تحليلات

في فهم القضية الجنوبية.. منصور السروري

 مدخــــــــــــــــــل

لم تعد القضية الجنوبية مسألة أو قضية يمكن حلها عبر مصفوفة من الخطوات والنظريات السياسية أو التصورات الدينية , واجتهاداتها أو على طريقة الأعراف والتقاليد القبلية أو العسكرية, ولا حتى باجتماع هذه المصفوفات معاً.

لم تعد القضية الجنوبية إشكالية في ذاتها وإنما إشكاليات كامنة في جذورها.

 الإشكالية ليست في القضية ، ولا في ثقافتها , وإنما فيهما معاً أي في " إشكالية ثقافة إشكالية القضية الجنوبية" ، وأي محاولات لتجاوز (المتأشكل) في إثقافة الإشكالية لن تفضي ضمن سيرورتها بحلول قطعية ايجابية , وإنما بتقاطعية مع المستقبل لحياة شعبنا سواء في الجنوب والشمال , و في طبيعة العلاقات التي سيعاد صياغتها على نحو تقاطعي معقد بينهما.

 

إن مسارات وأحداث القضية الجنوبية التي باتت عليها اليوم لم تأت دفعة واحدة ، وإنما مرت بفترات ثلاثة ـ سنأتي عليها لاحقاً ـ من عمر الوحدة اليمنية أنتجت في محصلة معطياتها كل هذه التعقيدات التي إن حلت بوعي , ومسؤولية وطنيتين صادقتين سنكون قد عبرنا باليمن إلى مرافئ الأمن وشواطئ الأمان.

وقد اجتهدت في المقالة محاولاً تقديم فهم للقضية الجنوبية ــ يغاير كل من سبقني وهم كثر ــ في استعراض أهم منتجات الإشكالية ، وأي تهاون أو ازدراء لهذا الفهم سيفضي في النهاية إلى فقدان كل متاحات ، وخيارات الحل الممكنة ، وذهابنا إلى حالات التشظي الوطني الذي لن تقوم بعده في هذا العالم لنا قائمة.

سؤال الإشكالية

 تتزاحم الأسئلة في أذهان الفئات الواعية بتشعبات إشكالية القضية ، وتعدد جذورها وإشكالية تمددها الثقافي في الوعي الاجتماعي الجنوبي ، ويحتار مؤرخ الأفكار في اختيار المنهجية العلمية التي سيعتمدها وعملية الاستقراء في شرح القضية.

 إزاء ذلك ألتمس العذر من فئة نخبوية معينة إذا لمست قلقاً في تقديم وتأخير بعض الأفكار , وأسئلتها أو في تداخل بعض الموضوعات التي قد ترى أنها حشرت في سياق (هذه المقالة) حشراً بينما هي ذات صلة وطيدة بجوهر( الإشكالية).

إن السؤال المهم الذي ينبغي طرحه هو : – ما التشخيص الموضوعي لإشكالية القضية الجنوبية ؟

من الصعوبة بـ (زمكان) الوصول إلى عملية تشخيص دقيقة دونما توجد محددات شرطية فيمن سيعزى إليه أو ستوكل إليهم مهمة القيام بعملية التشخيص.

قبل التشخيص يجب أن نسأل أنفسنا بصدق : هل نحن مؤهلين جيداً لمثل هكذا مهمة جسيمة ؟ وما هي شروط أو محددات أن نكون قادرين على هذا التشخيص؟

فالمسألة الجنوبية ليست كما قد يٌتصور أن حلها سهل البعض بعد الإجابة على السؤال الأخير سنكون قادرين على إجابة السؤال الأول, والأسئلة التي ستتلاحق بتاعاً.

محددات تشخيص الإشكالية

تنقسم محددات تشخيص الإشكالية إلى محورين:

المحور الأول: المحددات الذاتية

ونقصد بها هنا( الآهلية والجهوزية) في القدرة على تشخيص الإشكالية وتحديد جذورها أو في القدرة على تحديد العلاج الناجع لها علاجاً كفيلاً بإقناع الجنوبيين بالعدول عن فكرة فك الارتباط أو الاستقلال.

وللتوضيح أكثر أشير أنني من خلال معايشتي وجلوسي إلى عشرات من الفاعلين في فصائل الحراك الجنوبي بعضهم ممن سجنوا واعتقلوا أو ظلوا مطاردين ومطلوبين لأجهزة السلطة إلى جانب متابعتي لكثير من تصريحات وأحاديث الفصيل المطالب لفك الارتباط التمست أنهم يرفضون رفضاً مطلقاً أن يكون كل من(مشائخ القبائل وتحديداً أبناء الشيخ الأحمر, و مشائخ الدين وخاصة الديلمي والزنداني وكل من وقف من العلماء من حزب الإصلاح إلى جانب تبرير شن الحرب على الجنوب مع علي صالح, وقيادات عسكرية كاللواء علي محسن وحتى المشير عبد ربه منصور هادي, وقيادات مدنية يأتي في مقدمتها باسندوة وغير هذه الفئات فهؤلاء في نظر أبناء الجنوب شاركوا منذ قيام دولة الوحدة في ضرب مشروعها الوطني وهم قبل أن يشاركوا في حل ما خلفته حرب1994م من أثار سنأتي عليها في ثنايا هذه القراءة مطالبين أولاً أفراداً وتجمعوا وخاصة تجمع الإصلاح مطالب اليوم أن يعتذر ويدين إدانة دامغة حرب صيف 1994م.

دون الاعتذار والإدانة لن يكون من السهل إقناع أبناء الجنوب أن تلك الحرب لم تكن حرب الشمال الشرعية ضد الجنوب الانفصالية لكونها في المخيلة حرب الشمال ضد الحنوب.

 بهذه الإدانة والاعتذار سيكون زعماء حرب 94م خاصة حزب الإصلاح , وشيوخ الدين والقبائل, والقيادات العسكرية والمدنية قد تأهلوا في عيون أبناء الجنوب, وأصبحوا قادرين على فهم قضيتهم.

هذا الشرط يعتبر أساسياً في نفسية ووجدان أبناء الجنوب خاصة في وعي الشريحة التي ترى أن ( الفيدرالية) هي الخيار الممكن لبقاء الجمهورية اليمنية الاتحادية.

إن عدم تحلل حلفاء الحرب من خطيئة حرب 94م وما سبقها من دفع بالبلاد إلى أتون الحرب وما نجم عنها من آثار كان الجنوبيين وحدهم ضحاياها والمتلظي بوقيد نارها.

بدون التحلل والتطهر من تلك الأخطاء التي كانوا طرفا فاعلاً في صناعتها فإن أي علاج لن يكون مقبول بتاتاً.

هذا هو المحدد الأول لقبول حضورهم ضمن عملية تشخيص إشكالية القضية الجنوبية والذي خلاصته الاعتراف بخطيئة الحرب وإدانتها والاعتذار عن جرم مشاركتهم فيها وعن ما لحق بالجنوبيين من آثارها ، وما يترتب عن الاعتذار من تعويضات أخلاقية ومادية ومعنوية.

هذا هو المؤهل الذي به سيكونون جاهزين لتشخيص إشكالية القضية الجنوبية ، وفهمها ووضع العلاج المناسب لها.

 لأن الاعتراف في جوهره إنما هو في " اكتشاف أؤلئك المخطئين لأنفسهم" من ناحية في اقتراف الخطأ بحق إخوانهم الجنوبيين ، ومن مقتضاه التصحيح وتقديم الاعتذار المقبول ، ومن ناحية ثانية في أنهم صاروا يقدرون النتائج على مستقبل الوطن كاملاً إن هم تجاهلوا خطورة التمادي في مواصلة ماضي أخطائهم وأطماعهم.

تلك إذاً المحددات الذاتية ليكونوا مؤهلين وجاهزين للقيام بعملية التشخيص, كون هذه الآهلية سترتقي بهم إلى مستويات من الوعي يصيروا عندها ذاتياً مؤهلين للقبول بنتائج تشخيص القضية الجنوبية.

 المحور الثاني : المحددات الموضوعية

هي الاستعداد الكلي في التسليم بأن هنالك مشكلة ، والإقرار بخطورتها من خلال المحددات الموضوعية التالية:

 1 – الوقوف على فترات تطور القضية الجنوبية وتشخيص منتجات إشكاليتها

2 – إدراك خطورة إشكالية القضية

3 – التسليم بالعلاج الناجع لها مهما كانت مرارته.

  فترات تطور القضية الجنوبية وتشخيصها

 إن منتجات (بكسر التاء) إشكالية القضية الجنوبية لا يمكن حصرها بمرحلة ما بعد حرب صيف 1994م فحسب وإنما في ثلاثة مراحل هي:

1 – الفترة الأولى (22 مايو90م حتى 20فبراير1994م)

2 – الفترة الثانية (20 فبراير1994م -7 / 7 /1994م)

3 – الفترة الثالثة ( 7 / 7 / 1994م – 21فبراير2012م)

ففي ثنايا كل فترة من هذه الفترات أخذت معطيات جمة تنتج إشكاليات لا حصر لها ظلت تراكم تعقيداتها حتى صار الحال على ما هو عليه اليوم.

المرحلة الأولى

(22مايو90م حتى 20فبراير1994م)

 سأتجنب الخوض في مناقشة عناوين قديمة ك (عدن للعدنيين ، والجنوب العربي ، والجنوب اليمني ) كون هذه العناوين لا تشكل أو تدخل ضمن الأسباب المنتجة للقضية الجنوبية بأي حال من الأحوال لموتها تماما بعد الإستقلال وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية ، ولهذا اخترت أن أبدأ المعاينة داخل حقول القضية الجنوبية التي ولدت ونمت متمرحلة في أحضان جمهورية 22 مايو 1990م.

بدأت الفترة الأولى بقيام دولة الوحدة ، وانتهت في تصوري يوم(20فبراير1994م) إثر توقيع وثيقة العهد والاتفاق في مدينة عمان الأردنية.

يخطئ من يعيد قراءة هذه المرحلة حسب المنظور الإعلامي أو من خلال الطروحات النظرية المحلية من أن الحزب الاشتراكي أو أمينه العام كانا السبب في ما آلت إليه الأحداث والتطورات السياسية حينها.

بل أن تجربة السنوات الأربع في هذه الفترة حدت بالجنوبيين وخاصة الفصيل المطالب بفك الارتباط تحاشي مناقشة أي موضوع عنها, وينظر لها على أنها تجربة فاشلة بكل المقاييس, وأن مشروع الوحدة لم ينتهي بالحرب أصلاً ، وإنما انتهى بالظواهر التي أفرزتها هذه المرحلة من طغيان العادات والتقاليد والقيم والسلوكيات المختلفة الشمالية على مظاهر الحياة الجنوبية التي كانت من الناحية التمدنية أكثر رقياً.

لقد أصطدم الجنوبيين بتمايزات وظواهر يستحيل معها التعايش داخل الدولة الجديدة.

 أولاً : التمايزات المتباينة في هذه الفترة

 أ‌-      التمايز الاقتصادي والإداري:

كان واضحاً وجلياً أن التمايز النوعي يصب في صالح دولة الجنوب اقتصاديا على أكثر الجوانب المتصلة به بدليل أن القيمة الشرائية لـ( دينار الجنوب) تفوق معظم العملات العربية حينها فكان(الدينار= 20 ريال سعودي= 26ريال يمنياً) ، وكان التمايز الوظيفي لصالح الجنوب إذ ظهر الموظفون الجنوبيين الذين قدموا إلى دواوين الوزارات في صنعاء أكثر التزاما بالدوام الوظيفي كاملاً, وانضباطا في الحضور, ومرونة في التعامل مع الموظفين, وأبوابهم مفتوحة دونما حراس عليها,وكان جلياً أن التمايز الإداري الأكفاء والأنظف والأخلص يصب لصالح القادمين من دولة الجنوب.

 

ورغم أن الاقتصاد الجنوبي كان بيد الدولة (القطاع العام) ،ولا توجد استثمارات غير أن الحقائق المسجلة في المقابل كانت تؤكد أيضاً أفضليته على الشمال (والدليل على ما نقوله  ما تناولته أهم مجلة يمنية حينها هي مجلة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ــ الحكمة ـــ الصادرة في شهر أبريل 1990م ) وهذه هي المعطيات:

 1 – كان الدين العام الخارجي على الشمال (2مليار,51مليون دولار ) وخدمة الدين العام (1,99) مليون دولار بينما في الجنوب بنفس العام (مليار,927مليون ,1000دولار) ، وكان الفارق أن ديون الشمال تزيد عن ديون الجنوب بـ(194,400,000) مائة وأربعة وتسعون مليون, وأربعة مائة ألف$ .

 2 – كان عجز الشمال في ميزان العملات التجارية (695) مليون $, وعجز الجنوب (382)مليون$*(انظر مجلة الحكمة ابريل 1990م).

 3 – كان ميزان الحساب التجاري بين الصادرات والواردات السلعية يصب لصالح الجنوب فكانت قيمة الصادرات السلعية الجنوبية (30,50) مليون $ في حين في الشمال (20,70) مليون $ والواردات السلعية تكلف الشمال (مليار ,33مليون ,200 الف دولار في حين قيمة الواردات السلعية في الجنوب (431) مليون,700 الف $ , ورغم أن الميزان التجاري كان سلبيا على الدولتين لكنه كان سلبيا أكثر على الشمال بفارق (611 مليون ,400 ألف دولار *(انظر نفس المرجع).

 أكتفي بهذه الشواهد فقط لأذكر من لا يتذكر وأتساءل:

 أليست هذه الأدلة ــ ويمكن العودة إليها من التقارير السنوية الصادرة عن الجامعة العربية لأعوام(87, 88, 89, 90م) ومجلة الحكمة اليمنية ــ كافية لإثبات زيف الدعاية التي كانت تشن , وتوظف خلال فترة حرب(1994م) ؟ ، واستمرت تشن بعد الحرب ضد الجنوب في أنه كان أسوأ من الشمال اقتصاديا مستغلين في ذلك النمط الاقتصادي القاتم في الجنوب على أساس اقتصاد الدولة العام ، والذي كان على رغم ما فيه من أخطاء ليس إلا نتاج مرحلة تاريخية كونية عاشتها كثير من شعوب العالم تبعاً لمواقف وتحالفات دولها مع أحد المعسكرين أثناء الحرب الباردة.

 لقد أتضح أن أعباء اقتصاد الدولة الاشتراكية في الجنوب كان أقل بكثير من أعباء اقتصاد دولة الشمال الرأسمالية التي لم يكن لها من الرأسمالية سوى الاسم.

 إنني هنا لا أتحدث عن اخطأ هذا أو ذاك في فترة ما قبل 1990م عندما أورد هذه الشواهد والإحصائيات بقصد تفضيل أحدهما , وإنما أورد هذه الشواهد لغرض التذكير بأن أبناء الجنوب كانوا على يقين أنهم من حيث الأفضلية هم حقيقة أفضل من الشمال ، وكل ما يحتاجونه هو فقط الانفتاح على تجارب اقتصادية ناجحة كتجربة الصين مثلا لاستثمار ثرواتهم التي تتفوق على ثروات الشمال عشرات الأضعاف ناهيك عن كفايتها لتلبية احتياجات الجنوب لعقود طويلة لقلة عدد سكانه.

 أمر أخر في غاية الأهمية يكمن في أنهم رأوا في الوحدة بداية جديدة في استخراج ثروتهم واستثمارها.. بصرف النظر عن أنهم لن ينفردوا بها.. فقد صاروا في دولة واحد لكنهم وجدوا أن عوائد ثرواتهم تذهب إلى جيوب عصابة النظام و متنفذيه , وكان شعورهم أنهم حرموا منها مرتين .. مرة وهي في بطون المياه والتراب ، و مرة ثانية وهي تستنزف .. وازدادت حدة هذا الشعور قي استياء حياتهم المعيشية التي قبل الوحدة وإن كانت كما يرونها مقيدة لكنها لم تك لتجعلهم يخشون الفقر والجوع على الإطلاق.

 كما إن مظاهر التمايز الإداري إلى جانب الاستقرار الاقتصادي تتجلى بقوة في غياب الفساد الإداري فليس بمقدور أي شخص مهما علا شأن مركزه في الدولة أن يخل بمهامه الوظيفية كأن يأخذ رشوة نظير خدمة هي في صلب واجبه .. بل أن الرشوة جريمة لا تغفر مهما كانت بسيطة.

ب ــ التمايز الاجتماعي والثقافي:

إذا لم تكن قد أتلفت سجلات فروع دوائر الأمن التابعة لوزارة الداخلية لدولة الجنوب لفترة ما قبل 1990م فلا ريب سيقف أي إنسان أمامها مبهورا و سيتفاجأ أمام ندرة إن لم تقل انعدام أو خلو تلك السجلات من جرائم كــالسرقات- الرشاوى- القتل الثاراتالفساد , وإن اختفى مجرم في جحر ضب فسوف تصل إليه عيون وأيادي أجهزة الأمن.

وهذا يقودنا إلى التمايز الاجتماعي في حياة الجنوبيين عكس الشماليين الذين كانوا يعانون من تلك الجرائم الاجتماعية لأن الدولة استطاعت أن تكافح وتطمس تلك الجرائم وتقضى عليها في الوعي الاجتماعي.

لم تكن هناك خلافات بين أوساط الأنسجة الاجتماعية المتعددة والمختلفة أو صراع اجتماعي حيث انحصر الصراع في النخبة السياسية الحاكمة التي نجحت وفشلت في آن واحد.

 نجحت في السيطرة على المجتمع وفي الحد من الفوضى, وفشلت في إدارة خلافاتها الفكرية التي كان من صور فشلها الإطاحة بالرئيس قحطان ، واغتيال أحد القادة البارزين فيصل عبد اللطيف في 1969م , مروراً بإعدام الرئيس الثاني سالم ربيع علي (سالمين) 1978م , وسقط المئات من خيرة الكوادر التاريخية في 13 يناير86م.

 غير أن هذه الثلاثة الدورات انحصرت عند هرم السلطة, وليس في قاع المجتمع , فلم نسمع أن قبيلة هاجمت قبيلة , أو تقاتلت معها أو أن قبيلة امتازت بحقوق ومزايا على قبيلة أخرى..حيث كانت الدولة قد عملت على تهيئة البنى الاجتماعية ونقلتها من طور مؤسسة القبيلة القائم على الثارات والثارات المضادة إلى طور مؤسسة الدولة الحديثة القائم على هيبة واحترام النظام والقانون المعمول بهما كسقفين يستظل تحتهما بالتساوي المجتمع كله من أصغر فرد في قاعه إلى أكبر فرد في قمة سلطته.

وبذلك قضت الدولة هناك على تمايز النظرة الاجتماعية بين رعاياها ، وارتفعت عديد شعارات تؤكد حقيقة انتفاء الفوارق الطبقية والتمييز بين الأفراد والجماعات أشهرها ذلك الشعار الذي رفعته شريحة المهمشين (الأخدام) : سالمين قدام .. قدام , سالمين ما حناش أخدام ، ووصل الأمر إلى حد أنه في حال ثبوت أن فردا نادى أخراً بــ( يا خادم ) فسوف يجد نفسه جالساً أمام قاض محكمة من المحاكم , وقد يصدر ضده حكماً إن لم يقوم بتقديم اعتذار رسمي.

من هذا الواقع الذي ساد نستطيع الجزم أن التعايش الاجتماعي بين أبناء الجنوب كان متميزا على مثيله في الشمال الذي لا يزال فيه التمايز شاسعا بين رعاياه فهناك ( المزين, والخادم, و القبيلي , والرعوي ) وهناك النظرات الاجتماعية المتناقضة ليس فقط في تلك التوصيفات بل امتدت لتشمل احتقار المهن التابعة لها , ناهيك عن احتقار المهن الفنية والوظيفية, فالضابط أفضل من المدرس, والمحاسب المالي أفضل من الضابط …الخ ذلك ، وهنا يجب أن ندرك السبب الرئيس في وجود التباين الكبير في التمايز الاجتماعي بين واقع الجنوب وواقع الشمال والمتمثل في التمايز الثقافي.

إن التمايز الثقافي هو الذي أفضى بدوره إلى وجود وعي اجتماعي يميز الجنوب عن الشمال في كل شيء وفي حياته الاجتماعية, وهذا أمر طبيعي, فعدن كانت حاضرة المنطقة وحاضنة اليمنيين بعد وقبل ثورة اكتو بر 1963م . وعندما نقول بذلك التمايز فيكفي أن عدن عرفت الصحافة منذ وقت مبكر والمجلات, والإذاعة والمسرح والتلفزيون, ناهيك عن موقعها كميناء عالمي جعل سكانها يصادقون مختلف الأجناس البشرية, وناهيك عن احتضانها للحركات الوطنية, والنقابية والأحزاب والجمعيات كل ذلك شكل الوعي الثقافي المبكر, وجعل العقلية الجنوبية أكثر مرونة للقبول بالمدنية والتحضر, و التثاقف , ويكفي أن أول مؤتمر عقده اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كان في عدن في 1974م.

ج ـــ التمايز السياسي:

ليس المقصود أو المراد – بالتمايز هنا (الأفضلية الفكرية للعقلية السياسية الجنوبية على الشمالية) وإنما المراد الذي أقصده هو تمايز التحصيل التراكمي في الوعي الثقافي السياسي ومنسوب درجة التطور المعرفي السياسي بفعل مراكمة التجارب المتحولة على مدى عقود ثلاثة ليس في الجنوب فحسب بل والشمال, إلى حد أن الوحدة لم تكن مجرد شعار في الوعي السياسي الجنوبي بقدر ما كانت مرتكز أساس من مرتكزات المشروع الوطني الكبير لليمن الواحد.

وحتى يدرك من يتجاهل حقيقة التمايز السياسي لدولة الجنوب على دولة الشمال فلابد من إعادة المعاينة إلى المسار التاريخي للنظام السياسي الذي حكم الشطرين وسيكتشف من خلال التأمل فارق التطور والنضج الحاصلين بينهما بصرف النظر عن الأخطاء التي شابت التجربتين ، كما سيقف عند أي منهما كان عند قيام دولة الوحدة يترجم هدفاً من أهدافه المتأصلة فيه , وظل يراه على رأس أهداف الحركة الوطنية (الشمال ، أم الجنوب )؟

إن ما يميز النظام السياسي المتمثل في( الحزب الاشتراكي اليمني) أنه بنا بعد عملية كفاح دولة مدنية ، ومسلحة منذ تأسست أولى خلاياه مطلع الخمسينيات , عكس (المؤتمر الشعبي) الذي حكمت قياداته بأسلوب استعماري .وقد مر الحزب الاشتراكي اليمني مر بمراحل ثلاث هي:

المرحلة الأولى : بذور الحزب الاشتراكي


( أ) في الجنوب
أقصد بالبذور هي تلك(الخلايا) والنقابات التي ظهرت في عدن منتصف القرن الماضي وكانت (النواة) التي خرجت منها (الجذور) التي أخذت تتمدد وتتأصل ثابتة في تربة العمل الوطني والنضالي في الجنوب وتتفرع إلى الشمال وهذه البذور هي :

1 – 1958 م الجبهة الوطنية

2 – 1959 م حركة القوميين العرب فرع اليمن خرج منها جذرين (فرع الجنوب فرع الشمال ).

3 – 1956 م حزب البعث العربي الاشتراكي الذي خرج منه بعد ذلك الجناح الاشتراكي في صورة حزبين الأول عام (1971 م) هو حزب الطليعة الشعبية في الشمال وعمل الآخر نفس الاسم والصفة في الجنوب(ابريل1974م ).

4 – اتحاد الشعب الديمقراطي 1961م

وتأسست خلاياه ابتداءً من عام 1953م في عدن, 1958م في تعز وتفرع إلى جذرين في الشمال والجنوب

5 – الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل :

تأسس مكونها الأول في فبراير 1963م ثم تأسست من ستة مكونات سياسية وعسكرية واجتماعية هي (حركة القوميين العرب والجبهة الوطنية, المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل, جمعية الإصلاح اليافعي, التشكيل السري للضباط الأحرار , تشكيل القبائل ) في 19اغسطس 1963م, وفي أقل من شهرين سقط في ردفان أحد قيادات مكونات ــ تشكيل القبائل ــ الشيخ غالب بن راجح لبوزة شهيدا و بسقوطه أعلن تاريخ اندلاع ثورة الجنوب 14اكتوبر, ومع نهاية هذا العام كانت قد انضمت فصائل عديدة للجبهة القومية التي مثلت طليعة العمل الكفاحي المسلح لاستقلال الجنوب, والجذر الأقوى لنبتة الحزب التي تجذرت بعد انعقاد مؤتمرها الأول في تعز عام 1965م وكان ابرز قاداتها: قحطان الشعبي والشهيد فيصل عبد اللطيف والشهيد عبد الفتاح إسماعيل وسلطان أحمد عمر و آخرون .

" نظمت تلك الفصائل وقادت ثورة الرابع عشر من أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني وحققت بمشاركة فصائل وشخصيات وطنية أخرى الاستقلال الوطني بعد أربع سنوات من الكفاح، ووحدت ثلاثاً وعشرين سلطنة ومشيخة وإمارة في إطار دولة وطنية موحدة في الثلاثين من نوفمبر 1967م، وتحققت فيها الكثير من المكاسب الوطنية والاقتصادية والاجتماعية لجماهير الشعب، أبرزها إرساء الأمن والدفاع عن السيادة وإنهاء ظواهر الثأر والحروب القبلية وتحقيق استقرار وتطور معيشي وثقافي وإيجاد قضاء عادل ونزيه وتحقيق مجانية التعليم والصحة ومكافحة الأمية والجهل وتأهيل عدد كبير من الكفاءات الوطنية، وتمتين اللحمة الوطنية للشعب".انظر البرنامج السياسي .

ب – في الشمال

لقد " أسهمت تلك الفصائل عبر تنوير وتعبئة وتنظيم الجماهير الشعبية في التمهيد لثورة السادس والعشرين من سبتمبر والدفاع عن النظام الجمهوري، كما شاركت في المراحل اللاحقة وبأشكال مختلفة في الدفاع عن السيادة الوطنية وعن مكاسب الثورة وفي المطالبة بالحريات والديمقراطية وتحقيق الوحدة اليمنية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي للشعب .

لقد كانت بعض تلك الفصائل في الشمال بمثابة البذور للحزب التي تجذرت في الجنوب ثابتة ،وتمددت متفرعة في الشمال وكان لافتاً أن بعضها الآخر ابتذرت من رحم الفكر اليساري ر وجذور الحزب في الشمال هي :

1 – اتحاد الشعب الديمقراطي :

وهي الخلايا اليسارية التي أسسها (عبد الله باذيب) أثناء لجوئها إلى تعز ومكوثه فيها إثر طرد الاحتلال له بسبب مقالته الشهيرة المسيح الذي يتكلم الإنجليزية فأسس ومعه عبد الغني علي خلايا (اشتراكية) تحولت بعد ذلك مع التي في عدن إلى اتحاد الشعب الديمقراطي عام 1961م وأشهر من قاد فرع الشمال عبد الله صالح عبده .

2 – الحزب الديمقراطي الثوري اليمني :

تأسس في قرية حارات الأعبوس 28يوليو 1968م في منزل عبد الرحمن محمد عمر بقيادة نخبة من العسكريين والسياسيين وحركة القوميين العرب فرع الشمال أمثال سلطان احمد عمر, جار الله عمر, عبد الحافظ قائد, عبد القادر سعيد, علي مثنى جبران, علي الآنسي, وعبد الرحمن أحمد عمر, والشهيد علي قاسم سيف, وعبد الرحمن غالب , وعبد الحميد حنيبر, عبد الرقيب الحربي ، عبد الوراث عبدالكريم ، حمود ناجي سعيد ، أحمد قاسم دماج ، عبد الحفيظ بهران ، مالك الارياني ، ويحي عبد الرحمن الارياني ، وعلي مهدي الشنواح ، أحمد أمين زيدان ، محمد ناصر العنسي وعشرات آخرين .

3 – حزب العمل اليمني

هو حزب تأسست نواته الأولى في مدينة الحديدة بمنزل القاص(محمد مثنى) وكان اسمه( حزب العمال والفلاحين الديمقراطي) وتحول تسميته إلى حزب العمل اليمني في 1970م ومن أشهر قيادته سيف احمد حيدر, وعبد الواحد غالب المرادي , وعبد الباري طاهر .

4 –  حزب الطليعة الشعبية :

الجناح الاشتراكي في حزب البعث العربي الاشتراكي انفصل عنه وتأسس باسم حزب الطليعة الشعبية عام 1971م بقيادة يحي الشامي ، وحسن شكري ، محمد طربوش سلام .

5 – منظمة المقاومين الثوريين اليمنيين :

وهي منظمة تأسست من المجاميع العسكرية التي عانت كثيرا داخل الجيش من هيمنة وسيطرة و مناطقية ( قيادات عسكرية منحدرة من القبائل أو من العائدة للجيش بعد أن كانت ملكية) ونظرا لتباين المستوى الثقافي بين الضباط ذوو الثقافة الثورية والوطنية والقومية واليسارية وبين الضباط المتجلببين بثقافة القبيلة والمذهبية والتبعية سواء للمصريين أو السعوديين نظرا لذلك تأسست منظمة المقاومين الثوريين اليمنيين ولم تقتصر على عناصر عسكرية بل ضمت إلى صفوفها كثيراً من العناصر التي شاركت في المقاومة الشعبية أثناء حصار السبعين .

ومن أشهر قياداتها : احمد علي السلامي , وناصر السعيد, وحسين الهمزة, وعبد اللطيف الهمزة, و سعيد هزاع المعمري .

المرحلة الثانية : جذري الحزب

تقاربت البذور وتلاحمت وتوحدت فتجذرت في جذرين يساريين هما :

1 – التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية في الجنوب :.

ففي 11- 12/ 10/1975م وتحت شعار على طريق بناء الحزب الطليعي من طراز جديد أنعقد المؤتمر التأسيسي من(الجبهة القومية) واتحاد الشعب الديمقراطي (باذيب), والطليعة الشعبية فرع الجنوب, ومن هذا التاريخ صارت القوى السياسية في الجنوب منضوية تحت التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية .

2 – الجبهة الوطنية الديمقراطية في الشمال :.

في 11 فبراير 1976م ائتلفت فصائل اليسار الخمس في الشمال (الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ، حزب العمل اليمني , حزب الطليعة الشعبية فرع الشمال , اتحاد الشعب الديمقراطي فرع الشمال ومنظمة المقاومين الثوريين اليمنيين ) وغيرها من المنظمات والشخصيات الوطنية الديمقراطية في إئتلاف جبهوي موحد هو الجبهة الوطنية الديمقراطية .

المرحلة الثالثة : من الجذور إلى الشجرة :

في الفترة (11- 15/ 10/ 1978م)حل الحزب الاشتراكي اليمني محل الجبهة القومية في المؤتمر العام التأسيسي بعدن, وفي 8،9 مارس 1979م عقدت فصائل اليسار في مدينة عدن مؤتمرها التوحيدي الذي انبثق عنه حزب (الوحدة الشعبية ـ حوشي ) , واتفق على أن تكون الصيغة التنظيمية لـ ( الاشتراكي, والوحدة الشعبية ) على مستوى الوطن اليمني كاملاً هي الحزب الاشتراكي اليمني التي تم الإعلان عنها يوم 21مايو 1990م .

وأجمل تعبير يلخص هذه التجارب والتطورات ما قاله عبد الجبار عبد الله الصلوي : إن الحزب الاشتراكي ثمرة وطنية فرضتها الضرورة التاريخية, وليس نبتة غربية غريبة كما يحاول خصومه السياسيين تصويره (ص / الثوري )

صحيح أن هذه التجارب أفضت إلى وجود حزب شمولي ـ فرضته الضرورة التاريخية السياسية ــ وكان من نتائجها مأساة 13يناير.. بيد أنها حدت به بعد ذلك إلى مراجعة فكرية ونقدية أحدثت تغييرا ملحوظا داخل مجرى الحياة السياسية الداخلية له.

 وما كانت هذه المراجعة والتجربة النقدية لتتم دونما يستفيد الحزب من موروثه التراكمي والأحداث المؤلمة في عام 1986م, وهي مراجعة عبرت عن نفسها في الكونفرس الحزبي العام1987م وجرى تطويرها في مسارب عديدة وصلت إلى التعبير عنها في برنامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي الشامل الذي دعا ولأول مرة إلى نقل الديمقراطية من المركزية الديمقراطية إلى الديمقراطية في الحياة الداخلية للحزب, والتخلص من هذا القيد كونه ظل يختزل الحزب في لجنته المركزية, وهذه في المكتب السياسي, وهذا في أمانته العامة, والأخيرة مختزلة في أمينه العام,.. من هذا العام 1987م شرع تكريس ثقافة قبول الآراء المتعددة داخل صفوف الحزب وصولا إلى منابره الإعلامية.

هذا التطور وتلك التجارب والمراحل ومظاهرها لاشك أنها قد ميزت العقلية السياسية التي جاءت إلى دولة الوحدة من الجنوب عكس نظيرتها التي كانت ما تزال غارقة في تقاليد القبيلة, ووعي العسكر, والتبعية المقيتة لآل سعود.

هذا التمايز السياسي بين صنعاء وعدن: جعل الثانية وبتعبير أدق جعل الحزب الاشتراكي أكثر من أي وقت مضى عن غيره الحامل الأول للمشروع الوطني الكبير الديمقراطية والتعددية والقبول بالتداول السلمي للسلطة, كما لم يكن سهلا يومها حد قول أمينه العام ( البيض ) أن تتعدد التباينات والآراء المختلفة لأنه يعاكس التفكير السائد.. لكننا استطعنا أن نربي أنفسنا على ممارسة الديمقراطية والتخلص من مركزيتها, وأن ننقلها إلى حيز ما من التطبيق كما لم يعد التعدد خيانة تمس الموقف الحزبي, ولم نعد نخاف التعدد, وإنما نقترح, نتناقش, ونختلف وينتصر رأي على آخر دونما نلغيه ( ص / الثوري).

أن هذا الإصلاح الحاصل داخل الحزب الاشتراكي كان أحد الدوافع الرئيسية في تغذية السير ناحية الوحدة على أساس الديمقراطية التي تعتبر الهدف الأول البارز على رأس مهام الحركة الوطنية, (ص / الثوري).

ويتجلى التمايز السياسي لصالح النظام الجنوبي هنا عندما كانت التحولات الكبيرة مع نهاية عقد الثمانينات ترسم ملامح الخارطة السياسية الجديدة للعالم كان الحزب يقرأ جيدا تلك الملامح المتجلية متطلباتها في ضرورة قيام أنظمة ديمقراطية جديدة, وهو الذي حدث فعليا في كثير من بلدان العالم أوروبا الشرقية , بعض دول جنوب إفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية وكانت اليمن واحدة منها بل الأولى في المنطقة العربية التي تعلن عن قيام دولة جديدة ذات نظام ديمقراطي.

وعلينا هنا ملاحظة : أن ما حدث من إصلاح وتطور في الحياة السياسية في الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب لم يقابله إصلاح موازي داخل حياة حزب الشمال المؤتمر الشعبي العام , وزادت عملية الإصلاح داخل الحزب تأخذ شكلا أوسع ديمقراطية عندما وجد نفسه يتمدد فوق الأرض اليمنية من المهرة إلى صعدة, وأخذ التمايز السياسي هنا خصوصية تميز الحزب عن غيره فلم يعد الحزب حاملا للمشروع الديمقراطي ذاتيا وإنما وطنيا إذ وجد نفسه أنه الوحيد المعني بحمل المشروع الوطني الكبير وحمايته, وتحمل في سبيله كل المحاولات التي استهدفته وقدم حسب أدبياته 152س شهيدا من خيرة كوادره المؤهلة والحاضرة بقوة في أوساط الناس حضورا مؤثرا ناهيك عن نجاة قيادات أخرى من الاغتيالات بأعجوبة من 22مايو 1990م إلى 20 فبراير 1994م.

 ثانياً: أبرز ظواهر المرحلة

نعم ظواهر وليست مظاهر كون الفارق شاسعا بينهما.. المظهر غالبا ما يكون واضحا, تراه وتستطيع وصفه, بينا الظاهرة- أقصد المصنوعة بشريا- قد تظل مبهمة رغم وجود دلالات تشير إلى أصابع من يقف خلفها لكن ثمة ظروف تحول دون قدرتك على توجيه الاتهام لصناعها, نحو ظاهرة الاغتيالات السياسية ، وتخريب مضمون الوحدة الوطنية التي ظلت تطال الحزب الاشتراكي، وغيرها من الظواهر التي لعبت دوراً خطيرا تجاوزت أبعادها الخطيرة كل جوانب الحياة في المحافظات الجنوبية التي لم تكن تعرف في حياتها مفردات هذه الظواهر فباتت مع الوحدة تعيشها واقعا مفروضا عليها.. وظواهر هذه المرحلة هي على النحو التالي:.

أ – ظاهرة التكفير:

في تقديري أن قيادة الجنوب السياسية حال أدركت أنها مصنفة في وعي علماء الإسلام السياسي في الشمال ، وعند بعض قبائل الشمال من التكفيريين التابعين للسلطة , أنها كافرة ملحدة شيوعية, وأن حزبها حامل وسيظل حاملا لواء الإلحاد مادامه يتسمى بـ الاشتراكي لكانوا تريثو عن الجري ناحية الوحدة أو لربما وضعوا ضوابط لهذه الظاهرة الأخطر على استقرار أو تطور حياة أي مجتمع.

( دعوة صادقة.. لتوبة صادقة )هو عنوان كتاب صدر- في النصف الثاني من عقد التسعينيات لــ أبي عبد الرحمن صالح بن حليس اليافعي تضمن عشرة خطب وجهها الشيخ الزنداني إلى الحزب الاشتراكي اليمني كنت قد استمعت إلى بعضها في أشرطة مسجلة وزعت واستمرت توزع عقب فترة الوحدة قبل أن ينقلها إلى كتاب اليافعي ومضمونها كما هو واضح من عنوانها دعوة صادقة لتوبة صادقة أفصحت عن شروط التوبة لأعضاء الحزب الصادقة, ودون تلك الشروط فإن الحزب يظل عاصيا مارقا وشرا لا يؤمن جانبه.

ولم تكد تمضي بضعة أشهر من إعلان الوحدة حتى كان أحد خطباء المساجد في محافظة ذمار في لقاء بمدينة يريم لخطباء المساجد يبدي اسنعداده لإغتيال الأستاذ على سالم البيض " انطر صحيفة صوت العمال العدد 980 الصادر يوم الخميس 18/11/1990م.

وقد يطول بنا هنا الاستدلال، لهذا أرجئ ذلك مكتفيا بإيراد شواهد أو وقائع عاشها الكاتب واستخلص منها كثيرا من الدروس والعبر، فأكرر:.

أن أول ما اصطدم به الجنوبيون هي ظاهرة التكفير.. ويكفي أن الشهيد جار الله عمر استمر يكفر دونما يوجد دليل واحد يؤكد أنه تلفظ بمفردة ذات مرة يستحق أن يكفر على تلفظه بها .. واستشهد. تبعاً لذلك الوعي الزائف.

لم يكن ثمة شيء قوي يستطيع أن يسيء إلى الحزب الاشتراكي حامل لواء الوحدة سوى التكفير فهذا تصريح للشيخ الزنداني من مدينة جدة قال فيه الوحدة اليمنية فرضت على الشعب اليمني في الشطرين لأغراض استعمارية ودعا الشيخ أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني إلى التوبة ما لم فسيجري إهدار دمائهم وقال أنه عائد إلى اليمن بعد الوحدة لأنه وجد أن الظروف تقتضي تواجده بعد غياب عشر سنوات في السعودية.«9»المرجع.

وأضاف كنت أقوم خلالها بإجراء بحوث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المملكة العربية السعودية

ومعلوم من هو الشيخ الزنداني أو ماذا يمثل من قيمة في عيون الإسلامويين أكانوا داخل تجمع الإصلاح أو خارجه كــ(الجهاديين والسلفيين وعند القبائل المتأسلمة إيديولوجيا) وفي عيون أتباعهم من الأنصار ، والتي ترى في فتاوى الشيخ حقيقة لا يجانبها الخطأ في أن الاشتراكيين كفار, ودماءهم مهدورة إن لم يعلنوا التوبة المطلقة .

 وليت دعاة التكفير ومن يصدقهم يعرفون أن الأصل الثالث من أصول الإسلام هو البعد عن التكفير كما أكد الشيخ الزهري الإمام محمد عبده بقوله " عُرف من قواعد أحكام الدين أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان ، ولا يجوز حمله على الكفر " انظر كتاب الإسلام والمدنية فصل أصول الإسلام.

وبالقياس إلى هذه الفتوى الدينية المتعمقة والصادرة عن أحد جهابذة التنوير و الاصلاح النهضوي مطلع القرن العشرين كيف تستقيم فتاوي التكفير الصادرة عن (الزنداني) الذي لم يستطع أن يتجاوز حتى مقررات السنة الثانية من دراسة الصيدلة في القاهرة في الستينيات.

فإذا كان (محمد عبده ) قد وضع وجه واحد من مائة وجه يحتمل الإيمان يحمل عليه المرء .. فكيف بالزنداني الذي كفر الاشتراكيين دونما يمتلك وجها واحداً يحتمل تكفيرهم ؟

وعلى ضوء ظاهرة التكفير هذه ولدت ظاهرة أخرى هي:

ب- ظاهرة الاغتيالات السياسية:

لم يعان أي حزب في اليمن مثلما عان الحزب الاشتراكي من اغتيالات طالت خيرة وأبرز كوادره, ومحاولات نجا منها كثير من قياداته بأعجوبة مثل عبد الواسع سلام وزير العدل, وأنيس حسن يحي، والدكتور/ ياسين سعيد نعمان وعائلته.

لقد قدم الحزب يومها بحسب الوثائق 152 شهيدا من أبرز كوادره التي كانت تمثل حضوراً جماهيريا وتحظى باحترام كبير في أوساط الناس.

كان الهدف من تلك الجرائم التي تطال عناصر الحزب ، ومواليه في مجملها هو ضرب قوة الحزب و شطب وجوده من الحياة السياسية كلية ، وما سيساعد على تحقيق هذا الهدف هو التقديرات الكامنة في وعي صالح وحلفائه وعيا تصوريا استقامت عليه كافة المخططات الإجرامية التي كانت تطبخ سيناريوهات الاغتيالات السياسية, وسيناريوهات التبريرات الإعلامية والسياسية ولم تكن تلك العقلية المتحالفة تدرك أن تقديراتها خاطئة حينما ذهبت تبنى على ضوئها إذ بنت عليها مخططاتها للإطاحة بالحزب ، كما لم تكن تدرك انها ستكون مكلفة حتى وإن تأخرت نتائجها فآثارها ستطال المستقبل كله ومن تلك التقديرات الخاطئة الوهمية:

1 – أن الحزب بالوحدة انتهى أو في طريقه إلى النهاية لأن أبناء الجنوب كانوا غير قادرين على التخلص من حكمه الشمولي ومن ديكتاتوريته أو مصادرة حرياتهم في الاستثمار والتملك.

2 – أن الحزب كان يحارب كل الأفكار الدينية, وأن الثقافة الاسلامية في مناهج التعليم حسب زعمهم تكاد تكون ممنوعة.

3 – أن تصفية كوادر الحزب في الجنوب أو الجنوبيين الذين انتقلوا إلى الشمال سيعزى إلى الثارات القديمة وتحديدا إلى الذين انزاحوا عام 1986م إلى صنعاء, ولهذا غالبا ما كنا نسمع إثر كل عملية اغتيال تطال كل من د/ ياسين سعيد نعمان في صنعاء, وأنيس حسن يحي في عدن, وهاشم العطاس في حضرموت, وكامل البيض بتصريحات رسمية فحواها أن تلك الجرائم ……… أنها " ثارات حسب تصريح مشهور للشيخ الأحمر آنذاك" , وأنها تصفية لحسابات قديمة في إشارة إلى أتباع علي ناصر محمد.

4 – لكن عمليات الاغتيالات التي طالت أعضاء الحزب في المحافظات الشمالية وكان عددها أكثر أثبتت عكس هذا القول وبطلان مثل تلك التصريحات من أن الزمرة هي التي تقوم بعمليات الثأر لنفسها من أحداث يناير 1986م.. حيث أثبتت بعض شواهد تلك الفترة من خلال كتاباتها تورط شخصيات اعتبارية قبلية ودينية تجمع بين تحالفها مع صالح وصداقتها لآل سعود, ودعمها للجهاد في أفغانستان, ووقوفها وراء قتلة كانوا يتوارون داخل معاطف قصورهم كقتلة أول شهيد اشتراكي في شمال اليمن عضو لجنة الحزب بمحافظة صعدة محمد الحوثي , وقتلة الشهيد ماجد مرشد.

وهنا نقول أن الحزب الاشتراكي لم يكن يقدم كوكبة الشهداء تلك تسديدا لفواتير حسابات قديمة كما كان يزعم خصومه ، وإنما كان هنالك كما أسلفت تقديرات مبنية على أوهام واهية وخاطئة في أن الحزب يجب أن ينتهي من الساحة اليمنية والعربية تبعا لسقوط المعسكر الاشتراكي ومخططات الرأسمالية الغربية التي كان خصومه أدوات تنفيذها لهذا الاعتبار وغيره من الاعتبارات الأخرى.

كانت تلك الاغتيالات في وعي صالح وحلفاءه, ومن القوى الإقليمية والدولية القائلة بنظرية نهاية التاريخ ، وبداية تاريخ جديد هو تاريخ الليبرالية الغربية الديمقراطية, ومن قبل المجاهدين الأفغان العرب العائدين من أفغانستان ـ أقول ـ من قبل الجميع الذين يرون أن شطب الاشتراكي إنما يأتي في سياق استكمال المشروع الجهادي في إنهاء الاشتراكية من على وجه الأرض كأفغانستان مثلا, ويجب أن ينتهي بالنسبة للرأسمالية التي ترى في بقائه إفشالا لنظريتها الجديدة نهاية التاريخ, ولصالح والقبيلة المتحالفة معه في هذه المهمة للاستحواذ على وطن أوسع وثروة أكثر واكبر.

كانت كل هذه التقديرات حاضرة , ولم يكن الاشتراكي عنها غافلا .. بل على العكس ذهب يعري, ويكشف زيفها, بل وينشرها على الجماهير اليمنية عبر وسائله الإعلامية خاصة صحيفة صوت العمال التي وصلت توزيعاتها إلى أكثر من خمسون ألف نسخة حينها.

كان الاعتقاد والتقديرات الخاطئة في أن استمرار تصفية كوادر الحزب سيقود في النهاية إلى:

1 – الضغط على الحزب في إجباره على اتخاذ قرار فك عرى الوحدة, وهنا سيحرق نفسه لأن الظروف لن تخدمه في التراجع عنها.

2 – إجبار الحزب على انتهاج عمليات عنف مضادة ضد جماعة علي ناصر محمد, وضد بعض الجهاديين أو بعض مشائخ القبائل ورجال الدين, وهنا ستلعب دوائر خصومه على إثبات الدعاية المنسوبة إليه من أنه حزب دموي لا يستطيع أن يعيش بدون حروب علاوة على أن وقوعه تحت هذا النهج كان سيسرع في تأليب جبهات عديدة تصطف على تصفيته وفقاً لقاعدة قبلية تقول حتى يتفرق دمه بين القبائل فلا تقوى بنو هاشم على الثأر.

3 – تخلي أعضائه عنه خوفا من أن يطالهم الاغتيال الجسدي أو الوظيفي.

4 – عزل الجماهير الموالية له عنه خوفا مما ذكرناه أعلاه ولعدم قدرة الحزب على حمايتها وكل هذه الاعتقادات كانت خاطئة فلم يقع الحزب ضحيتها بل على العكس أثبتت وهم صالح وحلفائه ومن يدعمهم دولياً بدليل ما يلي:

فوز الحزب الاشتراكي اليمني بانتخابات 1993م بعدد من الأصوات بلغت543الف صوت/508 على مستوى الجمهورية دون المستقلين المحسوبين عليه , وحصل المؤتمر على637,055 صوت, والإصلاح 371,646 دون المستقلين ( صحيفة المستقبل)

وفاز الاشتراكي, من حيث عدد الأصوات في المركز الأول في تسع محافظات هي تعز113,436 للاشتراكي , مقابل 82002 للمؤتمر , و67511 للإصلاح ولغياب القائمة النسبية حصد الإصلاح في تعز مقاعد أكثر من الاشتراكي والمؤتمر.

وإلى جانب تعز فاز الحزب بالمركز الأول في جميع المحافظات الجنوبية وفي كل من البيضاء ومأرب, ومثله المؤتمر فاز في تسع محافظات شمالية بينما حل الإصلاح ثانيا سواء في الجنوب أم في الشمال.

من هذه النتيجة نستخلص خطأ التقديرات من أن الحزب انتهى في المحافظات الجنوبية, ومن أنه في طريقه للذوبان.. بل أوحت هذه النتيجة للحزب بأن المستقبل حليفه ما جعل أمينه العام يشكر جماهيره التي صوتت للحزب ومن اقتناعه بها.

أثبتت النتائج أن الجنوبيين كانوا أوفياء لحزبهم في الانتخابات وأن نظريتهم له تقوم على أساس أنه رافعة للمشروع الوطني الديمقراطي والوحدوي وأنه الأكثر نضجاً ووعيا في الحياة السياسية وفي تقديمه نماذج راقية في السلوك الديمقراطي, والتضحية من أجل بناء دولة مدنية حديثة, ومن أنه استفاد من كل تجارب التحولات السياسية والنضالية في الجنوب.

بذلك وأكثر نظر أبناء المحافظات الجنوبية ، تعز ، البيضاء ، مأرب ، وبقية المحافظات من أن حزبها الاشتراكي هو الحامل الأول للمشروع الديمقراطي الوطني.

ظاهرة الفساد العام:

يكفي نموذج واحد هنا نسوقه للقارئ لنؤكد له حقيقة التمايز النوعي بين صالح وحلفائه والاشتراكي وهذا النموذج هو.

بعد عام من الوحدة لاحظ البيض أن هنالك اعتمادا مركزيا من الموازنة العامة يصرف لـ (الرئيس)من غير الاعتماد المالي الذي يصرف لديوان رئاسة الجمهورية كمرتبات وغيرها, ولاحظ أن صالح يصرف من هذا المال بسخاء لمن هب ودب , ويتكرم به كمكرمات سلطانية فأصر البيض حينها على إلغاء هذا الاعتماد, وإلغاء أية مصروفات غير مبررة كتلك, وعندما رفض صالح ولم يقتنع بمبررات نائبه أخذ الأخير نفسه وذهب إلى عدن واعتكف فيها مدة غير قصيرة , تدخلت شخصيات وطنية مع ياسر عرفات , وسوت الأمر والتقى الاثنان البيض وصالح في الحديدة وعاد إلى صنعاء.

لكن صالح كانت له طرق أخرى في نهب المال العام عجز البيض عن مكافحتها, واستمر فساد الرجل وحلفاؤه يتمادى أكثر خاصة بعد دخول شركات استخراج النفط في محافظة شبوة التي وجد أنها تعقد صفقات سرية مع الرئيس وشيخه دونما تقدير لطبيعة الظرف الوطني الجديد الذي قامت عليه دولة الوحدة ومرتكزاتها الأساسية كالشراكة والديمقراطية والتحديث.

بل أن ظاهرة الفساد كانت أكثر من أن يسيطر عليها في ظل تهرب شريك الوحدة من الذهاب إلى بناء أجهزة الدولة الحديثة على أسس النظام والقانون ما جعل مشاريع الإصلاح السياسية والاقتصادية ، المالي و الإداري تصطدم بتوجهات المفسدين المحميين من صالح وأجهزته الأمنية والعسكرية.

إلى هنا نكون قد انتهينا من تقديم صورة عن المرحلة الأولى التي أفضت بكل تمايزاتها وظواهرها إلى اصطدام الجنوبيين بواقع يشير إلى استحالة استمرار الوحدة في ظل تباين التمايزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بينهم والشمال في ظل معطيات مظاهر التكفير والاغتيالات والفساد الذوقي والأخلاقي.خاصة بعد أن اتجهت الأمور عقب انتخابات 1993م إلى دخول طرف ثالث في السلطة تجمع الإصلاح, وحدوث تحالف بين الطرف الجديد والمؤتمر ضد الطرف الثاني الاشتراكي نجم عن ذلك التحالف ممارسات قادت في مجملها إلى ضرورة صياغة وثيقة وطنية لحل الثغرات التي ظهرت إشكاليتها خلال الفترة الانتقالية وطغت أكثر ظواهرها بعد أبريل 1997م.. وثيقة صيغت بإجماع و طني عرت في مضامينها حقيقة مصلحة كل طرف في السلطة من دولة الوحدة.  

المرحلة  الثانية

(20 فبراير إلى 7/7/1994م(

أن خلاصة الأزمة السياسية بين صالح والبيض التي سادت أعقاب انتخابات إبريل 1993م كانت في جوهرها بين مشروعين مختلفين ومتعارضين:

ــ مشروع يسعى إلى تعزيز الوحدة والديمقراطية وتأسيس دولة المؤسسات والنظام والقانون. ــ مشروع يسعى إلى ضرب أسس الوحدة والديمقراطية وجعل اليمن رهن ماضي ما قبل 1990م من أجل الحفاظ على مصالحه الخاصة ، ونفوذه المتخلف وليذهب الجميع إلى الجحيم.

المشروع الأول يمثله الحزب الاشتراكي اليمني والقوى الحداثية , والطليعة المثقفة والمستنيرة, والمشروع الثاني يمثله التحالف القائم بين المؤتمر والإصلاح.

وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الواقع الذي تمظهر إبان الفترة الممتدة من إبريل 1993م وحتى 7/ 7/ 1994م, سنجد معطياتها تؤكد حقيقة اتجاه الحليفين الجديدين إلى ضرب الحزب الاشتراكي وإخراجه من الحياة السياسية برمتها.

يؤكد صحة ذلك ما كان الدولاب الإعلامي لطرفي الحرب المؤتمر والإصلاح يعج به من أساليب حاقدة في تصويره لطبيعة الخلافات السياسية التي تم تصويرها على أنها خلافات شخصية بين صالح والبيض وليست بين مشروعين , وكان هذا التصوير في غاية الخبث والخطورة, كونه يحجم الأزمة ن ويظهرها بخلاف حقيقتها ـ أي ـ ليس بين مشروعين و إنما بين شخصين ، أو على حد وصف الأديب والكاتب والحقوقي/ عز الدين سعيد أحمد: أنها " بين علي مكرر" تحت مقالة عنوانها كله تمام يا أفندم …(انظر صوت العمال)

 كان هذا التصوير مسطحا جدا, لأنه يختزل أزمة وطنية بين مشروعين حداثي وتقليدي, إلى أزمة بين علي وعلي.

وأثبتت الأيام بطلان هذا الاختزال , عندما تقدم الحزب الاشتراكي اليمني حينها بـ18 نقطة.

 وبعد مراوغة ومناورة, وحين أدرك صالح أن تلك النقاط الـ 18 قد وصلت إلى أقصى قرية نائية في البلاد, ساوره القلق ما جعله يخشى من أن يحقق الحزب الاشتراكي حضورا أكبر بين الناس بتبنيه لها ـ أي 18نقطة ـ الأمر الذي جعله يعود ، ويعلن بنفسه الأخذ بتلك النقاط.

 غير أن ممارساته ، وحليفه الإصلاح على الواقع كانت تتناقض مع ما سبق وصرح به من أخذه لها على محمل الجد , وهو سلوك دأب عليه الرجل وحلفاؤه كلما وجدوا أنفسهم في مآزق الاستحقاقات الوطنية حيث يهربون إلى المزايدات والخطابات الكاذبة في أنهم مع أي مشاريع فيها مصالح الوطن , و يطالب بها الشعب لكنهم في الحقيقة على النقيض تماما.

كان هدف صالح وشركاؤه من ذلك السلوك أن لا يظهروا أمام الناس مدانين في صناعة أسباب تلك الأزمة التي سبقت حرب صيف 1994م فكانوا بكل خبث ولؤم ومكر يظهرون الموافقة على أية مقترحات أو حلول , بل ويوقعون عليها وفي الوقت ذاته يعملون على عرقلة كل ما اتفق ووقع عليه.

اعتبرت (النقاط 18) حينها المدخل الرئيس لمعالجة الأزمة السياسية ، والأرضية الأساس لحماية الوحدة الوطنية من التصدع والعودة إلى ما قبل العام 1990م , حيث تبلورت تلك النقاط في مضامينها حول القضايا التي لم يكن دستور دولة الوحدة قد استوعبها, وظلت معلقة مثل استكمال توحيد الجيش ، والتعليم ، وقضايا الأمن ، والاقتصاد والتحديث الإداري والحكم المحلي ، وأكدت بعض تلك النقاط (مثلاً) على ضرورة ما يلي:

1 – إلقاء القبض على الجناة المسئولين عن الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد وتقديمهم للمحاكمة العلنية العادلة.

2 – إخراج المعسكرات من جميع المدن اليمنية, وإنهاء حصار المدن وتوفير المناخ لحياة مدنية آمنة للناس.

3 – تطبيق نظام الحكم المحلي, من أجل الحد من المركزية التي عانى الشعب منها كثيرا, فيما يوفر للمجتمع المحلي شروطا للتنمية الشاملة ويضمن توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكم والسلطة.

4 – وضع حد لارتفاع الأسعار على المواد الغذائية, وإعادة النظر في الأجور التي تستطيع مواجهة تلك الأسعار إلى جانب وضع آليات تحد من الارتفاع الجنوني للدولار والعملة الأجنبية, بهدف حماية العملة المحلية.

 وعندما وجد البيض أن صالح ذهب مع حليفه الإصلاح إلى تبنيها في العلن في حين أن الواقع كان يسجل ممارسات تختلف وتتعارض كلية مع ما تنادي به تلك النقاط.

إزاء ذلك أختار البيض مدينة عدن تعبيراً عن استياءه من سلوك الطرف الأخر بين ما يبديه في العلن ويمارس نقيضه في الواقع رافضا العودة إلى صنعاء إلا بعد أن يشرع صالح وحلفاءه بتنفيذ تلك النقاط.

هنا أخذت الأزمة منعطفا جديدا وحادا إذ استمرت عمليات الاغتيالات السياسية تتصاعد حدتها , خاصة ضد أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وانتقاء خيرة كوادره.

 كما بدأ العدد التنازلي ناحية العودة إلى ذات الممارسات المتخلفة التي تتصادم مع مرتكزات اتفاقية دولة الوحدة.

كان واضحا أن الطرفين المؤتمر والإصلاح قد عقدا العزم على تصفية الحزب الاشتراكي , غير أن الحزب الاشتراكي كان بتلك النقاط قد استطاع في إيصالها إلى الناس , بدليل أنها تحولت بعد ذلك إلى وثيقة تاريخية , هي وثيقة العهد والاتفاق.

وثيقة العهد والاتفاق

 من أهم الوثائق الوطنية في تاريخ اليمن المعاصر ، ومثلت صيغة وطنية شاركت في ترجمتها مختلف القوى الوطنية السياسية والاجتماعية والعلماء والمفكرين ومنظمات المجتمع المدني, ونقلتها من مشروع خاص يتبناه الحزب الاشتراكي إلى مشروع وطني كفيل به أن يجنب اليمن مآلات الحرب و التشظي والانفصال.

 وفي حين برهنت تلك الوثيقة على أن الأزمة ليست بين شخصي البيض وصالح وإنما بين مشروعين , كما برهنت أيضا على أن الخلاف لم يكن على مشروع الوحدة , وإنما على كيفية بناء دولة الوحدة المدنية المرتكزة على الديمقراطية والتعددية السياسية والشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية واللامركزية واستقلال السلطات عن بعضها.

 كل هذه العناوين كانت مرفوضة من قبل الطرف الثاني المؤتمر والإصلاح , كما قال الأستاذ/ أنيس حسن يحي " إن القوى التقليدية خافت حينها من وجود دولة مدنية ستسحب من تحتها مصالحها الخاصة على حساب مصالح الشعب".

 وهذا الأمر أفزعها, فراحت بكل ما أوتيت من قوة تعمل على إجهاض تلك الوثيقة والتخلص منها ، ومن محمولاتها الوطنية حتى إن أدى ذلك إلى الحرب.

لكن كيف؟.

إن الكيفية التي انتهجت حينها لم تكن تقدر العواقب التي ستنجم عنها الممارسات والأساليب المتبعة في ضرب الوثيقة , وهي:

1 – توظيف الجماعات الجهادية العائدة من أفغانستان (الأفغان العرب) ضد الحزب, في التخلص من أبرز كوادره.

2 – اعتماد خطاب إعلامي تكفيري عبر منابرها المختلفة في المساجد والجامعات والمعاهد والصحف وصولاً إلى الإعلام الرسمي وقد تناولنا ظاهرتي الإرهاب والتكفير ـ سابقاًـ لكننا نضيف هنا دليلا ماديا قويا يؤكد صحة ودقة ما نبه الاشتراكي إليه في تلك الفترة بوقت مبكر من خطر تنامي التنظيمات الجهادية في اليمن حيث نشرت صحف صوت العمال و المستقبل و الثوري ملفات تحذر من اتساع ظاهرتي التكفير والإرهاب.

 ففي عددها رقم 1142 الصادر يوم الخميس 30 ديسمبر 1993م نشرت صوت العمال تقول( أن أعضاء في لجنة الحوار الوطني التي شكلت لصياغة وثيقة العهد والاتفاق وعلى مدى اليومين المتتاليين 28, 29 ديسمبر, أكدوا أن أحد أهم المخارج العملية لحل الأزمة القائمة في البلاد هو تقديم مرتكبي الجرائم وأعمال الإرهاب إلى محاكمة علنية, وعلى أهمية متابعة الفارين من وجه العدالة المحتمين ــ وعلينا هنا أن نركز على بقية الخبر ــ بشخصيات عسكرية وسياسية متنفذة في السلطةوكذا مناقشة قضية المعسكرات التابعة لتنظيم الإرهاب في عدد من المحافظات وعلى وجه الخصوص صعدة المتواجد حاليا فيها عدد من المعسكرات يتم فيها تدريب عناصر التنظيم داخلها تدريبات عسكرية , وذكرت صوت العمال يومها أيضا ما يؤكد اليوم- أي بعد مضي 18 سنة- صحة تلك المعلومات والمخاوف التي كان يحذر منها الاشتراكي فقد أكد الخبر نفسه ما يلي:

٪ أن أوساط سياسية محلية ودولية تحذر من استمرار تجاهل قضية المعسكرات الإرهابية التي قد تضع اليمن ضمن قائمة الدول المصدرة للإرهاب.

كما ذكرت صوت العمال قراءها أنها نشرت في عام 1991م تؤكد وجود معسكرات تدريب للمتطرفين والعائدين من أفغانستان من دول عربية مختلفة وجدوا في الأراضي اليمنية مرتعا لأعمالهم.

وذكرت أن الشيخ الزنداني عضو مجلس الرئاسة التقى سفير مصر في صنعاء عطاء محمود فاروق أواخر ديسمبر وأخطره الثاني أن جهاديين مصريين يتواجدون في اليمن وحذره من خطورة احتضان الإرهابيين المصريين الذي قد يعيق تطور العلاقات اليمنية المصرية, إلا أن الزنداني كما قالت صوت العمال نفى وجود مثل هذه المعسكرات في اليمن.

وأكدت الصحيفة أن مبارك قد قدم لوزير التخطيط الدكتور الارياني  مطلع ديسمبر 1993م في القاهرة كشفا بمواقع تواجد المعسكرات في عدد من المحافظات وأن محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري تمت بعد اتصال من صنعاء). انظر صوت العمال العدد 1142.

( صحيفة الحياة اللندنية نشرت في عام 2005م تحقيق صحفي لـ حازم الأمين , أعادت الثوري نشره في عددها 1886, أكدت فيه بعد 11 سنة ما ذكرته صوت العمال من وجود شخصيات عسكرية وسياسية وراء المنفذين لعمليات الاغتيالات السياسية التي طالت القياديين الاشتراكيين, إذ جاء في التحقيق أن ثمة ضباط يمنيون أعلى رتبة من/ عبد السلام الحيلة وأكثر إطلاعا على ملف الأفغان هم اليوم من ركائز النظام اليمني وأن عشرات من الشيوخ والناشطين السابقين يقيمون في اليمن وأن المجتمع اليمني يعد من أكثر المجتمعات الإسلامية تزيدا لساحات الجهاد الإسلامية بالمقاتلين في العراق , وأن عددا من الانتحاريين يأتون من اليمن ومن بينهم حفيد الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي قتل في العراق منتصف العقد الماضي.

وذكر التحقيق أن السلطة اليمنية كانت طرفا أساسيا في عملية تشكيل القوى الجهادية الأولى منتصف ثمانينات القرن الفائت, سواء لمواجهة النظام الشيوعي في جنوب اليمن, أو الانخراط بالحرب الباردة وكانت ساحتها الأبرز أفغانستان آنذاك, الأمر نفسه ينطبق على التجمع اليمني للإصلاح الحزب الثاني في اليمن الذي يتمتع بقاعدة عشائرية ودينية واقتصادية واسعة وغير منسجمة إذ أن هذا الحزب الإسلامي والعشائري استفاد إلى حد كبير من حاجة السلطة إليه في عملية التجييش في مواجهة الحزب الاشتراكي. وجاء في التقرير أن عدد المعاهد الدينية التابعة للإصلاح بلغت750 معهدا, قبل قرار دمج المعاهد في مؤسسات التعليم الرسمي.

 وذكر التحقيق أيضا أن قرار مجلس الأمن القاضي بتجميد أموال المؤسسات التي على علاقة بحركة طالبان وتنظيم القاعدة, شمل أيضا مؤسستين لبيع العسل في صنعاء, هما: مؤسسة النور للعسل والشفاء للعسل ، و الحماطي للحلويات وجامعة الإيمان) ولم يفت معد التحقيق حازم الأمين- التندر بإشاعة سرت في صنعاء, فحواها: أن هذا الحزب سيجعل شعاره العسل والحبة السوداء.

 وقال حازم الأمين أن التجمع اليمني للإصلاح يمثل ثلاثة تكتلات كبيرة ننقلها بتصرف: هي:

1 – التكتل الديني : ذو شقين سلفي جهادي يمثله الزنداني , وتقليدي معتدل يمثله جماعة الإخوان المسلمين في مقدمتهم يس عبد العزيز القباطي

2 – التكتل القبلي العشائري, ويمثله الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر و حاليا ابنه حميد.

3 – التكتل الرأسمالي ويمثله التجار ورجال الأعمال ومن رموزهم عبد الوهاب الآنسي

(انتهى النقل بتصرف).

وواقع الحال يضيف إلى ذلك تكتلا رابعا ذو شقين:

أ ـ شق عسكري يمثله علي محسن صالح , وعناصر أخرى في الجيش سرية تتبعه.

ب ـ شق أمني ينضوي داخل جهاز الأمن السياسي, بدليل أن صالح سعى إلى تأسيس جهاز الأمن القومي تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية ورعايته رعاية لوجستية ليحل محل جهاز القمش بعد أن ثبت أن الإصلاح يمتلك عناصر تشغل مناصب عليا في جهاز الأمن السياسي وعلى رأسها محمد اليدومي.

ثمة تداخلات واسعة بين هذه التكتلات الأربع فمثلا يجمع بعض رموز هذه التكتلات بين جميعها ، كأن يكون أحدهم قائداً عسكرياً وتاجراً، وأخر شيخ قبيلة وتاجر ورجل دين ومسئولاً كبيراً في الدولة ….. وهكذا دواليك.

إن هذه الوظائف المختلفة المتجمعة في قيادات مكونات تجمع الإصلاح تشكل نواة العمل الإسلاموي في اليمن من خلال المعادلة التي تبين العلاقة التبادلية بين كل من التكتل الأول والثاني.

 فالديني بشقيه السلفي الجهادي ، والتقليدي المعتدل, يدرك أن القبيلة هي مركز وجوده وانتشاره, وتحالفه معها ضرورة تمليها طبيعة الأشياء.

والتكتل الثاني القبلي العشائري يرى أن التجمع اليمني للإصلاح مثله مثل المؤتمر الحاكم , عبارة عن نافذة يمتد من خلالها إلى حياة أفضل كالتجارة والوظيفة العامة والسيطرة عليها.

وهذه المعادلة هي التي حكمت الحياة العامة في الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة, وعملت خلال الفترة الانتقالية بعد الوحدة على إعادة إنتاجها من جديد دونما تقدير أو احترام للمتغير الاجتماعي الجديد, الذي يجب أن يصل إليه اليمن من منطلق الظرف التاريخي والجغرافي والاجتماعي الذي أصبح عليه بعد الوحدة ويجب أن تحكمه وتحدد مساراته المختلفة نظام سياسي يقوم على المواكبة التي فرضتها المتغيرات الدولية حينها فكانت الوحدة بشروطها بمثابة المدخل الجديد للتعايش الوطني القائم على مبادئ وقواعد الشراكة والديمقراطية والتعددية السياسية ودولة النظام والقانون والمؤسسات الدستورية.

غير أن هذه التكتلات الأربعة في تجمع الإصلاح أدركت مبكرا حاجة سلطة صالح إليها في بداية الوحدة, وخاصة بعد انتخابات إبريل 1993م وظهور مؤشرات على ضوء نتائج الانتخابات أعطت مقدمات أولية من أن المستقبل سيفضي في اليمن لصالح المشروع الجديد ــ الحداثي المدني الديمقراطي ــ فعملت هذه التكتلات مع المؤتمر وبدعم من أعداء المشروع التحديثي الوطني والقوى الدولية المتوجسة خيفة من حدوث تحولات حقيقية ديمقراطية لن تقف نتائجها عند الفعل السياسي وحده فحسب, وإنما سيمتد التطور تبعا له إلى مختلف الجوانب الأخرى كالتنمية الشاملة, فكان أن عملت معا هذه القوى  الداخلية والخارجية على وأد المشروع الوطني الكبير الذي بات واضحا حينها أن ليس ثمة حامل له غير الحزب الاشتراكي اليمني والقوى الحية والشريفة, خاصة بعد أن استطاع الحزب الاشتراكي أن ينقل حقيقة الأزمة التي تم تصويرها بين علي صالح والبيض إلى الشعب اليمني وتعريفه أي الشعب أنها بين أعداء المشروع الوطني التحديثي وبينه أي الشعب, غير أن كل الأساليب التي اتبعت حينها استطاعت في الأخير أن تصب في مصلحة الطرف المتحالف المؤتمر والإصلاح, موظفة الدعايات الرأس مالية الخبيثة من أن الجنوب شيوعي وكافر, وهي دعاية كرست قبل قيام دولة الوحدة واستمر تكريسها خلال الفترة الانتقالية, كان من نتائجها تلك الاغتيالات السياسية التي طالت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني وكوادره.

 وللتدليل على أن الحزب الاشتراكي وضع الشعب أمام الحقيقة, تغاضى عن تضحياته من أجل حماية دولة الوحدة من خلال وثيقة العهد والاتفاق التي وقعت  في 20 فبراير 1994م في العاصمة الأردنية عمان برعاية دولية وإقليمية وبحضور كافة أعضاء لجنة الحوار الوطني التي صاغت تلك الوثيقة.

سلوك ومظاهر انفصالية شمالية

شهد الأسبوع الأخير من يناير 1994م عدداً من التطورات في المشهد السياسي الوطني والخارجي، فعلى صعيد الداخل طالب وزير الداخلية يحيى المتوكل التجمع للإصلاح بتقديم اعتذار على قيام بعض أفراده في مدينة مسور حجة باختطاف رجل وامرأتين فرنسيين، تحت مبرر مطالبتهم للدولة بتنفيذ شق الطريق في محافظتهم وعلى صعيد آخر بعث المكتب السياسي للحزب الاشتراكي برسالة للجنة الحوار الوطني أكد فيها التزام الحزب التام دون أي تحفظ بوثيقة العهد والاتفاق نصاً وروحاً واستعداده للإسهام في تنفيذها دفاعاُ عن الوحدة والديمقراطية وإسهاما في بناء الدولة اليمنية الحديثة في دولة النظام والقانون بمؤسساتها الحديثة المختلفة.ونوه البيان أن شريكي الحكم المؤتمر والإصلاح لا يزالان يحملان تحفظات على الوثيقة، وذكر أن أعلام المؤتمر دأب على مراجعتها والسخرية من الجهد المبذول في إعدادها. وخلص بيان المكتب السياسي إلى التأكيد على أهمية معالجة خطورة الإعلام الذي يسعى إلى الانقلاب عليها. وعلى الصعيد الخارجي أيدت روسيا الوثيقة والولايات المتحدة الأمريكية ودول السوق الأوربية المشتركة وعدد من الدول العربية، ورأى الحزب الاشتراكي على عكس شريكيه في السلطة المؤتمر والإصلاح أن التأييد العربي والدولي الواسع بالوثيقة يشكل امتداداً للتأييد الدولي الذي حظيت به الوثيقة ويكسبها أهمية مثلثية وطنية وعربية ودولية.

كما أكدت تحقيقات مصرية صحة المخاوف التي ظل الاشتراكي يحذر منها من أن تتحول اليمن إلى محطة لتصدير الإرهاب، على اثر إفادة التقارير الأمنية، بعد محاولة اغتيال الدكتور/ عاطف صدقي رئيس الوزراء المصري، من قبل المنفذين للعملية، اعترافهم بأنهم تلقوا تعليمات من القيادات الأربعة في اليمن وهم عادل السيد عبد القدوس- ثروت صالح شحاتة – ياسر توفيق علي السري عمرو حسين.

< كان واضحاً أن الهدف الجديد من عودة الإرهابيين إلى اليمن الأفغان هو توظيفهم لأهداف مستقبلية خلاصتها تصفية الحزب الاشتراكي من الحياة برمتها.

مجمل هذا السلوك الانفصالي الذي خلصت رؤيته إلى تفجير الأوضاع لم يكن له من مبرر سوى التخلص من تبعات المعطيات التي أخذت تتبلور في مضمون وثيقة العهد والاتفاق، وذلك عندما بدأت مظاهر الحشود العسكرية مع نهاية نوفمبر 1993م بالانتشار والتموضع في أكثر من جهة.

< انتقلت كتيبتا دبابات من معسكر معاذ بن جبل في الجند بمنطقة تعز على الحدود السابقة لشطري اليمن بين الضالع وقعطبة نجد الجماعي معسكر الحمزة سابقاً

تم طرد ما بين 250-300 طالب وضابط يحاضر من الكليات والمدارس العسكرية وجميعهم من (المدن، والمناطق الجنوبية، والشرقية) ورفضت كل الدعوات الرامية إلى عودتهم إلى أعمالهم. كلياتهم.. وتم رفض احمد عايض سهيل قائد الكلية الحربية أوامر وزير الدفاع هيثم بتعيين العقيد الركن عبد الله ناصر سليمان خلفاً لمحمود احمد سالم وكذا أخذت إجراءات التعيينات والنقل للضباط في الكليات العسكرية المختلفة وتم دون علم وزارة الدفاع كنقل نائب النقل الحربي وتعيين أحد أقاربه، وكذا تغيير قائد القطاع الطلابي بالحربية.. وكل تلك الإجراءات كانت مخالفة جملة وتفصيلا لإتفاقيات الوحدة .. وتعبر عن سلوك ومواقف انفصالية.

 الكتيبتان العسكريتان من لواء العمالقة في أبين رفضتا أوامر اللجنة العسكرية بالعودة إلى ثكناتها. وكل هذه المظاهر التي أخذت تتطور خاصة بعد أحداث فبراير 1994م كانت من صنع الرافضين للوحدة، وللتهرب من الوثيقة الوطنية .. لماذا؟

الجواب ببساطة" لأن وثيقة العهد والاتفاق جاءت في قسمين:

< الأول: إجراءات خاصة بالممارسات التي تمت وأدت إلى الأزمة السياسية وكأن الغرض من هذا القسم الإجرائي هو استعادة الثقة بالوحدة.

< الثاني: تضمن الخطوات العامة لبناء الدولة وتصحيح مسار الوحدة.

فااستعادة الثقة وظلت مرهونة ليس فقط بالشروع في تنفيذ بنود الاتفاقية الصريحة بمتابعة وملاحقة المجرمين الضالعين بالاغتيالات السياسية ومن تورط معهم، وإنما بالاستعداد الذاتي والمبدئي للقيام بذلك.. وهذا الاستعداد لم يكن متوفراً في قناعةصالح كرئيس للسلطة التنفيذية، ولا عند الشيخ الأحمر كرئيس للسلطة التشريعية.

فصالح قال في لقاء مصغر أمام الملك حسين والبيض وعدداً من الجنوبيين لوكان المجرم عند بوابة القصر الجمهوري لن أمسكه أو أسلمه.

< كتبت المستقبل عقب عودة الوفد من عمان العاصمة الاردنية تقول: كان صالح والشيخ الاحمر قد اجتمع أمرهما وقررا اقصاء الاشتراكي من الحكومة ، ومن الوحدة. ولم ينتبه لا الناس ولا قواها الوطنية لهذه المؤامرة التي فضحتها صحف الاشتراكي ووقف الناس منها مواقفاً سلبية.

بدليل انه في مذكراته الطبعة الأولى أكد الشيخ الأحمر بصراحة ووضوح عندما أشار الى خطة سرية لاقصاء الشريك الاشتراكي من الوحدة.

< لقد كانت الوثيقة بشقيها (الأول والثاني) تتضمن شروطاً كما قال العطاس في حواره مع النداء العدد 174 بتاريخ 12/11/2008م- لا تعجب الرئيس وما قبوله بها على مضض إلا بسبب الاجماع الوطني حولها.

ثمة أطروحات من سياسيين ووسطاء ذهبوا الى البدء بتنفيذ الجزء الثاني من الوثيقة- وثيقة العهد والاتفاق الخاص ببناء الدولة وتصحيح مسار الوحدة بيد أن ثمة بنود في هذا القسم خاصة تلك المتعلقة ببناء وتحديث مؤسسة الجيش القائمة على تدوير المناصب العسكرية العليا وعدم تولي أشخاص ممن يمتون بصلة الى الرئيس أو رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان، وغيرهم من الشخصيات الرفيعة لمناصب عسكرية رفيعة هذا البند كما أعتقد كان هو المبرر الكافي لحزبي الحرب المؤتمر والاصلاح وقياديتهما لتفجير الحرب الى جانب البنود الأخرى.

شهادات تاريخية

<  د. ياسين سعيد نعمان: الأخبار الاعلامية عن زيارات الزنداني للمعسكرات لا تخلوا من تلميحات ذات مغزى تحريضي سياسي، وربما عسكري، وأكد أن القلم الذي سيوقع قرار الحل العسكري سيظل ملعوناً ويلفظه التاريخ المستقبل العدد 181.

<  أفتتاحية المستقبل بذات العدد استنكرت تصريحات الشيخ الأحمر من السعودية من أن الحزب الاشتراكي حزب ملحد يهدد الدين والكون كله بالدمار.

الموقف التاريخي للشيخ سنان

 بعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في 20 فبراير 1994م في عمان، أجرت صحيفة (الحياة) حواراً مع الشيخ سنان ابو لحوم وأعادت صحيفة (المستقبل) نشره كاملاً في نفس رقم العدد المذكور. ويومها اعتكف الشيخ سنان ابو لحوم ورفض العودة الى صنعاء حتى يتحقق طلبه وهو القبض على المتهمين في الاغتيالات والتخريب، وقد رد على عدد من الأسئلة ننشر أهمها كما هي:

_ لعبتم دوراً أساسياً في المفاوضات بين الرئيس اليمني ونائبه حتى وصلتم الى وثيقة العهد والاتفاق…. والآن تحدث تطورات لم تكن متوقعة بعد الوثيقة .. فماذا حدث؟

في يوم 27 أيلول سبتمبر الماضي استدعاني الرئيس اليمني بعد عودتي من جولة البلاد العربية والاوروبية وطلب مني أن أتوجه الى عدن لمقابلة نائبه البيض وأعتذرت لأنني توسطت بينهما من قبل ولم الق اي تعاون من جانبهما، وقبلت بعد الحاح شديد منه ولكن شرط ان يكون معي المشير عبد الله السلال الرئيس اليمني الراحل والقاضي عبد السلام صبرة نائب رئيس الوزراء السابق، ووزير الخارجية الحالي السيد محمد سالم باسندوة.

وطلب مني الرئيس اشياء لا أحب ذكرها الآن وتوجهنا جميعاً والتقينا السيد سالم صالح محمد عضو مجلس الرئاسة والسيد محمد سعيد عبد الله محسن وزير الاسكان واعتبرناهما جزءاً من الوساطة وقابلنا علي البيض وكان في حالة نفسية صعبة وبدا متشدداً ومتصلباً وضغطنا عليه فقدم مقترحات تقع في 18 نقطة وكانت هي المحور وقمنا بتعديل مقترحاته كما طلب وزير الخارجية.

ورجعت الى صنعاء ومعي باسندوة وبقي السلال وصبرة في عدن على اساس ان نلتقي في عصر اليوم نفس مع النائب البيض في مدينة تعز على انت نتوجه في صحبة الرئيس الى تعز عصر يوم الخميس ونتوجه جميعاً الى صنعاء ومعنا البيض الجمعة لاستقبال السلطان قابوس. ولكن الرئيس رفض مقترحات نائبه وفشل عقد اللقاء وتطور الموقف وبدأت المهاترات.

وطلب مني الرئيس بعد 20 يوماً التدخل مرة اخرى لأنهاء الأزمة فاقترحت عليه ان نتوجه جميعاً الى عدن لنعزي البيض في وفاة ابن اخته، هذا الاقتراح قدمته بعد التشاور مع الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس البرلمان السابق والدكتور عبد الكريم الارياني ممثل حزب المؤتمر لكن علي صالح رفض. وضغطنا مرة أخرى على النائب للذهاب الى صنعاء فأشار الى طلب واحد هو القبض على المتهمين بالاغتيالات والتخريب، وارسلنا مذكرة الى وزارة الداخلية باسم اللجنة المصغرة للحوار وتشمل فس عضويتها العميد مجاهد ابو شوارب والدكتور عبد الكريم الارياني، وجار الله عمر يمثل الحزب الاشتراكي وعبد الوهاب الآنسي الأصلاح ووقعنا جميعاً على ضرورة القاء القبض على هؤلاء المتهمين وكان ذلك يوم 23 كانون الثاني يناير الماضي.

وأعطانا الرئيس مهلة الى يوم 27 كانون الثاني يناير وهذا حصلت العرقلة وظلت الأمور معلقة حتى ان موعد الاجتماع في عمان بسبب هذه النقطة التي لم ينفذها الرئيس، ثم اصر الاشتراكيون مجموعة على سالم البيض على تنفيذ البند حتى يتولد انطباع بأن الأمن متوافر لهم.

واتفق على أن يترأس العميد ابو شوارب لجنة لوضع الترتيبات الأمنية حتى يستطيع الرئيس ونائبه الانتقال بين عدن وصنعاء، وتضم اللجنة العميد هيثم قاسم طاهر وزير الدفاع والعميد يحيى المتوكل وزير الداخلية واعتذر الأخوة في الجنوب عن الحضور.

واتصلت بعلي البيض وقلت له أرجوكم ساعدونا ثم اعتذر المتوكل ولم تبد هناك أية جدية في المواقف واستنكر العميد أبو شوارب ما حدث.

< لكن الشيخ عبد الله حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اتهمكم بالحماقة وأشياء أخرى يوم السبت 5 آذار مارس الماضي؟

أن عبد الله الأحمر طلب مني ومن أبو شوارب التوقيع معنا على البيان المعروف لكني رفضت بشدة لأنه طرف في الائتلاف الحاكم وهو أمر غير مقبول/ إضافة إلى أنه منحاز للرئيس، ونحن أصدرنا البيان وفاء للوطن وللشعب اليمني الذي يعلق علي وعلى أبو شوارب أمل حل الصراع الدائر بين الجنوب والشمال ولا أعرف لماذا يهاجمني الشيخ عبد الله رغم أنه تربطني به قرابة وزمالة واعتبره أخي وهو تحدى باتهامه كل الاعراف اليمنية وقلل من دوري ولا أعرف ما إذا كان سيشكك في ماضي أم لا في المرات المقبلة!

وبدل مهاجمتي في شخصي ليدافع عن الوحدة اليمنية التي تحتاج منه الى مواقف واضحة وامينة، وأوكد أن صالح اليمن بيد الأحمر والرئيس لأن الحلول لديهما والعلاج عندهما لأنهما يشكلان الأغلبية والتوازن في يدهما ليس معنى ذلك انني أبرئ البيض من الأزمة لكنه الين منهما ويقبل الحلول الوسط وقال ان البرلمان اليمني لم يفعل شيئاً والاحمر يعلم انه في اول يوم دخلت لجنة الحوار اتفقنا على ان هذه اللجنة هي الحكم في القضية. أن ما اتفق عله يعتبر نافذاً وملزماً ولدينا وثائق بخطه يحثنا فيها ويطلب منا الاسراع في انهاء عمل لجنة الحوار وعدم النظر الى المسؤولين والاشخاص بل ان نضع وحدة اليمن أمام أعيننا.

<  ما هي أبرز السلبيات التي واجهت لجنة الحوار القوى السياسية والتي دعتكم الى أصدار البيان المشترك مع العميد مجاهد أبو شوارب؟

عدم الوفاء وعدم التزام ما ورد في الوثيقة التي افروها ووقعوها وباركوها ولكنهم لا يريدون تنفيذها وهذه هي المشكلة، ولا أستطيع تحديد شخص بعينه ولكن هم يعرفون أنفسهم ولا داعي لذكر اسمائهم والشعب اليمني يعرفهم جيداً.

<  في البيان الذي اصدرتموه قلتم أنكم تشعرون بالمرارة والأسف لأنه لم يحدث تفاهم بينهم وهم يجرون البلاد الى الخراب من كنتم تقصدون؟

 الموجودين في السلطة بمن فيهم الاصلاح لأنه يستغل الظروف لمصلحته ولم يتعاون كما يجب سواء من موقعه الاجتماعي أو الحزبي.

<  بماذا تفسرون اندلاع الاشتباكات فور توقيع الوثيقة؟

 هناك أياد لها مصالح في عدم توحيد اليمن ومن ثم تريد تمزيقها ولا يقبل عربي عنده أخلاق أو أمانة ان تدمر دولة مثل اليمن.

<  هل تحملون علي سالم البيض مسؤولية خاصة بعد رفضه الذهاب الى صنعاء؟

لا، أنا منذ سنتين وأنا اتدخل بينهما الرئيس ونائبه وكلما اختلفا احاول جمع الكلمة ولكن هناك تناقضات، فالبيض عندما رفض الذهاب الى صنعاء كان له طلب واحد هو القبض على المتهمين في الاغتيلات والتخريب ونحن أيدناه في هذا الطلب، وعلي صالح ما طل وحتى الآن لم ينفذ ذلك.

<  ما هو الخلل الذي يحول دون تنفيذ الوثيقة؟

كل ما اقوله ان الشيخ عبد الله الأحمر يتصف بعدم الايجابية في موقفه وعدم الوضوح لأنه يتكلم عن الوحدة ولا يدري أنه عندما يوجه الي اتهامات باطلة فهو يدعو الى الفرقة مع العلم ان البرلمان لم يفعل شيئاً.

<  ما هي الحلول لديكم للخروج من الأزمة؟

حتى تكون الأمور واضحة أقول ان العميد مجاهد ابو شوارب كان قد اتفق مع علي عبد الله صالح على ان الحل يكمن في ان يخرج الاثنان علي صالح والبيض في اجازة خارج اليمن لمدة شهرين ثم يلتقيان واتفقنا على أن يجتمع مجلس الوزراء في عدن، ويضع اليه لتنفيذ الوثيقة ويذهب سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي إلى صنعاء للاجتماع مع مجلس الرئاسة ويتأخر علي سالم البيض حتى تهدأ النفوس والأعصاب وتزول أسباب الخلاف فالقضية ليست بسيطة لكنها طويلة والتناقضات تتسع يوماً بعد يوم ونحاول الآن أن نتجنب الفرقة ولا نزال نبدي كل الحلول لكل الأطراف وإذا استطاعوا أن يمزقوا اليمن ووحدته فسيكون لنا موقف آخر. وما زلت أدعو الرئيس اليمني ونائبه إلى ألا يكونا سبباً في خراب اليمن وان يترفعا عن كل ما يزعج الآخرين فأنا كلما سمعت كلمة تشطير اليمن اشعر كأنني أعيش حلما مرعباً ولو كنا مكان أي منهما لما فعلت ذلك أبداً. من كل ما ذكرناه في هذا العدد والذي سبقه سيتأكد لنا أن الهدف النهائي لم يكن هنا فقد اعتاد الاشتراكي من السلطة وإنما اقتصاد الجنوب كشعب من الخريطة الاجتماعية والاقتصادية والوطنية، خاصة بعد احتياج الجنوب في 7/7/1994م وهو اليوم الذي نؤرخ به نقطة التحول الثالثة في مسارات تعقيد إشكالية القضية الجنوبية التي سنأتي عليها في حلقتنا الأخيرة في الأسبوع القادم.

  

 المرحلة الثالثة

(1994/7/7م  ــــ  21 فبراير 2012 م)

في مثل هذه الأيام من الصيف في عام 1994م كانت اليمن تشهد لأول مرة في تاريخها نهباً لم تشهده في كل عصورها الغابرة.

كان كل شيء في المحافظات الجنوبية خاصة في مدينة (عدن) محل فيد وتفيد لقبائل الشمال .. المعسكرات الجنوبية بكل ما تحتويه نهبت خاصة بعد صدور الفتوى السيئة الصيت بين اليمنيين من الشيخ عبد الوهاب الديلمي والتي جاء نصها على النحو التالي :

الفتوى

"إننا نعلم جميعاً أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو أحصينا عددهم لوجدنا ان أعدادهم بسيطة ومحدودة , ولو لم يكن لهم من الأنصار والأعوان من يقف إلى جانبهم لما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الأسود طوال خمسة وعشرين عاماً , وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها انهم اعلنوا الردة والإلحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه , ولو كان هؤلاء الذين هم رأس الفتنة لم يكن لهم من الأعوان والأنصار لما استطاعوا أن يفرضوا الإلحاد على أحد , ولا أن ينتهكوا الاعراض ولا أن يؤمموا الأموال ويعلنوا الفساد , ولا أن يستبيحوا المحرمات ؛ لكن فعلوا ما فعلوه بأدوات , وهذه الأدوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم "المسلمين " , هؤلاء هم الذي أعطى الجيش ولاءه لهذه الفئة , فأخذ ينفذ كل ما يريد أو تريد هذه الفئة ويشرد وينتهك الاعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الأفاعيل .. وهنا لا بد من البيان , والإيضاح في حكم الشرع في هذا الأمر:

اجمع العلماء على أنه عن القتال بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه إذا تمترس أعداء يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المتمترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والأطفال , فإذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الأعراض.

إذ ففي قتلهم مفسدة أصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا. فإذا كان اجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح. هذا أولا , والأمر الثاني : الذين يقتلون في صف هؤلاء المرتدين يريدون ان تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام , وعلى هذا فإنه يقول العلماء : من كان يفرح في نفسه في علو شوكة الكفر وانخفاض شوكة الإسلام فهو منافق , اما إذا أعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضاً "(انتهت الفتوى) .

لقد كان الكاتب واحد ممن عايشوا تلك الفترة معايشة معاينة لا معايشة استماع أو قراءة تاريخية بحكم وقوعه  جغرافياً على منطقة التماس بين الجنوب والشمال ، ومن ذا الذي سينسى سوقي (الراهدة ، ودمنة خدير) وهما يعجان بكل المنهوبات من معسكري (لبوزة  –  العند) ومن مدينة عدن.

وما أزال أتذكر جيداً كيف ازدهرت تجارة الحرب في الراهدة والدمنة وغيرهما من المدن بشتى أصناف الأسلحة والذخائر والمعدات المختلفة (الكهربائية ، والسيارات ، وغيرها) والمواد الغذائية سواء التي نهبت من مخازن المعسكرات أو التي نهبت من المحلات التجارية وحد ما أعلم أن مخازن العند كانت تحتوي على مخزون من حبوب ( البر) يمكن أن تغطي حاجة الجنوب لأكثر من عام نهب منها ما نهب وأحرق الباقي بخبث منقطع النظير .

كل شيء نهبه مباح .. صار الجنوب جغرافية مفتوحة للقتلة واللصوص وقطاع الطرق، وكانت عدن مدينة مفتوحة للنهب و الفيد وللعطش والجوع والخوف والرعب والبطش أكثر من مدينة محمد عبد الولي "صنعاء مدينة مفتوحة " عام  1948 م .

وحتى لا أخوض في تفاصيل حرب 1994م  فهذه تحتاج لعشرات الأبحاث والدراسات ليس لتوثيق أحداثها فحسب ، وإنما لإعادة قراءتها وفق المنظور الإكرونولوجي الذي تمت فيه أحداثها غير المنظورة بين الأطراف  المتحالفة على خوض الحرب ضد الطرف الجنوبي الذي كان الحزب الإشتراكي أو قياداته ممثلته في معادلة الوحدة اليمنية .

حتى لا أخوض تفاصيل حرب صيف 1994م أذكر بنص قراري مجلس الامن رقم ( 924 ) ورقم (931) لعام 94م بشان شن صنعاء الحرب على الجنوب .

الأول : نص قرار مجلس الأمن الرقم (924) لسنة 1994م :

اتخذ القرار بالإجماع في جلسته الرقم (3386) المنعقدة بتاريخ 1 يونيو 1994م، وجاء نص القرار كالتالي :

أن مجلس الأمن وقد نظر في حالة الجمهورية اليمنية، وإذ يأخذ في اعتباره مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وإذ يساوره بالغ القلق إزاء موت المدنيين الأبرياء الفاجع، وإذ يقدر الجهود التي تبذلها الجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والدول المجاورة ، والدول المعنية الأخرى في سبيل المساهمة في حل الصراع بالوسائل السلمية، وفي ضمان إحلال السلم، والاستقرار في الجمهورية اليمنية، وإذ يرى أن استمرار الحالة يعرض السلم، والأمن في المنطقة للخطر:

1. يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

2. يحث على الوقف الفوري لتوريد الأسلحة، وغيرها من المعدات التي قد تسهم في استمرار الصراع.

3. يذكر كل من يهمه الأمر أنه لا يمكن حل الخلافات السياسية باستخدام القوة ، ويحثهم على العودة فوراً إلى المفاوضات، وبما يسمح بحل الخلافات بينهم بالوسائل السلمية وإعادة إحلال السلم، والاستقرار.

4. يطلب من الأمين العام إيفاد بعثة لتقصى الحقائق إلى المنطقة في أقرب وقت ممكن عملياً من أجل تقييم الإمكانيات لتحديد الحوار بين جميع الأطراف المعنية، ولبذل مزيد من الجهود من جانبهم لحل الخلافات بينهم.

5. يطلب من الأمين العام أن يقدم إليه تقريراً عن الحالة في وقت مناسب، ولكن في موعد لا يتجاوز أسبوعاً واحداً من تاريخ إنجاز تقصى الحقائق.

6. يقرر إبقاء المسألة قيد النظر الفعلي.

 

الثاني : نص قرار مجلس الأمن الرقم (931) لعام 1994م :

القرار تم اتخاذه بالإجماع في جلسته الرقم (3394 ) ، المنعقدة في 29 يونيو عام 1994م ، وجاء نص القرار كالتالي:

أن مجلس الأمن إذ يعيد تأكيد قراره (924) عام 1994، المؤرخ 1 (حزيران) يونيو 1994، بشأن الحالة في الجمهورية اليمنية.

وقد نظر في تقرير الأمين العام عن بعثة تقصي الحقائق الموفدة إلى اليمن المؤرخ 21 (حزيران) يونيو 1994م

وإذ يرحب بالمساعي التي يبذلها الأمين العام، ومبعوثه الخاص، وجامعة الدول العربية، وإذ يؤيد بقوة النداء الموجه من الأمين العام من أجل الوقف الفوري، والتام لقصف مدينة عدن، وإذ يدين عدم الاكتراث بهذا النداء.

وإذ يشعر بانزعاج بالغ لعدم تنفيذ أو مواصلة وقف إطلاق النار بالرغم من قيام الجانبين بإعلان وقف إطلاق النار عدة مرات.

وإذ يساوره بالغ القلق إزاء الحالة في اليمن وبصفة خاصة إزاء تدهور الحالة الإنسانية في أنحاء عديدة من البلد . وإذ تثير جزعه التقارير التي تفيد باستمرار توريد الأسلحة ، وغيرها من العتاد:

1. يكرر تأكيد مطالبته بوقف إطلاق النار فوراً.

2. يشدد على أهمية وجود وقف إطلاق نار يشمل جميع العمليات الأرضية، والبحرية، والجوية ، وتنفيذه تنفيذاً فعالاً بما في ذلك وجود أحكام تتعلق بوضع الأسلحة الثقيلة في أماكن تجعل عدن خارج مرماها.

3. يشجب بقوة إيقاع إصابات، ودمار بين المدنيين نتيجة للهجوم العسكري المستمر على عدن.

4. يطلب إلى الأمين العام، ومبعوثه الخاص مواصلة المحادثات تحت رعايتهما مع جميع المعنيين بهدف تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار وإمكانية إنشاء آلية مقبولة للجانبين، يفضل أن تشترك فيها بلدان من المنطقة لرصد وقف إطلاق النار، والتشجيع على احترامه والمساعدة على منع انتهاكه، وتقديم تقرير إلى الأمين العام.

5. يكرر تأكيد مطالبته بالوقف الفوري لإمدادات الأسلحة ،وغيرها من العتاد.

6. يكرر تأكيد أن الخلافات السياسية لا يمكن حسمها عن طريق استعمال القوة و يأسف  لتوقف كافة الأطراف المعنية عن استئناف الحوار السياسي في ما بينها ويحث على القيام بذلك فوراً دون أية شروط مسبقة لكي تتيح لذلك التوصل إلى حل سلمي لخلافاتها، واستعادة السلم، والاستقرار، ويطلب إلى الأمين العام، ومبعوثه الخاص دراسة السبل المناسبة لتيسير هذه الأهداف.

7. يعرب عن بالغ قلقه إزاء الحالة الإنسانية الناجمة عن النزاع، ويطلب إلى الأمين العام أن يستخدم الموارد الموجودة تحت تصرفه بما في ذلك موارد وكالات الأمم المتحدة ذات الصلة في تلبية احتياجات المتضررين بالنزاع بصفة عاجلة، لا سيما سكان عدن، والأشخاص المشردين من جراء النزاع، ويحث جميع المعنيين على أن يتيحوا سبلاً إنسانياً لوصول إمدادات الإغاثة، وأن يسهلوا توزيعها على من هم بحاجة إليها أينما وجدوا.

8. يطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى المجلس تقريراً مرحلياً عن تنفيذ هذا القرار بأسرع ما يمكن وعلى أي حال في غضون 15 يوماً من اعتماد هذا القرار ، و يقر أن يبقى هذه المسألة قيد النظر الفعلي.

وبدلاً من النظر الفعلي  من قبل الأمم المتحدة  في مسألة الوحدة ، ووصولها إلى درجة الحرب بين طرفيها

ترحيل الملف دون تقدير مغبة ذلك ، وتعاطى المجتمع الدولي برمته مع الأمر على غرار قُيدت ضد مجهول بدليل أن مجرم الحرب ذهب يوم 7/7/1994م يخطب ، ويحتفل مع حلفائه في الحرب بالانتصار على الجنوب.

لم يكن يعلم الأغبياء أن هذا اليوم سيكون موعداً آجلاً لثورة ستتأرخ منه شرارة انطلاقتها الأولى ولكن بعد 13 سنة أي في 7/7/2007م حيث أعلن الجنوب عن بداية الحراك السلمي.

ولأن الذين شاركوا (صالح) في تلك الحرب لا يقلون عنه (حماقة) راحوا يؤكدون طيلة السنوات اللاحقة ويتغنون بالانتصار العظيم بدليل أنهم لم يقدموا أنموذجاً حقيقياً في بناء البلاد ولا في الانتماء غير النهب والتفيد وتعزيز مقولة (الوحدة المعمدة بالدم)، أو عودة الفرع إلى الأصل ، وتناسوا حقائق التاريخ التي تؤكد أن عصور التمزق أكثر من فترات التوحد ، وأنه إن كان هنالك وحدة فليس سوى وحدة ثقافية وجدانية أكثر من كونها وحدة جغرافية ، ومن يقول بغير هذا فعليه أن يعيد قراءة تأريخ اليمن ليقف على الحقائق.

لقد مثل يوم 7/7/1994م في الوعي الجنوبي نقطة فاصلة بين أحلامه من وفي الوحدة ، وما بعدها.

كانت هذه النقطة الفاصلة صدمة عززت القناعات في الوعي الجنوبي باستحالة الانسجام الاجتماعي أو التجانس مع الشمال.

وظل هذا الوعي يتعزز أكثر فأكثر من خلال الإجراءات المتخلفة التي ظلت تكرس على كافة المستويات.

لقد أفرزت الحرب والسياسات الرسمية اللاحقة لها وضعاً عاماً تمظهرت صوره وقسماته في السنوات التي تلت حرب صيف 1994م بالمظاهر التالية:

أولاً : حدوث الانقسام الوطني القائم على التمييز ضد سكان المحافظات الجنوبية من خلال اعتماد مجموعة من الاجراءات الهادفة إلى :

أ- تدمير التراث السياسي والإداري للجنوب وتدمير خبرات مواطنيه المكتسبة في سياق تجاربه التاريخية… والسؤال هنا .. كيف ؟ -لمن لم يفهم – أو ما لدليل على هذا التدمير ؟ -لمن ينكر ذلك – .. والإجابة واحدة لكلي السؤالين ونقلها بتصرف من بيان دورة الوفاء لعدن الصادر عن الحزب الاشتراكي في مارس 2009 م حيث ورد فيه (راحت السلطة بعقلية الغلبة البدائية تدمر جهاز الدولة الجنوبية السابقة ، وتلغي خبراته من خلال :

1 – تسريح عشرات الآلاف من موظفيه المدنيين والعسكريين دون مراعاة الحد الأدنى من حقوقهم الوظيفية المكتسبة والمشروعة.

2 – خصخصة مؤسسات القطاع العام من خلال عمليات النهب الفاسدة ، كان المتنفذون من (المشائخ وكبار القادة العسكريين والمسؤولين ) هم المستفيد الوحيد منها ، وقذف بالعاملين داخلها إلى سوق البطالة دون حقوقهم المشروعة ودون تعويضات.

3 – طرد الفلاحون من أراضيهم ، وصودرت مزارع الدولة وأعيد توزيعها على حفنة معدودة من (المتنفذين) ، كما نهبت أراضي الدولة لصالح فئة من كبار المسؤولين والضباط وعلى حساب الاحتياجات الاستثمارية والسكنية.

4 – نهب الأراضي والممتلكات الخاصة بأعداد كبيرة من المواطنين.

5 – إخضاع المحافظات الجنوبية لإدارة عسكرية ، وأمنية ذات طبيعة استثنائية همشت معها الإدارة المدنية ومورس الكثير من إجراءات التصفية والانتقام السياسي.

6 – إشاعة الفوضى ، والانتهاك للقانون ، وإحياء مختلف أنواع النزاعات القديمة السياسية والقبلية والجهوية.

ب-  منذ يوم انطلاقة الحراك الجنوبي السلمي في السابع من يوليو 2007م حتى 11 فبراير 2012م بلغ عدد الشهداء بحسب تقرير نشره المرصد الجنوبي لحقوق الانسان خمس مئة وثلاثه وخمسين شهيدا ،

وقرابة 2600 شهيد منذ العام 1996م حتى نهاية العام 2010م ناهيك عن الضحايا الذين سقطوا في حادثة  المعجلة ، مصنع الذخيرة ، شهداء الثورة الشبابية السلمية في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية ، وغير ذلك من جرائم المطاردات لمناضليه ، وملاحقتهم ، واعتقالهم ، ومحاكماتهم في محاكم خاصة ، وحبسهم في سجون ودهاليز واقبية السجون العلنية والسرية …………الخ ذلك من الجرائم التي طالت إخوتنا الجنوبيين الأحرار .

تقرير المرصد الجنوبي لشهر يونيو2010م تضمن جملة الجرائم والاضطهادات والانتهاكات التي ارتكبتها قوات السلطة اليمنية بحق مواطني  اليمن الجنوبي خلال هذا الشهر فقط لجرائم القتل والجرح خارج نطاق القضاء والاعتقالات التعسفية وما يتخللها من ممارسات تعذيب وتنكيل ، أوضح التقرير بان تلك الاعتداءات تسببت في سقوط ثلاثة عشر شهيداً وإصابة واحدا وأربعين جريحاً واعتقال 35  ناشطاً سياسياً لا يزالون في سجون السلطة ، علاوة على الإضرار المتفاوتة لـ خمسة وسبعين منزلاً .وأوضح المرصد بان أعداد حالات الشروع في القتل خارج نطاق القضاء و التي أفضت إلى إصابات وجروح بليغة  قد زادة نسبتها إلى 25 في المائة عم كانت عليه في شهر مايو المنصرم ، وهذا مؤشر خطير في التعامل مع أرواح البشر ، ويؤكد شراسة الاعتداءات المسلحة على المواطنين الجنوبيين .وأوضح التقرير بان قوات السلطة قد دأبت على قمع حرية التعبير التي يلجئ إليها المواطنون عبر المشاركة في المسيرات والمهرجانات السلمية ، مستخدمة في ذلك القوة المفرطة بما فيها إطلاق الرصاص الحي ، والهراوات والغاز المسيل للدموع على المشاركين .. منتهكة بذلك القوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحماية حرياته الأساسية   .

ووصلت الجرائم إلى الاعتقالات القسرية لتشمل حتى الجرحى الراقدين في دور الرعاية الصحية حد هيومن رايتس ووتش حيث  قالت ليتا تايلر، باحثة أولى معنية باليمن تابعة لها : "إطلاق أسلحة نارية في المستشفيات يعرض المرضى والعاملين لخطر جسيم ويهدد بتعطيل الرعاية الصحية في عدن. لقد أظهرت قوات الأمن وخصومها على حد سواء عدم اكتراث سافر بحياة البشر".

دخلت قوات الأمن الحكومية مستشفيين في عدن خمس مرات على الأقل في 2012 لاعتقال مسلحين مزعومين بغير تصريح، على الرغم من تحذير الأطباء بحاجة المرضى إلى استمرار بقائهم بالمستشفى.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، زُعم أن قوات حكومية شبه عسكرية ضربت حراس المستشفى وأطلقت النار على رأس بائع فواكه في السادسة عشرة في أثناء تبادل للنيران مع مسلحين يحاولون منع اعتقال اثنين من المتشددين المزعومين يتلقيان العلاج من جراح طلقات نارية، بمستشفى النقيب في عدن.

قال أحد أقارب الفتى المصاب لـ هيومن رايتس ووتش في المستشفى بعد يومين: "لم يكن معه سلاح. كان يبيع الفاكهة ليس إلا. أصيب بالرصاص وهو ينحني لتفادي الرصاص". قامت منظمة "أطباء بلا حدود" الإنسانية الدولية بتعليق العمل إلى أجل غير مسمى في مستشفاها بعدن، بعد معركة مشابهة بالرصاص في 27 سبتمبر/أيلول.

قامت قوات الأمن المركزي، وهي وحدة شبه عسكرية تابعة للدولة، بدور بارز في غارات المستشفيات، التي وقعت في مستشفى النقيب ومستشفى أطباء بلا حدود. تخضع قوات الأمن المركزي لقيادة يحيى صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي تخلى عن منصبه في فبراير/شباط بعد انتفاضة دامت سنة كاملة. في واقعة 7 أكتوبر/تشرين الأول بمستشفى النقيب، قامت قوات الأمن المركزي بإخراج مريض مصاب بجرح خطير من وحدة الرعاية المركزة بعد انتزاع أنابيب التصريف من جسمه، كما قال شاهدان وأحد كبار مسؤولي المستشفى لـ هيومن رايتس ووتش.

قال مسؤولون طبيون لـ هيومن رايتس ووتش إن كافة مستشفيات عدن تقريباً، فيما عدا النقيب، الآن ترفض قبول المرضى الذين قد يسببون حساسية سياسية، مخافة اعتداءات مشابهة.

في مقابلة مع هيومن رايتس ووتش، وصف وحيد رشيد محافظ عدن الجرحى بأنهم "متشددون خطيرون".

تقول مصادر محلية إن معظم المرضى الذين تبحث عنهم السلطات إن لم يكونوا جميعاً من أعضاء الحراك. تكون الحراك في عام 2007 للمطالبة بموارد أكبر لليمن الجنوبي، الذي كان دولة مستقلة حتى اتحد مع الشمال في 1990. يضم الحراك الكثير من الجماعات التي ترفض العنف، وإلى جوارها أيضاً فصائل انفصالية مسلحة. تكرر استخدام قوات أمن الدولة للقوة المفرطة والمميتة في أحيان كثيرة ضد تظاهراتالحراك السلمية. منذ انتفاضة 2011 وبوجه أخص منذ تخلى صالح عن السلطة، قام أعضاء مسلحون في الحراك بشن هجمات على قوات أمن الدولة وغيرها من الأهداف الحكومية، كما تقول السلطات الحكومية ومراقبون سياسيون مستقلون.

الحكومة اليمنية مسؤولة عن ضمان أمن المستشفيات وغيرها من المرافق الطبية. واتفاقاً مع المبادئ الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون، يتعين على القوات الأمنية التي تتصرف بصفة إنفاذ القانون "أن تطبق، بقدر الإمكان، وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية". وحيثما استحال تجنب استخدام القوة، يتعين على القوات الأمنية "أن تمارس ضبط النفس في هذا الاستخدام، وأن تتصرف بالتناسب مع خطورة الجريمة والهدف المشروع المطلوب تحقيقه".

لا يتمتع مرضى المستشفيات بحصانة من الاعتقال القانوني، إلا أنهم يحتفظون بحقهم في الرعاية الصحية كما ينص عليها القانون الدولي. والإخراج القسري للمصابين بجراح خطيرة من مستشفى، وتعريض أرواحهم أو صحتهم للخطر، ينتهك هذا الحق.

دعت هيومن رايتس ووتش السلطات اليمنية إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية المرضى والطواقم الطبية من الاستخدام المفرط للقوة والاعتقال التعسفي من قبل عناصر الأمن. قال المحافظ رشيد لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة ملتزمة بحماية المرضى والطواقم الطبية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن المسلحين الذين يحاولون منع القوات الأمنية من تنفيذ الاعتقالات داخل المستشفيات يخاطرون بدورهم بأرواح المرضى والطواقم الطبية.

وقالت ليتا تايلر: "كائنة ما كانت أجندات المسلحين، لا ينبغي لهم تحويل المستشفيات إلى ساحات للرماية. وعلى الحكومة في الوقت نفسه، تقليص الخطر على المرضى والعاملين بالمستشفيات، والتوقف عن حرمان المتشددين المزعومين من حقهم في العلاج الطبي".

الاعتداء على مستشفى النقيب
في الخامسة من صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول، داهم نحو 10 مسلحين من عناصر قوات الأمن المركزي مستشفى النقيب واعتقلوا بالقوة جريحين من المتشددين المزعومين، كما قال العاملين بالمستشفى ممن شهدوا الواقعة لـ هيومن رايتس ووتش. قالت قوات الأمن لمسؤولي المستشفى إن المريضين هاجما نقطة محلية لقوات الأمن المركزي قبل يومين. أحاط بالمستشفى نحو 20 عنصراً إضافياً من أجهزة أمنية مختلفة، كما قال العاملون بالمستشفى.

ضربت عناصر قوات الأمن المركزي اثنين من حراس المستشفى ببنادق الكلاشنيكوف الهجومية وبمحفة، فتسببوا في خلع بكتف أحد الحارسين، كما قال أفراد الطاقم. خطف عناصر قوات الأمن المركزي الهواتف الخلوية من المرضى والعاملين بالمستشفى، وانتزعوا خطوط الهاتف الأرضي حين حاول أفراد الطاقم الاتصال بمديري المستشفى، وهجموا على الغرف بحثاً عن المتشددين المزعومين، كما قالوا.

قال أحد العاملين بالمستشفى لـ هيومن رايتس ووتش: "كنا مرتعبين. كانوا يصيحون ويسبوننا ويسلطون بنادق الكلاشنيكوف على أي شخص في طريقهم".

قال عاملون بالمستشفى إن مسلحين مرتبطين بالمتشددين المزعومين فتحوا النار على عناصر قوات الأمن المركزي من خارج المستشفى، فبدأوا معركة بالسلاح الناري. بعد يومين أطلع العاملون بالمستشفى هيومن رايتس ووتش على الثقوب الناتجة عن أربعة رصاصات في صيدلية الطابق الأرضي، وثقباً بوحدة الرعاية المركزة، وعدة ثقوب بواجهة المبنى، قالوا إنها نتجت عن معركة الأسلحة النارية.

أصابت إحدى الرصاصات صلاح أحمد عبد الله، البالغ من العمر 16 عاماً والذي كان يبيع الفاكهة أمام المستشفى. قال أفراد الطاقم الطبي إن الشهود أخبروهم بأن أحد عناصر قوات الأمن المركزي أطلق النار على الصبي وهو ينحني للاحتماء من النيران بين عربة الفاكهة الخاصة به وعربة عابرة. أصابت الرصاصة جمجمة عبد الله وخرجت من مؤخرة رأسه.

بعد يومين من إطلاق النار، شاهدت هيومن رايتس ووتش عبد الله في الرعاية المركزة بالمستشفى، عاجزاً عن التكلم. قال الأطباء إن الرصاصة أزالت بعض أنسجة دماغه.

أخرج عناصر قوات الأمن المركزي أحد المتشددين المزعومين من وحدة الرعاية المركزة بمستشفى النقيب حيث كان يتعافى من جراحة خضع لها إثر إصابته بالرصاص في الرئتين، حسب أقوال اثنين من العاملين بالمستشفى ممن شهدوا الواقعة. انتزع عناصر قوات الأمن المركزي الأنبوبين المسؤولين عن تصريف السوائل من رئتي المريض، متجاهلين الاحتجاجات المتكررة للطاقم الطبي، ثم أخذوه بالقوة في عربة إسعاف حكومية ليس بها طاقم طبي.

قامت قوات الأمن المركزي وغيرها من القوات الأمنية في مرات عديدة باعتقال متشددين ونشطاء مزعومين قسرياً منذ 2007، بمن فيهم أعضاء معروفين في الحراك، من مستشفى النقيب، بدون تصريح اعتقال وعلى الرغم من أوامر الأطباء، ويشمل هذا مرتين أخريين على الأقل في 2012، كما قال بعض أفراد الطاقم الطبي. في فبراير/شباط 2011، داهمت قوات أمنية ملثمة المستشفى واحتجزت أحد قادة الحراك، حسن باعوم، وابنه فواز. قامت الحكومة اليمنية السابقة باحتجاز الرجلين دون اتهام لمدة 10 أشهر، في حبس انفرادي بمعزل عن العالم الخارجي طوال نصف تلك المدة.  

في 27 سبتمبر/أيلول اشتبكت قوات أمنية مع مسلحين يحاولون منع اعتقال اثنين من المتشددين المزعومين الخاضعين للعلاج الطبي، في مواجهة دامت 5 ساعات وشملت مرتين من تبادل النيران المطول، بمستشفى أطباء بلا حدود في عدن، كما قال شاهدان ومصدر حقق في الواقعة لـ هيومن رايتس ووتش.

دفع الاعتداء منظمة أطباء بلا حدود إلى إجلاء المرضى الـ24 جميعاً وإغلاق المستشفى في اليوم التالي. منذ الافتتاح في أبريل/نيسان، قدم مستشفى أطباء بلا حدود البالغ سعته 40 سريراً العلاج لمئات المرضى، بمن فيهم أعضاء الحراك، والقوات الحكومية، وضحايا الألغام الأرضية، والجرحى من سكان محافظة أبين القريبة، حيث تحارب الحكومة اليمنية تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المرتكز في اليمن، بدعم أمريكي.

اتهمت القوات الأمنية المريضين بجرائم تشمل السطو المسلح. كان أحد المريضين يتعافى من جراحة في البطن بسبب طلقات نارية ويخضع لأوامر طبية بالبقاء في المستشفى لمدة 24 ساعة على الأقل.

في فترة ما بعد الظهر، دخلت عناصر من قوات الأمن المركزي، وقطاع المباحث المركزية، والأمن العام ـ قوة الشرطة النظامية ـ إلى مستشفى أطباء بلا حدود بدون تصاريح اعتقال، مطالبين العاملين بتسليم أحد الجريحين المشتبه بهما أو كليهما، كما قال شهود العيان. ضرب بعض عناصر القوة الأمنية اثنين من حراس المستشفى وهددوهما، كما قال الشهود.

في نحو السادسة مساءً، دخل ستة آخرون من عناصر قوات الأمن المركزي المستشفى لاعتقال المريضين، بينما كانت تنتظر بالخارج 4 سيارات من التعزيزات. بعد هذا بقليل، تجمع عند المستشفى مسلحون يؤيدون أحد المتشددين المزعومين أو كليهما وبدأوا في إطلاق النار على قوات الأمن المركزي التي كانت عندئذ على باب المستشفى. احتمى عناصر الأمن المركزي داخل المستشفى وبدأوا يردون النيران. دخلت ثلاث رصاصات إلى عنبر المستشفى وأصابت رصاصة واحدة مكتب المدير، كما قال الشهود.

قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: "كانت نيران الأسلحة تدخل المبنى من اتجاهين، وعلقنا نحن الذين بداخل المستشفى في المنتصف. احتمينا بإحدى الردهات، على أمل ألا تبلغنا الطلقات".

جُرح أحد عناصر الأمن المركزي أثناء إطلاق النار وتم إسعافه داخل المستشفى مع تواصل معركة الرصاص، كما قال الشهود.

بعد عدة ساعات من المفاوضات، انسحبت قوات أمن الدولة والمسلحين، واعتقلت السلطات اليمنية الجريحين المنتمين إلى المتشددين المزعومين. نقلت القوات اليمنية المريض الذي كان قد خضع لتوه للجراحة بعربة إسعاف إلى المركز الطبي بسجن الأمن العام في عدن. في 4 أكتوبر/تشرين الأول، بعد أسبوع من إغلاق منظمة أطباء بلا حدود للمستشفى في أعقاب الحادث، حضر عناصر الأمن المركزي إلى مكتب أطباء بلا حدود في عدن بنفس المريض، قائلين إن حالته تدهورت وأنه بحاجة إلى عناية عاجلة لكن لا يوجد مستشفى يقبله.

قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: "كانت قوات الأمن تسأل، ألا يمكنكم مساعدته؟ ورد أفراد أطباء بلا حدود، لا يمكننا معالجته لأننا اضطررنا لإغلاق مستشفانا". في النهاية نقلت السلطات المريض إلى مستشفى آخر.

في 18 يونيو/حزيران، داهمت قوات أمنية حكومية مستشفى أطباء بلا حدود لاعتقال متشدد مزعوم آخر كان يتعافى من جراحة بسبب طلق ناري، مما دفع المستشفى إلى تعليق العمل لمدة 3 أيام. كان جو التوتر سائداً بسبب العديد من مظاهرات الحراك في الأيام السابقة، وتفجير انتحاري في عدن في نفس اليوم قتل قائد الجيش اليمني في المنطقة الجنوبية، اللواء سالم علي قطن. أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مسؤوليته
كانت القوات الأمنية تضم عناصر الأمن المركزي، الذين روعوا العاملين والمرضى وهم يطالبون بتسليم المتشدد المزعوم، كما قال الشهود. قال أحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش: "كانوا مدججين بالسلاح، ويتصرفون كالمجانين".

تفاوضت منظمة أطباء بلا حدود في النهاية على نقل المتشدد المزعوم إلى مستشفى تابع للدولة في عربة إسعاف حكومية. في الطريق، نصب مؤيدو المريض كميناً لعربة الإسعاف وأخذوه وهربوا، كما قالت بعض المصادر لـ هيومن رايتس ووتش(انتهى) .

إن رد الفعل الطبيعي لذلك التدمير ، والإجرام ، ولفشل سلطة 7 يوليو في إدارة مشروع الوحدة وتحويله من مشروع وطني قائم على الشراكة ، والاستعاضة عنه بمشروع صغير يتمثل في احتكار فئة ضئيلة للسلطة والثروة والقرار .. كرد فعل طبيعي أخذ الحراك الجنوبي يتطور من جمعيات صغيرة تطالب بالحقوق الخاصة لأعضائها إلى فصائل ومجالس للحراك الجنوبي صارت مطالبها أكبر من مجرد مطالب حقوقية وظيفية منهوبة ، وإنما مطالب خطيرة يلخصها (د. محمد حيدرة  مسدوس ) عقب صدور بيان الحزب الاشتراكي (بيان دولة الوفاء لعدن مارس 2009 م) ، نسوقها هنا باعتبارها خلاصة الطرف المتبنى والحامل للقضية الجنوبية الذي يعد (مسدوس)  أبرز قياديه وهي:

1 – أن يتحمل الحزب مسؤوليته التاريخية بصفته كان ممثلاً للجنوب في إعلان الوحدة ، وكان طرفاً في الأزمة والحرب وعليه الآن أن يعلن بأن مشروع الوحدة قد تم إسقاطه بالحرب ، وإن ما هو قائم ليس وحدة ، وإنما هو احتلال.

2 – أنه لا يوجد حل للقضية الجنوبية إلا بالحوار بين طرفي القضية اللذين هما الشمال والجنوب ، وأن هذا الحوار لا بد وأن يقام على أساس قراري مجلس الأمن الدولية (924) و(931) وتحت إشراف دولي، أو عبر استفتاء الشعب في الجنوب على قبول هذا الوضع أو رفضه.

3 – إن القضية الجنوبية ليست قضية سلطة ومعارضة ، وإنما هي قضية وحدة سياسية بين دولتين تم إسقاطها بالحرب ولذلك فإن أي حوار بين السلطة واللقاء المشترك حول هذه القضية لن نعترف بنتائجه بما في ذلك الاتفاق المؤسف بتأجيل الانتخابات.

صحيح أن الحراك الوطني الجنوبي قد أعلن بأن الانتخابات لا تعنيه من حيث المشاركة فيها، ولكنها تعنيه من حيث إفشالها ، وقد حضر نفسه تماماً لإفشالها وكان ضامناً إفشالها بكل تأكيد.

وعندما لمست السلطة واللقاء المشترك ذلك اتفقا على تأجيل الانتخابات لتضييع الفرصة على الحراك وعدم حل قضيته عبر إفشالها.

كما أن هذا الاتفاق قد أنقذ السلطة من السقوط. فلو كان اللقاء المشترك اختار المقاطعة الايجابية لتمكن من إسقاط السلطة عبر إفشالها.

لكنه بدلاً عن ذلك اختار الاتفاق مع السلطة لتفويت الفرصة على الحراك الوطني في الجنوب ، ولإنقاذ السلطة من السقوط. واعتقد أنه لا يوجد تفسير للمدة الزمنية المحددة بعامين ، أنهما قدراها لاحتواء الحراك الوطني الجنوبي أو تمزيقه ودفنه. بدليل أن الشيخ حميد الأحمر قد أعلن بأن مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه اللقاء المشترك سيكون تحت سقف هذه الوحدة المعمدة بالدم التي يراها الشعب في الجنوب بأنها احتلال ، وتحت سقف هذه الديمقراطية التي يراها الجميع بأنها شكلية ، وتحت سقف هذه الجمهورية التي يراها الحوثيون وسكان اليمن الأسفل بأنها جمهورية القبائل وبأنها تحولت إلى عنصرية ضد العدنانيين. كما قال الشيخ الأحمر بأن كل ذلك سيكون في إطار هذا الدستور الذي هو دستور الحرب… الخ. وفي هذه الحالة على ماذا سيتم الحوار ؟؟؟؟.

4 – إن مهام الحزب بعد حرب 1994م قد اختلفت وأسلوب عمله قد اختلف بين ما يجب عمله في الجنوب وما يجب عمله في الشمال. ولذلك فإنه من الضروري إعادة الحزب إلى فرعين كما كان سابقا ً، لأنه حتى من الناحية التنظيمية لا يستطيع أكثر الجنوبيين بعد الآن أن يشاركوا في دورات اللجنة المركزية إذا ما ظلت تعقد في صنعاء .. فإعلان وحدة الحزب قد جاء انعكاسا لإعلان وحدة اليمن ، وطالما وأن وحدة اليمن قد أصبحت باطلة ، فكيف يمكن أن تكون وحدة الحزب صالحة ؟؟

5 – أن تعلن اللجنة المركزية بوضوح بأن الجنوب يعيش تحت حالة الطوارئ غير المعلنة وأنه يدار من قبل مجلس حرب ،  وعلى اللجنة المركزية في البيان الختامي أن تأت على ذكر أسماء جميع القتلى والجرحى ، ووضع آلية واضحة في مسألة العمل لمحاسبة الذين أصدروا أوامر الاغتيال ومنفذيه ، وأن تطالب بشكل واضح برفع حالة الطوارئ وسحب المظاهر العسكرية ووقف الملاحقات.

هذه النقاط تم الاتفاق عليها في منزلي قبل دورة اللجنة المركزية بليلة واحدة ،  وتم التوقيع عليها من قبل أربعة وخمسين عضواً من أعضاء اللجنة المركزية الجنوبيين. وهي النقاط التي تم التأكيد عليها في اللجنة المركزية ولم تظهر في البيان.

انظر هذا المقال في موقع (شبوة برس) بعنوان مسدوس يكتب عن البيان الصادر باسم اللجنة المركزية.

إن النقاط (الخمس) التي ساقها (مسدوس) أعلاه هي خلاصة رؤية أول طرف يتبنى منذ وقت مبكر للقضية الجنوبية حتى صار يطالب بـ (فك الارتباط) كما أن بعض هذه النقاط في جوهرها هي التي تمخضت عنها (كافة التفاعلات السياسية والشعبية التي شهدتها المحافظات الجنوبية منذ نهاية حرب 1994م وأفضت إلى نشوء حراك سياسي واجتماعي ظل ولا يزال يتنامى باستمرار متسلحاً بالقضية الجنوبية – كما أسلفنا – كرد فعل طبيعي لفشل سلطة 7 يوليو في إدارة مشروع الوحدة وخاصة منذ 7 يوليو 2007م التاريخ الذي يعد أول شرارة للثورات العربية السلمية الراهنة.

جـ-  أمام التنامي المضطرد للحراك السلمي لجأت السلطة لمواجهته إلى استخدام:

1 –  شتى صنوف الأعمال القمعية الدموية ضد المسيرات والمهرجانات السلمية. سقط خلالها (2600) شهيد من عام  1996 م حتى 20 ديسمبر  2010 م، بحسب تقارير جنوبية نشرتها الصحف ووسائل الاعلام بينها (86) شهيداً سقطوا بين (فبراير 2007م و ديسمبر  2010 م) وآلاف الجرحى على يد أجهزة السلطة .

2 – تنفيذ مئات الحملات من المطاردات التي طالت قيادات وأنصار الحراك اشهرها مطاردات النائب ( الخبجي ، و الشنفرة ، ومئات غيرهما).

3 – تنفيذ حملات الاعتقالات التي طالت مئات أنصار وقادات الحراك أشهرها اعتقالات زعماء جنوبيين ومناضلين تاريخيين ذووا رمزية في تاريخ الجنوب ، وعلى رأسهم (حسن باعوم ) لأكثر من مرة.

4 – تنفيذ محاكمات صورية طالت العشرات من نشطاء وقادة الحراك.

5 – ممارسة الدعاية المضللة لأعمالها في الجنوب ، والتهاون بحراكه وأنه لا يعبر إلا عن (شرذمة) كما كانت وسائل إعلام السلطة تقول.

خلاصة بمظاهر تعقيدات إشكالية القضية الجنوبية:

1 – ما لا يدركه كثير من أبناء المحافظات الشمالية بشأن الجنوب اليمني أن الإشكالية لم تعد حقوقية سياسية واقتصادية أو إدارية وإنما صارت ثقافية ، اجتماعية ويخطئ من يظن أن هذه الثقافة لا تمثل كل المجتمع الجنوبي ، وإنما فئات معينة منه .. لأنها تعتبر الصوت الأقوى على الساحة الجنوبية.

2 – الثقافة الاجتماعية هي أخطر اشكال الإشكالية وخلاصتها (فك الارتباط ، وتحرير الجنوب) .. هذه الاشكالية صار لها أدبها الثوري الخاص وأدبياتها الثقافية والسياسية والاجتماعية ، ثمة أدب شعري يصاغ لتحقيق هدف فك الارتباط ، وثمة شعر غنائي وقصائد شعبية تحث أبناء الجنوب لاسترداد الجنوب ، علاوة على اجترار أدب وتراث مقاومة الاستعمار البريطاني الذي يربط الجيل الراهن بنضال آبائهم وأجدادهم .. وهذا الأدب يتمدد في الأحياء والحارات والأرياف الجنوبية ويثير فيها الحماس الثوري للاستقلال من الشمال .. الأمر الذي يعني أن هذا الصوت هو الذي يتسع يومياً ويرتفع عن غيره من الأصوات ، ويزداد شراسة ضد كل صوت عقلاني.

3 – خطورة هذه الثقافة تكمن في رفض كل ما هو شمالي ، حتى أبناء الشمال القدامى يعتبرون مواطنين من الدرجات الثالثة والرابعة إن لم يكونوا من الدرجة (6،5) إلى حد أن المواطن العدني الذي تنحدر أصوله من جنسياته هندية ، باكستانية وغيرها يحظى بدرجة أرقى من المواطن الذي ينحدر نسبه من الشمال.

4 – خلاصة هذه الكراهية ما كانت لتصير ثقافة لو لم تقع حرب 1994م ولو لم يمارس النظام ما مارسه من سلوكيات ظلت تتعامل مع الجنوب بمنطق الضم والإلحاق ، وعودة الفرع للأصل ، والوحدة المعمدة بالدم.

5 – استمرار المنطق الإلغائي العقيم كـ " عودة الفرع إلى الأصل " أو "ضم الجنوب إلى الشمال"  أو تعميد الوحدة بالدم ، ومثل هذا المنطق ليس له من دلالة سوى (فك الفرع عن الأصل)  أو استقلال الفرع عن الأصل ، كما أن ليس له من معنى سوى استمرار الغباء السياسي ، وتصلبه إلى الحد الذي سوف يدفع الشعب وحده الثمن فادحاً في فك الارتباط فكاً تاريخياً يستحيل بعده أن تقوم وحدة في المستقبل بين اليمنيين في الجنوب والشمال.

ختاماً

إن هذا الاستقراء ليس سوى ملمحاً من ملامح إشكالية القضية الجنوبية ، ولا يعبر بالضرورة عن كل القضية ، ومظاهرها المعقدة ، وبمعطياتها المختلفة كبذورها التاريخية السياسية الاقتصادية  والاجتماعية والثقافية .

والله اسأل أن يمدني ذات يوم بإثراء هذه المادة من جوانب أخرى ، وخصوصاً في إعادة قراءة النسيج الاجتماعي الجنوبي ومراحل تطور مكوناته على الأقل منذ بريطانيا للجنوب  قراءة مغايرة للقراءات التاريخية الموجودة تقوم على منهجية التحليل الفكري لطبيعة الهوية الجنوبية التي تتمظهر اليوم في أطياف المشهد الحراكي السلمي بغرض التمكن من قراءة قادم الجنوب اليمني على النحو الذي سيكونه في المستقبل إيجاباً أو سلباً .

زر الذهاب إلى الأعلى