فضاء حر

(الشباب): نظرة أعمق للمفهوم.

 

يمنات
 
ينصرفُ الذهنُ بمجرد إطلاق لفظة الشَّباب إلى تلك الصورة الفتية الممتلئة قوة وحيوية، وبتقييد عمري -ربما- نسبي من مجتمع لآخر، في مقابل تلك الصورة الهزيلة جسدًا، والمشتعلة شيبًا، والواهنة قوةً، ولعلَّ كثيرًا ممَّن تجاوز السِّنَ المُتعارف عليه للشباب يشعر بغصةٍ يُخالطها شيئٌ من الأسى والضيق الممزوج بالحزن والتَّمني، وهو يسمع في أيّ محفلٍ أو يقرأ في أيّ كتابٍ الخطاب بالقول: أيها الشباب.. .

والحقيقة -إخوتي الأكارم- وهي ملموسةٌ في كلام العامة بوعي أو دون وعي، أنَّ هذا الشعور من البعض في غير محله، تسبب فيه المفهوم المصطلحي الشائع بين الناس، والصورة الفيزلوجية الحاضرة بقوةٍ في الحياة.
صحيحٌ انطباقها في البعض، ولكنَّ الكثير والحمد لله، لا تلزمه بحال.
كيف ذلك؟
بداية وليست مجاملة لفئة الشيوخ الساكنين القلب بعظمة منجزاتهم، وبإيجاز أقول:
إنَّ الشباب بروحهم وأفعالهم لا بمقاييس أعمارهم، هذه حقيقة مسلمة مستلهمة من مفاهيم القرآن، وكلام العرب المعتبرين، فقد تجاوز أسد الله حمزة بن عبد المطلب الخمسين وشارف على الستين وهو يُطلق عليه لقب "فتى قريش" ومعلومٌ أنَّ النَّبي يُبعث على رأس الأربعين، ومع ذلك نسمع وصف إبراهيم في قول الحقِّ سبحانه على لسان قومه﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾.
فالشباب أدوار وأعمال لامجرد سن وأعمار.
وفي المقابل وعلى رأي المتنبي:

وشيخ في الشباب وليس شيخا *** يسمى كل من بلغ المشيبا.

وإنَّ مما لا شك فيه أنَّ الشباب هم عماد الحاضر وقوة المستقبل، ولهذا فإنَّ الأممَ تعولُ كثيرًا على إنجازات الشباب، وإنَّ أيّ أمةٍ تفتقد روح الشباب وصلابة عودهم، لهي أمة تفتقر إلى الشهود الحضاري، ولا يعول عليها بشيء.

ومن ثم فعلى شباب مجتمعنا – بالمفهوم الشامل المتبنى هنا- أنْ يكون على قدرٍ من الوعي بهذه المهمة المُلقاة على عاتقه، ويعمل بجدٍ على توسيع مداركه، وتطوير قدراته ومهاراته، بما يتلاءم في نسقٍ ديناميكي مع مستوى طموحاته، وما ترتجيه منه أمته وتعلق في ذلك عيونها به؛ و لا يتأتى ذلك إلا من خلال سعيه الدؤب لكسب المعارف ونهل العلوم، وتلاقح الأفكار، واكتساب الخبرات، وتطوير القدرات، وبراعة التواصل، مبتدئيين قبل كل ذلك بصفاء النية والإخلاص في العمل لله، ومنفعة الأمة، متسلحين لتحقيق ذلك ولو بالحد الأدنى من علوم الشرع وحلاوة اللغة.
زر الذهاب إلى الأعلى