حوارات

النائب أحمد سيف حاشد: مؤتمر الحوار الوطني “شكلي” ويُرحل المشكلات دون حلها

يمنات – رؤية

يعد النائب في البرلمان اليمني "أحمد سيف حاشد"، أحد أبرز المعارضين اليوم لحكومة الوفاق الوطني في اليمن. وقد عرف في السابق باعتباره من أكثر البرلمانيين المعارضين لنظام حكم الرئيس اليمني السابق "علي عبد الله صالح"، ومنذ اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام "صالح"، كان "حاشد" أحد أبرز قادة الاحتجاجات، من خلال موقعه كرئيس للتحالف المدني للثورة الشعبية، الذي يعد ثالث أكبر المكونات الثورية المتواجدة في ساحة التغيير بصنعاء، وقد تحدث لـ"رؤية" عن واقع اليمن اليوم والعقبات التي تواجه التغيير الذي تنشده البلاد.

حـوار – محمد الحكيمي

 

مؤخراً، كسبتم دعوى ضد الحكومة اليمنية في قضية معالجة جرحى "الثورة" وألزم القضاء اليمني الحكومة بذلك. لماذا رفضت الحكومة معالجة الجرحى من شباب الثورة الذين شملهم الحكم؟

الحكومة مشغولة بغنيمة الثورة التي استولت عليها واقتسام ومحاصصة الوظيفة العامة.. الحكومة تخلت عن وظائفها الرئيسية.. الحكومة أسندت العديد من مهامها لمليشيات وأرباب فساد وأجهزة ومنظمات وجمعيات ذات ولاء حزبي أشد وطأة من تلك التي عرفناها في الماضي.. اللوبي الحزبي والقبلي يمارس سياسات خطرة، ونتائجها المضرة فادحة، ويمتد تأثيرها على الوطن ومستقبله عقود من الزمن.

الحكومة أولت مهامها لدوائر حزبية وقبلية تحكمت بها بعيدا عن الصالح العام.. الحكومة تعاملت مع جرحى الثورة بشكل انتقائي وحزبي وقبلي عصبوي. أحزاب وجمعيات ومنظمات وأشخاص تسولوا باسم شهداء وجرحى الثورة وأثروا منها ثراء فاحشا فيما كثير من الجرحى ماتوا كمدا وإهمالا بعد أن هرست وتآكلت عظامهم وأكل الإهمال دواخلهم. بعضهم تحولت جراحهم إلى عاهات وإعاقات مستديمة ترافقهم بقية العمر، بسبب عدم قدرتهم على شراء العلاج أو عجزهم عن توفير المال للسفر والعلاج في الخارج. وهناك جرحى تعالجوا على حساب أسرهم ونفقات أهل الخير فيما آخرون كانوا يستلموا التبرعات والمخصصات باسم الجرحى واسم الثورة التي تتعرض للأسف للسرقة.

بعض جرحى الثورة اضربوا عن الطعام أكثر من نصف شهر في ساحة التغيير بصنعاء، ولم يجدوا أي التفاته أو عزاء لا من حكومة ولا من أولئك الذين جمعوا الأموال باسمهم. بعض من جرحى الثورة اعتصموا فوق منصة التغيير بصنعاء (منصة الثورة) قرابة الشهر ولم تلتفت لهم الحكومة، أو اللجنة التنظيمية للثورة. ولا تلك الجمعيات التي جمعت الأموال باسم الثورة والشهداء والجرحى؛ والأكثر وجعاً ومرارة أن اللجنة الأمنية والمليشيات التابعة لبعض القوى الحزبية قامت بطردهم من المنصة بل ورمت بعضهم من فوق المنصة إلى الأرض.

هناك مليارات تدفقت من الداخل والخارج وصبت في جيوب المدعيين والمتنفذين باسم الثورة والشهداء والجرحى، فيما نجد أسر الشهداء يسحقهم الجوع والحاجة، وجرحى الثورة يموتون ويعاقون بسبب عدم استطاعتهم الحصول على حقنة مضاد حيوي.. لقد عرَّت الثورة عدد غير قليل ممن تنطعوا بها وزايدوا باسمها وادعوا أنهم ثوار أفذاذ فيما هم في الحقيقة لصوص، وأكثر من لصوص، بل وبعضهم قتلة ومجرمين.

 

باعتباركم احد قادة "الثورة الشعبية" في اليمن ، كيف تنظرون اليوم لتلك المطالب المنادية بإزالة الخيام ورفع ما تبقى من ساحات "الثورة"؟

تعمل القوى التقليدية بشكل حثيث على سرقة الثورة، وللأسف أنهم يحققون نجاحاً.. ثورتنا مغدورة ومنهوبة ومسروقة، ولكن ليس هذا هو المشهد الأخير فلا زال لديها ولدينا وللزمن بقية.

أما تلك المطالب المنادية برفع الخيام وما تبقى من ساحات الثورة فأنا ضدها على الأقل في الوقت الراهن. من ينادي برفع الساحات اليوم هي نفس القوى التي بسطت سلطتها وسطوتها على الساحات، هي نفسها من ينكل بشبابها ويحرق خيامها أحيانا ويجرفها أحيانا أخرى، ويبحث عن أي عذر ليراها حاسرة ومتلاشية. ولكن رغم كل ذلك لا زالت هناك روح تقاوم، روح ترفض الركوع والطاعة، روح تتجدد رغم تمدد الموت وتربص القتلة.

 

من أجل أن ينسحب الثوار من الساحات يجب أن يتحقق ما يستحق الذكر. لا زلنا في أول الطريق ولازالت منظومة الفساد والمنظومة القانونية المشرعنة لها ولانتهاكات الحقوق والحريات قائمة لا تُمس. لا زال الظلم يزداد وينتشر، والظلمات زادت فوقها ظلمات.. لا زال الأمن غائب والجوع يهرس العظم والفساد يعيث ويعبث بمقدرات الوطن. لا زالت كل الأسباب التي نزلنا إلى الساحات من أجلها لم تتحقق بعد. لا يوجد أي ضمانات أو وسائل حقيقية في الواقع ضامنة أن الأمور ستكون أفضل.

إن تركنا الساحات وأردنا أن نتظاهر، علينا وفق القانون النافذ أن نبحث أولاً عن ترخيص من وزارة الداخلية لأي مظاهرة نريد أن نقوم بها.

 

لو تحدثنا عن المرحلة الانتقالية التي تمر بها اليمن الآن .. كيف ترونها؟

لا أراها حققت شيء إيجابي مهم. المرحلة الانتقالية شرعت لها المبادرة الخليجية ولا أرى في هذه المبادرة إلا مؤامرة على الثورة وإعادة لإنتاج النظام على نحو أكثر سوءاً.. وإذا كان هناك من يقول إن المبادرة نزعت فتيل حرب وشيكة، فنحن نقول أنها ستؤدي إلى حروب ثقيلة وستضاعف الكلفة على الشعب ألف مرّة إن لم يفطن القادرون لدفع المخاطر عن اليمن ويعملون سريعا للحيلولة دون الانزلاق إلى الكارثة، وإن لم يفطنوا فهم أيضا سيدفعون الثمن فادحا وأكثر مما تخيلوا.

مراكز القوى الرئيسية والتقليدية لازالت كما كانت هي المتحكمة بالمشهد السياسي، اليوم صار الفساد أكثر تغولا، والقتل أكثر انتشارا، والقمع أكبر وأكثر اتساعا. اليوم الاغتيالات تقض المضاجع ودون أن تكشف التحقيقات عن مجرم واحد تطاله يد عدالة. اليوم الانفلات الأمني مرعب ومريع. اليوم تتفكك وتتحلل ما بقي لنا من دولة، ويقاد اليمن نحو فضاعات لا تحتمل ومهالك تقتل كل أمل.

مستقبل اليمن لا زال مسدودا، وترحيل القضايا والمشكلات لا يعني حلها بل يعني مزيدا من التراكم الاحتقان وزيادة ونمو فاعلية المخاطر، كما أن غياب الإرادة السياسية والفشل الذريع في التهيئة للحوار، والعجز عن تنفيذ نقطة واحدة من عشرين نقطة تقدمت بها اللجنة الفنية للرئيس هادي يجعل تجاوز معضلات الوطن على يد السلطة الحالية بحكم المستحيل. كما أن تقوية مراكز القوى التقليدية، واعتماد الصفقات والمحاصصة من قبل الأحزاب والقوى السياسية على حساب المدنية والمستقبل ومعايير الحكم الرشيد يجعل الآتي أكثر حلكة وسوادا.

 

حتى الآن مرت سنة كاملة على مسار التسوية السياسية في اليمن، التي أفضت بتشكيل حكومة المصالحة الوطنية. هل ترون الحكومة نجحت في مهامها؟

هذا الحال من ذاك، فخيبات الحكومة أكثر من أن تعد أو تحصى؛ وأكثر من هذا أن خيباتها صاعقة وصادمة ومُكلفة. ما يسمى مصالحة وطنية نحن نراها في الواقع اقتسام ومحاصصة وابتلاع ما بقي لنا من دولة في زمن قياسي. ما يسمى مصالحة وطنية نحن نراها إعادة تموضع مراكز القوى استعدادا لخوض غمار صراع قادم أكثر دموية وبشاعة.

ما يُدعى أنه مصالحة وطنية ونجاحات نحن نراه فشل ذريع حاضر وقادم وأكيد. هذه الحكومة بلا رؤيا وبلا مشروع، وكل ما تفعله هو اقتسام الثورة والوطن كغنيمة حرب، والمسارعة في زيادة السوء سوءا والوبال وبالا وكارثة.

 

ماذا عن أداء البرلمان اليمني، هل هناك تغيير تلمسونه في مناقشة البرلمان للقضايا والقوانين بعد الثورة، عما كان سائداً قبلها ؟

برلمان لا يسأل حكومة، ولا يسحب ثقة من وزير، ولا يحيل مسئول للمحاسبة، ولا يوقف عابث أو فاسدا، ولا يكترث لفساد يبتلع الوطن، ولا يحيل مجرما للقضاء بل يمنح حصانة لألف قاتل بجرة قلم، ولا يوقف قمع أو انتهاك يملأ الوطن لا يمكن التعويل أو الرهان عليه بأمور من شأنها أن تصلح حال اليمن.

إن البرلمان القائم هو جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزء من الحل. ومثل هذا القول ينطبق أيضا على القيادة السياسية ومراكز القوى التقليدية القبلية والعسكرية. إن إصلاح الحال يحتاج إلى أدوات جديدة ومغايرة ولا نجد فيما يحدث شيئا من ذلك.

 

حاليا تستعد القوى السياسية في اليمن خوض حوار وطني شامل خلال هذا الشهر.. هل ستشاركون في مؤتمر الحوار، وهل تمت دعوتكم للمشاركة؟

لم ندع لأي حوار أو لأي مشاركة في صناعة حاضر ومستقبل اليمن. فالقوى التقليدية والحزبية لا تطيق أي شراكة بل هي تعمد إلى الاستئثار والإقصاء والاستحواذ. هذا ما لمسناة وخبرناه منها. لم تتغير ولن يصلح وجودها شأن لليمن. وإن ما يجري اليوم من إعداد لحوار ما هو إلا صفقات سياسية بين القوى والأحزاب التي تعيد انتاج النظام ولن تكون نتائجه أغلب الظن إلا فادحة بحق الوطن والشعب ويتم على حساب الديمقراطية والمدنية ومشروع الدولة المدنية الحديثة.

إننا من حيث المبدأ ندعم فكرة الحوار الوطني، لكننا نعترض على أداء السلطة و طريقة إدارتها للحوار الوطني؛ وبصراحة، إذا ما استمر المضي في الإعداد للحوار الوطني بنفس الوتيرة والآليات فلا أعتقد أني سأوافق على المشاركة فيه في حال وجهت لي دعوة للمشاركة؛ ليس لدينا الاستعداد أن نتحمل خطايا غيرنا ونكون جزء منها وسببا في قطر الوطن إلى الكارثة، لن نكون مخملا أو غطاء لخطاياهم، ولن نزيف وعي الناس بما نحن متأكدين أنه مغالطات لا تنتج حلولا أو مستقبل جيل.

نحن سنراقب ونضغط ونقاوم كل من يرى الديمقراطية مجرد صفقة مصالح ونخاسة يستفيد منها "المتفيدون" على حساب هذا الشعب المنكوب بحكامه ماضيا وحاضر. نحن سنقاوم من يحول معايير الحكم الرشيد إلى معايير استبداد ويعمد إلى تزييف وعي الناس بالدجل والخداع والأكاذيب.

لن نشارك في صناعة الوهم لشعبنا وما يحدث لا يمكن أن يصنع مستقبل لليمن وشعبه. سنظل كما نحن ثواراً لا يكلون ولا يملون ولا يفقدون الأمل في قدرتهم على التغيير طالما مراكز القوى التقليدية التي استحوذت على الثورة واستولت عليها عاجزة عن تأسيس دولة مدنية حديثة وديمقراطية وغير قادرة على تحقيق مستقبل لشعبنا عامر بالخير والحرية.

مؤتمر الحوار الذي يتجاهل القوى الجديدة ويعتمد على الصفقات السياسية والمحاصصة بين القوى السلطة المتحالفة ويتآمر على المستقبل لا يمكن أن يقود اليمن إلا إلى وضع تفجيري كارثي، وفي أفضل حال يكون مؤتمر الحوار مؤتمر شكلي يرحل المشكلات والقضايا ويبقيها دون حل وسوف تكون الكلفة رغم الترحيل باهظة وأكثر كلفة وندم.

 

ما هي أولويات التحالف المدني للثورة ؟ وهل سيستمر هذا التحالف أم أنه مكون لمرحلة زمنية يراها البعض شارفت على الانتهاء؟

التحالف المدني هو أحد مكونات جبهة إنقاذ الثورة السلمية، وتعمل الجبهة ومكوناتها وأعضاءها وكل أطرها لتكون رافعة وحاملة لمشروع مدني حقيقي يستوعب معطيات الحاضر ويلبي احتياجات المستقبل.

جبهة إنقاذ الثورة السلمية وعلى رأسها التحالف المدني للثورة الشبابية تعمل من أجل أن تكون معارضة ثورية واعية وحاملة لمشروع مدني حقيقي لمستقبل عامر بالخير والحرية.

التحالف المدني للثورة الشبابية ولد من رحم الثورة وتشرب قيم المدنية والديمقراطية وسيظل على نفس النهج والطريق. سوف نقرر مع رفاقنا وزملائنا في التحالف المدني الذي أرأس لجنته التحضيرية مستقبله على ضوء معطيات الواقع أما أن يكون حركة سياسية أو جماعة ضغط أو تحويله إلى حزب سياسي. كل الاحتمالات مفتوحة على نحو ما يستجد وما يجعله أكثر فاعلية وتأثير وحضور.

زر الذهاب إلى الأعلى