تحليلات

لكي ينجح الحوار .. الاتفاق التوافقي هوا الحل .. م. يحي القحطاني

      يمنات

 

رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر من الفترة ألانتقالية، يبدو أن الطريق إلى الحوار الوطني الذي نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة،والموقع عليها من كل القوى السياسية اليمنية ومعهم الشركاء الإقليميين والدوليين، ما يزال مزروعا بالألغام ألأرضية والحواجز ألإسمنتية الكثيرة والذي يستدعي انتزاعها وإزالتها قبل الشروع في السير على هذا الطريق،وبالرغم من صدور قرار رئاسي برقم (30) وتاريخ14/7/2012م، قضى بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل،هذه اللجنة المشكلة من خمسة وعشرين عضواً ممثلة لمكونات  ألأحزاب السياسية والمجموعات ألأخرى المقرر مشاركتها في مؤتمر الحوار الوطني القادم، مؤكداً على دورها الأساسي في وضع الترتيبات العملية للمؤتمر وتوفير المناخ الصحي المواتي لانعقاده بمشاركة كل الأطراف، وبناء الثقة وتعزيزها فيما بينهم من أجل أن تتحقق المشاركة الكاملة والشاملة، وإيجاد ظرف جديد يسمح بإعادة بناء جسور التواصل بين الجميع، وتقوية ما هو قائم ولا يزال، وتعزيز الجسور القوية للمواطنة، وإظهار وتجسيد الإرادة للعمل الجماعي المشترك،إلى جانب خلق آلية للتواصل الفكري بشأن قضايا الحوار، انطلاقاً من (حسن النية)والانطلاق نحو المستقبل بثقة وتفاؤل ومن موقف قوي وأوضح على أن يكون التحاور بين المشاركين  مفتوح وبدون قيود أو خيوط حمراء وخطوط صفراء كما كنا نسمعها سابقا،باستثناء الثوابت الوطنية المتفق عليها من جميع اليمنيين مثل(النظام الجمهوري،الديمقراطية والتعددية السياسية،الوحدة اليمنية)تبرز عدة أهداف أساسية للحوار الوطني سوف يتم التحاور حولها،ابتداء بالتعديلات الدستورية وقانون ألانتخابات والحكم المحلي ونوع النظام الذي يناسب اليمن رئاسي أم برلماني أم مختلط ،وإنتهاءا بالقضية الجنوبية وقضية الحوثيين،وعلى ضوء ما شهدته اليمن من أحداث خلال الحقبة الزمنية الفائتة ومن تراكماً من التطبع والإصرار على إلغاء الأخر وشطبه ، واللجوء إلى استعمال الخطابات البعيدة عن الواقع والمنطق ، وانتهاج سياسة التخوين والتكفير والاتهامات،وفتح النار على المخالفين،في سلوك بعيد جداً عن السلوك الديمقراطي والحضاري الإنساني،وبعيدا عن لغة الحوار ومبادئ ثقافته،ويبدو للمتابع أن ضعف ثقافة الحوار وتردي الالتزام به في مجتمعاتنا هو نتاج خليط لتلك الحقبة الزمنية الطويلة من التربية السلبية الاجتماعية والدينية والعشائرية التي امتزجت زمنا طويلا،بالتراكمات السلبية للتناحر السياسي الحزبي والتخلف القبلي والعشائري الذي نعيشه،لتشكل تلك النتائج الهجينة في السلوك وتردي لغة الحوار وبالتالي انعكاس ذلك حتى على التربية الأسرية داخل البيت،وتعداه إلى المدرسة والمجتمع.

 وباعتبار أن ثقافة الحوار تشكل الإطار العام  لبناء الدولة المدنية الحديثة  دولة النظام والقانون،هذه الثقافة هي اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر ومقدمة لبناء أسس الديمقراطية،والحوار يعني تبادل وجهات النظر والاستماع لوجهة النظر المتعارضة بشكل ينم عن احترام وتدقيق،بالإضافة إلى القابلية على طرح الأفكار بشكل عقلاني ومنطقي سليم للوصول إلى القواسم المشتركة في أية قضية تطرح للحوار،ومن أهداف الحوار هوا التعرف على مختلف وجهات النظر، والبحث والاستقصاء في الرؤى المتنوعة والتصورات المتاحة،إضافة إلى الصدق في البحث عن الحقيقية والتحلي بالخلق الراقي في الحوار وتحري المعلومة الصحيحة والدقيقة عن موضوعات الحوار وتقديم البرهان ، لابد كذلك من أن يكون المحاور قادرا على الاستماع إلى محاوره وفهمه،وبقدر ما تكون الأفكار مكتملة بقدر ما يكون أساس العمل أقوى وهذا بدوره يجعل صرح البناء امتن وأدوم واقدر على تحقيق مهماته،ولا يؤتي الاستماع إلى الرأي الآخر آكله إلا إذا كان الفرد المحاور لديه ألاستعداد أن يغير مواقفه على أساس ما استجد لديه من معلومات وإذا كانت هناك مواقف سابقة خاطئة لابد أن تتوفر لديه الشجاعة بان يقر بخطئه ويصر على تصحيحه على ضوء المستجدات وهذه المواقف ستزيده ثقته بنفسه وتقربه من محاوريه وستسهل عليه الاتفاق والتعاون مع الآخرين في المستقبل،مع اعتبار أن جميع وجهات النظر محترمة إلا إن الحقيقة نسبية وكل يملك جزءاً لايتجزأ منها،وأن الحقائق دائما متغيرة تبعا لظروف الزمان والمكان،لأن الهدف من الحوار الوطني إيجاد أرضية توافقية يقف عليها جميع اليمنيون،سعياً إلى إيجاد توافق وطني بشأن أوسع جملة من القضايا التي تهم الشعب اليمني،والذي عانى أنواع الاستبداد الدكتاتوري والاضطهاد الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي،لذلك يجب الانفتاح على وجهات النظر الأخرى من دون قيود، والشفافية الكاملة في الطرح، والرغبة في التوصل إلى قواسم مشتركة بين الجميع،لأننا كنا ولازلنا نؤمن إيمانا راسخا بأن جميع اليمنيين في الجنوب أو في الشمال في الشرق أوفي الغرب سلطة ومعارضة ركاب سفينة واحدة إذا غرقت هلكنا جميعا وإذا نجت نجينا جميعا،وقد حان  الوقت لإغلاق أبواب الفرقة والتشرذم التي زرعها  الحكم ألإمامي الكهنوتي والاستعمار البريطاني وأعوانهما في اليمن،ويتحتم على الدولة اليمنية إجراء إصلاحات جذرية على أكثر من صعيد لتوحيد الجبهة الداخلية لليمنيين حتى يتكون لدينا كيان قابل للتنمية المستدامة وقادر على تحقيق أمنه الفاعل،إضافة إلى الاستفادة من تجارب الماضي والتطلع إلى المستقبل.

 ومن هذا المنطلق فأن الاتفاق التوافقي هو أقوى اتفاق ممكن ويحظى بأعلى الفرص في الحصول على الموافقة النهائية والدخول في حيز التطبيق،فكما ذكرنا فإن الهدف من الحوار الوطني هو التوصل إلى توافق بشأن أوسع جملة من القضايا التي تهم الشعب اليمني،ولكن قد يكون من غير الممكن التوصل إلى توافق في جميع القضايا قيد البحث مثل القضية الجنوبية والتي تتشعب مطالب البعض منهم لتصل إلى(الجنوب العربي،ألانفصال،الكونفدرالية،والفدرالية،ألأقاليم)والحوثيين الذي يطالب البعض منهم في(استرداد الخلافة ألإسلامية المنحصرة في البطنين بحسب حديث غديرخم والمغتصبة منهم منذ سقيفة بني ساعده حسب معتقداتهم)وكون الطبع غلب التطبع ومن شب على شيء شاب علية فنحن اليمنيين خلال الفترة الماضية البعيدة والقريبة تجاربنا مريرة مع موضوع المؤتمرات وتشكيل اللجان فإذا أردنا تمييع وتضييع قضية شكلنا لها لجان أو دعينا إلى مؤتمر وطني لحلها وسئلوا أحزاب اللقاء المشترك منذ متى وهم يدعون لمؤتمر الحوار الوطني  وفي كل مرة تكون النتائج تمديد فترة بقائهم في السلطة ليس إلا(التمديد للفترة ألانتقالية بعد تحقيق الوحدة،والتمديد لمجلس النواب عدة مرات،والتمديد للجنة العليا للانتخابات عدة مرات ويجري ألآن طرح التمديد للفترة ألانتقالية الحالية لرئيس الجمهورية وحكومة وفاق،كما يطرح التمديد للهيئة العامة لمكافحة الفساد واللجنة العليا للمناقصات) وفي ضوء هذا الاحتمالات وحتى لا يكون حالنا مثل ألأغنية(لا تشلوني ولا تطرحوني)يقترح أن تنظر اللجنة في إمكانية الأخذ بأكثر من مستوى للاتفاق،مع السعي إلى التوافق أولاً،لذلك يجب أن يكون هناك أهداف وآلية  مطروحة لحوار التوافق الوطني على النحو التالي:-

1-       أحد أهم أهداف الحوار الوطني هو التوصل إلى توافقات بين المشاركين في الحوار بشأن جملة من القضايا التي تهم الشعب اليمني.

2-       من المقترح أن يستخدم المشاركون في الحوار الوطني عملية اتخاذ القرار بالتوافق،حيث إن اتخاذ القرار بالتوافق عملية فعالة ومتعارف عليها دولياً تستخدمها الأطراف للتوصل إلى اتفاق من دون اللجوء إلى التصويت. فمن خلال عملية بناء التوافق، سيقوم اليمنيين بتحديد القضايا، والمصالح، والاحتياجات الأساسية، ويجدون لها حلولاً أو يتوصلون إلى حلول تعالجها إلى الحد الأقصى الممكن.

3-       يعتبر القرار بالتوافق أقوى أشكال الاتفاق، حتى أنه أشد قوة من التصويت بالغالبية الساحقة؛ فالقرار التوافقي يعالج ويلبي المصالح الأساسية للأطراف المعنية،ويحقق أوسع تأييد للنتائج.

4-       القرار التوافقي هو اتفاق يمكن لجميع الأطراف المعنية أن تدعمه أو تقبل به أو تتعايش معه، أو على أقل تقدير لا تعارضه،وهو يلبي ما يكفي من الاحتياجات والمصالح الأساسية بحيث يمكن التوصل إلى اتفاق مقبول من الأطراف،ولا يتطلب التوافق إجماع الآراء؛ فالقرار التوافقي يسمح للتباين في الرأي بين الأطراف بشأن القضايا المطروحة، وبالتفاوت في مدى الموافقة والتأييد لمكونات الاتفاق، ومع ذلك فإنهم يتفقون ويمضون قدماً.

5-       لكي يكون التوافق حقيقياً ويحقق أهدافه،لابد أن يأخذ بعدة معايير يتضمن ممثلين من كل الشرائح  والقطاعات المجتمعية في اليمن,وأن يعتمد على ما تم الاتفاق عليه،والتحاور فيما تم الاختلاف فيه،على أن يحصل التوافق الوطني ضمن دائرة مصلحة الشعب اليمني العامة، وليس ضمن مصلحة المتحاورين الضيقة بما يفقد التوافق غطاءه الشرعي،ولابد من إتباع المنهج الشمولي في الحوار والبعد عن التحليل الجزئي المبني على التعصب للرأي والانغلاق،بهدف تقريب المسافات بين المتحاورين نحو الخروج بتفسير أي بند يتوافق عليه كافة الأطراف.

6-       ومن معايير التوافق أيضاً أن يكون هدف التوافق الوطني هو تحقيق التعايش السلمي بين مكونات الشعب اليمني على المدى البعيد وحماية الحقوق الإنسانية لأفراده والاستناد إلى الحوار كآلية ذاتية ثابتة في حل الخلافات.

7-       التوافق الكامل والمقصود هنا هو اتفاق يمكن لجميع الأطراف المعنية أن تدعمه أو تقبل به أو تتعايش معه أو في أضعف الأحوال لا تعارضه.

8-       الدعم الواسع مع بعض الاستثناءات لوجود تباينات في الرأي لدى البعض،يمكن أن تقوم الأطراف صاحبة الرأي المخالف  بالموافقة على عدم عرقلة قرار توصلت إليه اللجنة بكاملها،وتوافق على القبول بوجهة نظر ألأغلبية،ولكن مع الطلب بتضمين ملاحظاتهم وتحفظا تهم في تقرير مكتوب.

9-       وفي حالة بقاء بعض التباينات قائمة أي أنه لايزال على الأطراف أن تتوصل إلى اتفاق، فإنه يمكن للأطراف أن تقوم بإحالة الموضوع أو المواضيع المختلف عليها المتبقية إلى فريق أصغر عدداً،وذلك للعمل على صياغة حلول تكون مقبولة لدى جميع الأطراف،وأن تحدد المواضيع والمصالح التي لا يتم تناولها وإيجاد الحلول المقبولة لها،وأن تحدد مجالات التباين بعينها وتشرح الأسباب الكامنة وراء هذا التباين،وأن تواصل طرح الحلول الممكنة لمعالجة النقاط الخلافية،وأن تحدد الخيارات المحتملة للاتفاق والتي يمكن أن تلبي المصالح المختلفة، ولكن ليس بصورة كامل.

     

 

زر الذهاب إلى الأعلى