تحليلات

القاعدة: الانطلاق من اليمن إلى الخليج والجزيرة

 

يمنات – أ ش أ

حافظت السلطات اليمنية جيدًا على الخيط بينها وبين تنظيم القاعدة إذ أنه وبعد كل عملية عسكرية ناجحة لاستهداف قياديين في القاعدة، تعقد محاكمات ويطلق على إثرها سراح بعض المتهمين بعد التأكيد أنهم استفادوا من برنامج المصالحة أو أن الأدلة غير كافية أو تخفف عنهم الأحكام ومن بينهم شخصيات تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية خطرة مثل "عاصم الأهدل" و"جمال البدوي" و"جبر البنا".

وجاء في تحليل لموقع "ميدل إيست أون لاين" الإخباري أن تلك الفترة شهدت سفر العشرات من أعضاء التنظيم إلى العراق استجابة لنداء "أبي مصعب الزرقاوي"، ولم يجرِّم القضاء اليمني من ذهب للقتال ضد قوات الاحتلال هناك مما جعل المراقبين يقولون إن هناك اتفاقات بين النظام والجهاديين مقابل إيقاف عملياتهم في الداخل.
وقال التحليل إن عملية فرار 23 سجينًا من تنظيم القاعدة جلبت اتهامات كبيرة للنظام اليمني، تنوعت بين وجود اختراقات لتنظيم القاعدة في أوساط المسئولين الأمنيين وبين تعمد تهريبهم بهدف زيادة مخاوف المجتمع الدولي، من أجل استمرار الدعم الذي توقف بحجة الفساد المستشري في كافة أجهزة الدولة اليمنية.
وقال التحليل الذي نشره "ميدل إيست" إن عملية الفرار جاءت بعد تعليق الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005 لبرنامج المعونات (يو.إس.إيد) الذي يصل إلى 20 مليون دولار، وبعد إعلان البنك الدولي خفض مساعداته السنوية من 420 مليون دولار إلى 280 مليون دولار سنويا بحجج الفساد أيضًا.
وبعد عملية الهروب الكبير، بحسب وصف التحليل، شهد صف تنظيم القاعدة تخلخلاً كبيرًا، فظهرت اختلافات بين الجيلين (القادم من العراق والقادم من أفغانستان)، جعل من السهل أمام السلطات اليمنية توجيهه.
ويوصف العائدون من الحرب في العراق بأنهم شبان صغار يفتقدون للخبرة والتفكير الاستراتيجي، ويحرصون بفعل الحماسة والتأثر العاطفي على القيام بأعمال سريعة غير مدروسة، فيما يرى (القاعديون) الأوائل أنها تستنزف التنظيم وتحد من قدرته على التحرك بحرية، وهو ما استفاد منه النظام اليمني في تعقب وقتل قياديين في القاعدة أمثال "قاسم الريمي" الذي نفت القاعدة مصرعه، بعكس ما أكده "ناصر البحري" المرافق السابق لأسامة بن لادن في تصريحات وحوارات له.
كما أن حادثة استهداف تنظيم القاعدة لمنشآت نفطية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية نهاية 2006، أثارت كثيرًا من الشكوك حول العلاقة بين النظام اليمني وتنظيم القاعدة.
لقد صبت عملية القاعدة في مصلحة الرئيس صالح الذي خرج في أحد المهرجانات الانتخابية مستعرضًا صورة لأحد مرافقي المرشح المنافس على منصب الرئاسة، عشية انتخابات سبتمبر 2006، وموحيًا أن له علاقة بأفراد القاعدة الذين نفذوا العملية الانتحارية التي استهدفت منشآت نفطية حيوية.
كما أن إعلان اندماج القاعدة في اليمن والسعودية في يناير 2009 تحت مسمى (تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب)، واختيار اليمن مقرًا لقيادتها زاد من الضغوطات الخارجية على اليمن بعد مخاوف من أن تتحول إلى بؤرة للإرهابيين الفارين من معارك ضارية في أفغانستان والعراق والصومال.
ووجهت اتهامات للنظام اليمني باستغلال جهاديين ومتطرفين ينتمون لتظيم القاعدة في القتال ضد المتمردين الحوثيين.. وهو ما أكده زعيم الحوثيين أن تنظيم القاعدة "حركة إرهابية متعاونة مع النظام في حربه ضدهم".
وفي ندوة لمؤسسة كارنيجي أجاب الباحث في شئون الإرهاب جريجوري جونسون على سؤال كريس هارنش من معهد أمريكان انتربرايز عن صحة المزاعم التي تقول إن الرئيس السابق صالح قد استخدم تنظيم القاعدة لمحاربة المتمردين الحوثيين في صعدة شمال اليمن.. قائلاً "ليس كل الإسلاميين داخل اليمن هم أعضاء في تنظيم القاعدة".. في إشارة إلى وجود جهاديين آخرين قد لا يكونون من القاعدة.
ولم يعد اللعب بالنار، بحسب التحليل، ممكنًا الآن والنظام اليمني بدأ يفقد مصداقيته أمام العالم في حربه على الإرهاب.
كما أن تنظيم القاعدة، الذي بدأ في تحويل مركز قيادته من باكستان وأفغانستان إلى اليمن، لن يجد قوات يمنية تتعقبه، وإنما سيكون هناك فرق كوماندوس وطائرات بلا طيار أمريكية تطارده ذات المطاردات التي تلقّاها في تورا بورا الأفغانية ووزيرستان الباكستانية.
لقد طرحت حوادث متتالية مع نهاية عام 2009 والثلث الأول من 2010 كثيرًا من التساؤلات حول أهمية اليمن بالنسبة للقاعدة في المرحلة القادمة، وكيف لنظامه الضعيف الذي يعاني كثيرًا من المشاكل أن يتعامل معها.. فمحاولة الشاب النيجيري "عمر عبد المطلب" نسف طائرة ركاب أمريكية أثناء رحلة إلى ديترويت في 25 ديسمبر 2009 هي أولى الحوادث التي حولت أنظار الأمريكيين في عهد الرئيس الجديد "باراك أوباما" إلى اليمن.
وهذا الشاب الذي درس العربية في اليمن واختفى ثلاثة أشهر فيها بعد انتهاء فترة إقامته القانونية، ثم خرج دون مساءلة، أشارت التحقيقات الأمريكية إلى صلة تربطه بالشيخ الأمريكي من أصل يمني (أنور العولقي)، وأن هذا الشاب التقى به في اليمن وتلقى هناك تدريبات.
وعادت اليمن أيضًا إلى الواجهة حين قال المحققون الأمريكيون إن هناك مراسلات بين العولقي والرائد في الجيش الأمريكي من أصل فلسطيني "نضال حسن" منفذ عملية فورت هود التي قتل فيها 13 جنديًا أمريكيًا في نوفمبر من العام 2009.
واستمرت اليمن بتصدر الأنظار بمجرد أن أعلن المحققون الأمريكيون أن الباكستاني "فيصل شاه زاد" والذي حاول التفجير في ميدان (تايمز سكوير) في 3 مايو 2010 معجب بالشيخ العولقي.
إلى ذلك يرى تحليل "ميدل إيست" أنه بعد هذه الحوادث رضخت لضغوطات واشنطن التي نفذت عمليات داخلها أهمها عمليتان، الأولى في 17 ديسمبر 2009 ضد مناطق في أبين جنوب اليمن يعتقد تواجد تنظيم القاعدة فيها وعرفت بمجزرة المعجلة وقتل فيها أكثر من خمسين يمنيًا غالبيتهم من النساء والأطفال.
والثانية في صحراء مأرب في 24 مايو 2010 حيث قالت القبائل إن طائرة بدون طيار يعتقد أنها أمريكية قصفت موقعًا تحتمل وجود القاعدة فيه وأدى إلى مقتل المسئول الحكومي الثاني في المحافظة "جابر الشبواني".
وهذا التدخل الأمريكي جعل من الصعب على النظام اليمني أن يفكر باستيعاب أو استغلال الجهاديين الذين بالتأكيد تجعلهم مثل هذه العمليات أكثر عددا ، وبحماية قبلية.
وتلعب عوامل أخرى مثل الفقر والفساد والصراعات والاحتقان السياسي في زيادة حالة العداء للنظام اليمني وهو ما تلعب عليه القاعدة في عملية التجنيد. وكل تلك القضايا لا علاقة للفكر بها، فبعض قادة القاعدة أيدوا الانفصال تحت واقع الضغط الشعبي رغم أنه يسعى للوحدة الإسلامية كما تقول أدبياته.
ويرى تنظيم القاعدة في اليمن مميزات كثيرة تجعله يحرص جيدا على أن تكون هناك قيادة مركزية لتنظيمه الإقليمي، وربما للتنظيم العالمي، بعد مطاردته في أفغانستان وباكستان والعراق.
فالقاعدة تعتبر اليمن بيئة مناسبة لها نظرا للعامل الديموغرافي الذي يتمثل في طبيعة البلاد الجبلية الحصينة والحدود المفتوحة والجبال والصحاري الشمالية التي توفر الطرق إلى كل بقاع الجزيرة العربية في نجد والحجاز ومسقط والخليج، والسواحل الطويلة والجزر في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وتحكمها بمضيق باب المندب إلى جانب ضعف النظام الحاكم وسهولة انتشار الفكر الجهادي بين اليمنيين الذين يملك معظمهم السلاح .
ولم يغفل زعيم تنظيم القاعدة حاليا ناصر الوحيشي الملقب (أبو بصير) الذي أعلن في يناير 2009 عن اندماج فرعي القاعدة في السعودية واليمن تحت مسمى "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" .
وعين الفار من أحد السجون اليمنية أبو بصير (ناصر الوحيشي) أميرا ، وعين السعودي والمفرج عنه من جوانتنامو أبو سفيان الأزدي (سعيد الشهري) نائبا له.
عن ذلك، فقد لعب في خطاباته على وتر خلافات القبائل في المحافظات الجنوبية والشرقية، متفهما المطالب الانفصالية ومستغلا المشاكل الاقتصادية التي يعانيها اليمن، وهو بذلك تمكن من توفير انتشار للتنظيم في تلك المناطق وأنشأ عددا من معسكرات التدريب تتولى إعداد المقاتلين لتنفيذ عمليات للقاعدة داخل اليمن وخارجه.

زر الذهاب إلى الأعلى