فضاء حر

مفاهيم وأنوار .. من أسرار النوافل

• النافلة كلمة تحتوي من المعاني الكثير ومهما قيل في تفسيرها لغة فإنها تتضمن معنى الزيادة والشرع الزيادة في العبادة على مقدار الفريضة من جنس تلك الفريضة والنوافل ليست محصورة في الصلاة فكل عبادة فروضها ونوافلها فكما أنّ للصلاة نوافلها فللزكاة نوافلها وللصوم نوافله وللحج نوافله والإسلام أمر على سبيل الوجوب بالحد الأدنى الذي لا بد منه وهو مقدار الفرض من كل عبادة ثم شجع على النوافل وترك الباب مفتوحا للاستزادة منها من غير أن يضع حدا أو يقدر مقدارا فالأمر متروك للتسامي والعبادات لا تخلو من تقصير في واجب أو وقوع في معصية والعبد بحاجة إلى النوافل التي تجبر نقصه قال تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" 

• وفي النوافل من المعاني والدلالات العظيمة ما لا يدركه إلا من فتح الله عين بصيرته وأزاح الران عن قلبه. ولكل نافلة من الأنوار والتجليات ما يطمس بقوته نور الشمس! فإذا طلبت من أحد هؤلاء أن يصلي ركعتين أو يصوم يوم عرفة يأتي الرد أنه سنة ويوحي هذا الجواب أن معنى السنة عند صاحب الجواب طلب الترك وليس طلب الفعل وهذا جهل عظيم بالسنة وحقيقتها ووظائفها وجهل بما في النوافل من أسرار وفوائد ومن أهم هذه الأسرار والفوائد أن النوافل سور منيع وسياج يحمي الفرائض من تسرب الضعف إليها فمن حافظ على النوافل كان على الفرائض أكثر محافظة ومن تهاون بها كانت الخطوة التالية إذا تمكن الكسل من المرء أن يفرط بالفرائض ومن يحرص على أداء النوافل سيكون على أداء الفرائض أشد حرصا والنوافل جوابر يجبر بها يوم القيامة ما قد يكون في الفرائض من نقصاً و خلل غير مبطل فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط أن أبا هريرة قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن أتمها كتبت له تامة وإن كان قد انتقصها قيل: انظروا هل لعبدي من نافلة تكملون بها فريضته؟ ثم تؤخذ الأعمال بعد ذلك" .وبما أن عمل الناس لا يخلو غالبا من خلل ونقص وسهو فإن أداءهم للنوافل يعد جابراً لما يصدر عنهم 

• والنوافل دليل العبودية الحقة لله تعالى لأن أي فعل لا بد له من دافع يدفع إليه ومن المعلوم أن الإنسان يميل بطبعه إلى الراحة فما الذي يجعل جنبه يتجافى عن مضجعه؟ وما الذي يبعثه من فراشه ليقف في ليل الشتاء البارد متذللا خاشعاً بين يدي مولاه؟ إنه الشوق إلى مرضاة الله والراحة التي يجدها في الركون إليه وما يمده الله به من الأنوار. فالنوافل دليل واضح وبرهان ساطع على أن العبد يتذوق حلاوة العبادات ولا يستثقلها ويدرك أثرها في حياته وما من شك أن من يكثر من نوافل الصلاة مثلا يدلل بفعله هذا على أنه يحس بعذوبة المناجاة ويفهم معنى الوقوف بين يدي ملك الملوك ولولا هذا لما أكثر من النوافل وهو يعلم أنها ليست مفروضة وأنه لن يعذَّب إذا تركها والنوافل علامة على أن العبد يرغب بالتقرب إلى الله سبحانه ويبتغي الزلفى لديه عز وجل وهذا ينقله إلى مرتبة رفيعة إنها مرتبة المحبوب. فلا يكفي أن تكون محباً فكم من محب ليس بمحبوب! والأهم والأرقى أن تكون محبوباً قال تعالى "يحبهم ويحبونه" وقد جعل الله تعالى النوافل سببا لبلوغ مرتبة "المحبوبية" من لم يغفل عن الله في عبادته لم يغفل عنه سائر يومه والنّوافل تُصلح غفلات الفرائض وأداؤك للفرض شهود وجوده وأداؤك للنّفل طهارة وجودك.. فالفرض طرفه من جهته لأنه أمره فعليك الإذعان والنوافل طرفه من جهتك لأنه إرادتك وعليك الإتقان . فصار الفرض لك قُربة والنوافل لك محبّة فاخضع له في الفريضة يرفعك وتودّد إليه في النافلة يدنيك ومن أسرار النوافل وفوائدها أنها وسيلة للصلة الدائمة بالله عز وجل والعيش ساعة فساعة في طاعته وفي كنفه والله تعالى أكرم وأعظم على الدوام وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال "إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" رواه البخاري و" يقول الله تعالى في حديثه القدسي " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته." وقد روى الحديث الإمام البخاري وأحمد بن حنبل والبيهقي..فتح الباري 11.34041 حديث رقم 6502 .

زر الذهاب إلى الأعلى