحاول تنفيذ عمليات إرهابية استهدفت شخصيات عسكرية وسياسية ودبلوماسية..

وصنف ثوري قتل ضباط أمن سياسي ، وبجانب كل ذلك يضم حزب الإصلاح لقائمته الثورية من السجناء المطالب بإطلاقهم، ثوريين محكوم عليهم بعقوبات حبس في جرائم جنائية مددا متفاوتة منذ 2007 م.

توافق مثبت لإطلاق يد الإرهاب

ويبدوا التوافق والاتفاق الاخواني القاعدي في إطلاق سجناء ارهابيين كما ظهر ، مجيبا عن تساؤلات حول عديد من المحاكمات التي تمت لخلايا القاعدة منذ منتصف العام الماضي وحتى الآن ، بالنظر إلى الأحكام التي صدرت بحق العشرات من المتهمين من تلك الخلايا بأعمال إرهابية وتفجيرات واغتيالات وهجمات متعددة .

ومرد ذلك التوافق "الصفقة" تظهره مراجعة الأحكام الصادرة ابتدائيا واستئنافا من الجزائية المتخصصة بحق افرد تلك الخلايا والمنشورة إعلاميا خلال ذات الفترة ، حيث تقضي في مجملها بعقوبات مخففة بالسجن لمدد لا تزيد عن بضع سنوات ، يكون المدانون قد قضوها بالسجن أصلا ..ما يعني إطلاق ملتوي لسجناء القاعدة وبحكم قضائي..

إطلاق يد الإرهاب في اليمن .

يحق في مجمل ذلك كله وأكثر لتحالف إخوان القاعدة الثوري العبث باليمن واليمنيين .. فلا رادع ولا وازع ..وليمدد في تفكيك الجيش ، واخونة الداخلية وتأسيس جيش نظامي للقاعدة .. ويزيد فوق ذلك التعليم وإغراق القضاء بمخرجات جامعة الإيمان المنتجة للتطرف باليمن والتي يرأسها عضو الهيئة العليا بحزب الإصلاح والمطلوب دوليا بدعم الإرهاب الشيخ عبد المجيد الزنداني.. وعلى عينك يا تاجر.

زر الذهاب إلى الأعلى