قضية اسمها اليمن

المهاجرون الأفارقة من قوارب الموت إلى أحواش الابتزاز

يمنات – متابعات

يجري حديث واسع في اليمن عن عمليات احتجاز وتعذيب واغتصاب تطال مهاجرين أفارقة تستدرجهم عصابات تهريب مستغلة ظروفهم المأسوية. معاناة هؤلاء تبدأ بركوب قوارب متهالكة تقذف بعضهم لأسماك البحر والبعض الآخر يقع فريسة وحوش بشرية.

تستقبل الشواطئ اليمنية الغربية أسبوعيا المئات من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين ممن تقذف بهم سفن وزوارق تهريب يقودها مهربون محترفون عبر البحر الأحمر فيما تتلقفهم عصابات على الجانب الأخر وتقوم باحتجازهم جماعيا بما عرف لدى العامة وأجهزة الأمن اليمنية بـ "أحواش المهربين" لإجبارهم على دفع أموال نظير مساعدتهم على اجتياز الحدود اليمنية إلى الأراضي السعودية. ومن لا يدفع المال المطلوب يكون عرضة للتعذيب بالنسبة للذكور والاغتصاب بالنسبة للإناث. dwعربية بحثت عن بعض من هؤلاء واستمعت لرواياتهم ومعاناتهم.

من "قوارب الموت" إلى "أحواش" لا إنسانية

المهاجرة الأثيوبية المقيمة في اليمن تجست برهانو قالت لـ dw عربية "إن المهاجرين الأثيوبيين غير الشرعيين وغالبيتهم ينحدرون من أصول تيجري، أمهره، أرومو، صومالي، يصلون لليمن بطرق غير شرعية إما بتهريبهم عبر البحر من جيبوتي والصومال بواسطة مهربين يكذبون عليهم بأن في اليمن أعمالا كثيرة، أو بإمكانهم الانتقال إلى السعودية بسهولة مقابل أموال يدفعونها للمهربين، تتراوح مابين 1000 إلى 2000 بر أثيوبي (أي ما يعادل 50 إلى 100 دولار أمريكي).

وتضيف برهانو إنه "يتم حشرهم بأعداد كبيرة في سفن وزوارق ضيقة قديمة ومتهالكة لتهريبهم إلى الشواطئ اليمنية. وأثناء الرحلة في البحر يتم سلب ما تبقى لديهم من أموال ويمنعون من الكلام، ومن يتكلم يرمونه بالبحر ويموت البعض غرقا عندما يقذف بهم قبالة السواحل اليمنية وهم لا يجيدون ألسباحة".

وتؤكد المهاجرة الأثيوبية أن من يصل سالما إلى الأراضي اليمنية تتلقفه عصابات تهريب أخرى تقوم بتجميعهم واحتجازهم بصورة جماعية في أحواش أعدت خصيصا لهذا الغرض، لتبدأ مرحلة جديدة من المعاناة والعذاب، حيث يتم الحجز في ظروف قاسية، لا يتوفر فيها الطعام والماء ولا الفراش أو الملابس.

وتضيف أنه يتم إجبارهم على دفع أموال تصل إلى 600 دولار أمريكي كفدية، ومن لا يملك هذا المبلغ يتم إجباره تحت التعذيب الجسدي والنفسي على الاتصال بأقاربه سواء في اليمن أو خارجه لإرسال المبالغ المطلوبة.

وتؤكد برهانو" أن بعضهم تعرض للضرب والتعذيب فيما تعرضت بعض الفتيات للاغتصاب الجنسي ممن لم يستطع توفير المبالغ، فيما آخرون يتم تشغيلهم في ظروف غير إنسانية لتوفير المال".

وتضيف أن من يتجاوز هذا المنعطف يقع مرة أخرى في قبضة السلطات الرسمية اليمنية ويزج به في السجون حيث يتعرض للابتزاز والتعذيب في السجون اليمنية.

"كذب وتدليس وأخذ فلوس"

ويؤكد دجاني، وهو واحد ممن تم تحريرهم من الاحتجاز بواسطة قوات حرس الحدود اليمنية في مدينة حرض الواقعة على البحر الأحمر شمال غرب اليمن، قائلا لــ dw عربية " قالوا لنا أن اليمن على ما يرام وإننا سنصل السعودية ولكن لا أرتحنا في اليمن ولا تم نقلنا للسعودية".

ويضيف دجاني بعربية مكسرة " ما في نوم ما في ملابس ما في أكل وفي كثير مشاكل".

ويطالب دجاني بالعودة إلى بلاده متعهدا بعدم العودة إلى اليمن مرة أخرى.

ومن جانبه يقول تفرا، وهو ممن تم ترحيلهم من السعودية إلى اليمن، " أخذوا علينا الفلوس وما في أكل وما في ملابس.. وكسروا أيدينا ".

حرس الحدود يعرف "أحواش الأفارقة"

وفي اتصال هاتفي أجرته الــ dw عربية مع أركان حرب لواء حرس الحدود اليمنية قال عبد الحكيم الردفاني " إن الأحواش التي يحتجز فيها الأفارقة من قبل عصابات التهريب تنتشر بصورة واسعة على ساحل البحر الأحمر من منطقة باب المندب جنوبا حتى مدينة حرض الواقعة على الحدود الشمالية الغربية مع المملكة العربية السعودية"، مشيرا لقيام قوات حرس الحدود اليمنية بمداهمة الأحواش وتحرير الآلاف من المحتجزين الأفارقة، ومؤكدا "تعرضهم للتعذيب من قبل المهربين لإجبارهم على دفع المال".

ويضيف الردفاني أنه بعد تحرير هؤلاء يتم نقلهم إلى مقر معسكر اللواء الثاني حرس حدود بمدينة حرض وبالتنسيق مع وزارة الداخلية يتم ترحيلهم إلى العاصمة صنعاء غير أن وزارة الداخلية توقفت مؤخرا عن استقبال أعداد منهم دون إيضاح السبب، فيما لا يزال أعداد كبيرة منهم في المعسكر الذي يفتقر للإمكانيات والقدرات اللازمة للإيفاء باحتياجاتهم الإنسانية، بحسب أركان حرب معسكر حرس الحدود.

ولكن الردفاني ينفي علمه بابتزاز وتعذيب المهاجرين الأفارقة في السجون الحكومية اليمنية، معتقدا بأنه "لا يوجد ما يبرر هذا السلوك إطلاقا".

انحراف وجريمة يعاقب عليها القانون

لكن لماذا يجأ البعض إلى هذه الأساليب اللا إنسانية في التعامل مع هؤلاء المهاجرين عديمي الحيلة؟ وهل يمكن أن الجشع مبررا كافيا لأن يتخلي الإنسان عن إنسانيته مقابل المال؟ ويعتقد أستاذ التحليل النفسي بجامعة صنعاء الدكتور عبد الحافظ الخامري أن من يقومون بهذه الأعمال هم "أشخاص سيكوباثيون؛ وهو انحراف نفسي يتمثل في التضاد مع المجتمع، ولكنهم هنا تعدوا ذلك إلى إيقاع الألم بهؤلاء المهاجرين ليحصلوا على المال، ليس مقابل فعل شيء لهم، بل مقابل كف التعذيب عنهم ".

ويرى الخامري أن إتيان هذا السلوك يعبر عن " انحراف نفسي اجتماعي بكل ما تعني الكلمة، ويتعداه إلى وصفهم بأنهم مجرمون بلغة القانون، لكن جرائمهم تتعدى الوصف العادي لها."

ومن جانبه يؤكد محامي المرصد اليمني لحقوق الإنسان أسعد محمد عمر بأن ما يتعرض له المهاجرون الأفارقة هي "جرائم تعذيب وحجز خارج المؤسسات القانونية"، بالإضافة إلى كونها أعمالا تندرج ضمن جرائم الاتجار بالبشر التي تحرمها القوانين الوطنية والدولية، حسب الحقوقي اليمني.

دويتشيه فيلة – سعيد الصوفي – صنعاء

زر الذهاب إلى الأعلى