تحليلات

كيــف نواجــه إرهــــاب «القاعــــدة» *ابوبكــر عبداللـــه

 

البطولات التي يسطرها أبطال الجيش في دحر مسلحي الذراع اليمنية للقاعدة منذ أسابيع والتي تكللت أخيرا بتفكيك آخر معاقل التنظيم المسلح في محافظة شبوة لا تزال مركزة على الجناح العسكري للتنظيم في حين أن جهود الحرب على الإرهاب بعيدة تماما عن فكر القاعدة المتطرف تلك الحضانة المختبئة في المناهج الدراسية ومدارس التعليم الديني والمساجد وهي تفرخ كل يوم عشرات الإرهابيين ما يجعل طموحات القضاء على القاعدة مجرد أمنيات .من أكثر الأصول الفكرية لدى مسلحي القاعدة عنفا تلك التي ترى أن المجتمعات الإسلامية مسلوبة الإرادة وأنها غير مؤهلة لقيادة شؤونها ولذلك يمطرنا هؤلاء ليل نهار برصاص وصواريخ الخطاب التكفيري الشامل الذي لا يصعب عليه أن يجد آذانا صاغية لدى كثيرين في مجتمعات الفقر والبطالة والأمية والجهل أو في محيط تعليمي وإرشادي ديني يؤسس لفكر التطرف والإرهاب من دون أن يدري .

 

طالما جاهر جهابذة التنظيم في تحدي قيم الفكر الإنساني الحديث وفلسفة الدولة المدنية وطالما استغلوا الفراغات التي تركتها الدولة في التعليم والإرشاد الديني للنفاذ إلى الناس ودفعهم نحو عدو وهمي هو الدولة التي يرونها هنا في اليمن مثلا إما «كافرة أو مرتدة أو أن رموزها السياسيين والعسكريين مطية لأطماع الصليبيين الفرنجة» فيما لا يرونها كذلك في دول الجوار .



لعله الإرث الثقافي للإرهاب الذي يحيط بنا من كل جانب تحت مسميات مختلفة وهو بلا شك يساهم بقوة في توفير بيئة خصبة لهؤلاء في التأثير على شبابنا وشاباتنا وربما النخبة منهم الذين لم تسعفهم مناهجهم الدراسية أو مساجدهم في تطوير مداركهم فينساقون لخطابهم الديني ويوجهون في الطريق الخطأ ليكون مصيرهم إما محرقة أو عملية تفجير انتحارية على جنود مدنيين أبرياء .



من أكثر الذرائع التي يكررها قادة التنظيم ومنظروه وهؤلاء يمثلون محور القوة الأكثر خطرا في معادلة الحرب على الإرهاب في اليمن هي تكفير الدولة ووصفها بأنها كافرة أو مرتدة وعملية وينساق الأمر إلى تكفير القوانين والتشريعات والديموقراطية والبرلمان والإعلام ولا يتورع بعضهم في وصفنا نحن المجتمع الإسلامي المحافظ بأننا مجتمعات كافرة غارقون في الزندقة والفسق والفجور .. اللهم سلّم .



ينكر هؤلاء كليا الإطار الإسلامي لدولة يحكمها دستور يؤكد في مفتتح مواده الأولى أن اليمن دولة عربية إسلامية والإسلام دين الدولة والشريعة الإسلامية مصدر التشريع ونراهم يوميا مستميتين في تكفير المجتمع و استدعاء التاريخ للتبشير بعهد جديد عماده الانقلاب على الدولة وإزهاق الأرواح بذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية .



في كثير من الأحيان عندما احاول تفكيك سبب هذه المعضلة يتجلى أمامي قول الحق سبحانه وتعالى «فأما الذين في زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة» آل عمران .



 لعل المولى عز وجل فضح في هذه الآية العقليات الصنمية التي تحاول تزوير الحقائق والتاريخ وتدعي أنها تمسك بناصية الحقيقة دون سواها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في حين أنها تعبر عما في داخلها من تأويلات سماها الخالق سبحانه «زيغ» في تأويل النص القرآني بما يوافق أهواءهم ولذلك يدمرون مدنا ويشردون أهلها ويقتلون النفس التي حرم الله استنادا إلى تأويلات خاصة للنص القرآني ونصوص السنة النبوية الشريفة .

قراءة تاريخية سياسية



أرى بعدا سياسيا وثقافيا في هذه المعضلة يستحق المناقشة ولعلها دعوة للجميع للنقاش أملا في تحديد العلة ومكامن المشكلة والحل لمواجهة وعلاج هذا السرطان .



على مدى العقود الماضية وجد هؤلاء في الأنظمة العربية القمعية والاستبدادية وسيلة تستدعي الثورة والجهاد وحمل السلاح من أجل إسقاط الأنظمة أيا كانت الخسائر وأظنهم كانوا محقين في ذلك بعدما بلغ السيل الزبى في ممارســات أنظمة الفساد التي تمرست في الهيمنة والاستبداد والعنف ومصادرة الحقوق والحريات وأفرطت في القمع وبناء المعتقلات والتعذيب وارتكاب كل أشكال الجرائم بحق الشعوب بعدما أشبعتها فقرا وجهلا وتنكيلا.

على إقراري بأن سببا كهذا كان وجيها في زمن تغلبت فيه طبائع الاستبداد لدى الحكام لكني أرى أن الوضع تغير اليوم كثيرا فهاهي الأنظمة الاستبدادية تتهاوى في ثورات الربيع العربي وها هي الشعوب تنخرط في حراك شعبي ثوري ينشد التغيير وبناء دول جديدة على أنقاض الأنظمة البالية التي ماكان لها أن تصمد طوال عقود لولا تسلحها بأنظمة بوليسية ومخابراتية طالما كان القمع والقهر ومصادرة الحقوق والحريات عدة الشغل لتحويل بلداننا إلى مزارع للطغاة مسلوبة السيادة والقرار وتحويل الشعوب خداما للكهنوت.



يصعب الحديث عن جذور الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة اليوم في معزل عن التيارات الإسلامية المتشددة التي عرفها التاريخ الإسلامي كما يصعب سبر أغوار الظاهرة الإرهابية بعيدا عن ظاهرة الاستبداد التي وسمت أكثر الأنظمة في المنطقة العربية .



ظهور التنظيمات الإرهابية المسلحة التي رفعت شعار “ إسقاط الدولة الكافرة وبناء الإمارات الإسلامية” كان نتيجة طبيعية لسياسة القمع والاستبداد والقمع والإقصاء التي تبنتها هذه الأنظمة بعدما تركت فراغات ملأتها تاليا تيارات إسلامية متطرفة استثمرت الحالة المزرية للترويج لدولة العدالة الإسلامية الغائبة بديلا عن الدولة الاستبدادية التي قادتها إما أنظمة عسكرية غارقة في القمع والمصادرة أو أنظمة ملكية كهنوتية جعلت من نفسها وكيلا على إرادة الشعوب وفرضت نفسها نظاما للحكم العائلي المتوارث إلى أبد الآبدين .



لم يكن العامل الدولي بعيدا عن تغول الفكر الإسلامي المتطرف إذ كان هذا الفكر رأس حربة في معادلة الحرب الباردة التي قادتها واشنطن ضد الإتحاد السوفيتي السابق  ولعل من الأخطاء الجسيمة القوى العظمى في الطليعة أميركا ساهمت في تجذر وشيوع الفكر المتطرف الذي كان ملعبه سابقا السعودية وأفغانستان إلى بلدان كثيرة من دون أن تقدم شيئا لكبح جماحه بعدما أدى الدور الذي عليه في مرحلة مواجهة المد الشيوعي .



بالعودة إلى العامل السياسي الداخلي فإن الحقيقة الأولى التي يعرفها الجميع أن ما قدمته الأنظمة الاستبدادية في اليمن والمنطقة العربية على السواء لم يكن مشرفا في أكثر مراحله ولا أبالغ أن قلت: أن النزعة الاستبدادية لهذه الأنظمة ما كانت لتقوى وتتغول لولا الخطاب الديني المتطرف الذي اخترع لها كل مبررات البقاء وممارسة القمع والقهر بل ودعمها بقوة في مواجهة الفكر التنويري المطالب بالحقوق والديمقراطية قبل أن توجه هذه الأنظمة حرابها عليه .



لعل تجربة النظام السابق الذي استدعى أكثر الجهاديين من افغانستان لمواجهة شريكه في الوحدة والقضاء على مشروع الوحدة الديمقراطي الطوعي دليل صارخ على ذلك . 



استخدمت الأنظمة الاستبدادية ولا تزال الخطاب الديني في تكميم الأفواه المطالبة بالتغيير والديمقراطية والحريات وصنع هؤلاء من الحكام طغاة لم يتورعوا في بذل كل جهدهم لتكريس القمع الوحشي بدلا من التسامح وتقييد الحريات العامة بدل إطلاقها ناهيك عن دورهم في تكريس كل ما يقود إلى الانقسامات وإثارة الأحقاد والضغائن وتغذية الصراعات الطائفية والقبلية والمناطقية والقضاء على كل عوامل التعايش بين مكونات المجتمع في سبيل البقاء .



محيط ملبد بالتطرف



الخطاب السياسي الذي يتحدث عن «اجتثاث عناصر القاعدة» أظنه لا يقل تطرفا عن خطاب التنظيم المسلح . هل نحن بحاجة اليوم وبعد كل ما عانيناه من الارهاب والتطرف أن نتبنى فكرة «الإبادة الجماعية لمواجهة خطر الإرهاب»؟ .



ربما تكون الوسيلة العسكرية لمواجهة خطر الإرهاب ضرورة أحيانا لمواجة آلة القتل لدى الجماعات الإرهابية لكن هذه الوسيلة لا يمكن أن تكون السلاح الدائم لمواجهة خطر الإرهاب. يتعين علينا أن نبحث عن وسائل جديدة تركز على القضاء على البيئة المنتجة للإرهاب والتي تفرخ كل يوم  عشرات وربما مئات الإرهابيين.



من يقول: أن الحملة العسكرية التي شنها الجيش قضت نهائيا على تنظيم القاعدة في محافظة أبين لا شك أنه يسبح في بحر من الأوهام لأن القاعدة ليست مسلحين سيطروا على منطقة ما ولكنها فكر منتج للإرهابيين فأسامة بن لادن قُتل قبل شهور وبقي فكره المتطرف فكيف تكون المواجهة إذاً ؟

كثير من مكونات مادة التربية الإسلامية في مناهجنا التعليمية مرورا بالفضاء الإعلامي المفتوح الذي لا يخلو من ناعقين بالفكر التكفيري الذين يقدمون أنفسهم على أنهم رسالة الإسلام وصولا إلى المساجد وما يدور فيها من خطاب تعبوي وتحريضي وتخويني يكفر الآخر ويستدعي التاريخ لإشعال صراع مذهبي كلها تنتج فكر القاعدة .



عندما نقدم لأطفالنا الشخصيات التي عاصرت فجر الدعوة الإسلامية وتولت زمام المبادرة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على أنها شخصيات أسطورية لا تتكرر وعندما نعرض تجاربها السياسية بقدر كبير من القداسة وكأنهم ملائكة أو أنبياء معصومون وأن الطريقة التي اعتمدوها في خلافة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وبناء الدولة الإسلامية كانت هي جوهر الإسلام فنحن في الواقع نكرس فكر القاعدة الاستبدادي الذي يدعو لإلغاء العقول ويقدم للأنظمة الاستبدادية كل مبررات البقاء .



لا نقلل هنا مكانة وشأن هذه الشخصيات التي كان لها فضل السبق في الذود عن الدين ونشره في أصقاع الأرض وحفظ كرامة الأمة الإسلامية لكننا ننتقد الفكر والاجتهاد الذي حوله البعض مقدسا ويسعون لتكريسه على أنه النموذج الصالح في الحكم وإدارة شؤون المجتمع .



 كيف يمكنني أن أقنع أي تلميذ بالديمقراطية والانتخابات والمشاركة السياسية وتداول السلطة وأنا أكرس في وعيه كل يوم فكرة إن الفقه الإسلامي لا يقر سوى نظام البيعة للحاكم والتي يجوز أن تنعقد بواحد أو اثنين أو ثلاثة ليصير أي شخص حاكما مطلقا بيده كل السلطات.



كيف يمكن أن أعلمه وأقنعه بنظرية الشورى في الإسلام في حين أن التجارب التي يدرسها ويتعلمها ويتجرعها كل يوم بوسائل مختلفة تؤكد أن هذا المبدأ لم يطبق في أي زمن منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحتى وقتنا الحاضر .



عندما يتحدث أي نظام استبدادي ملكي عن شرعيته فهو يجاهر بالحديث عن الشرعية التي تستند إلى منهج السلف وفلتاتهم التي اخترعوها ووقاهم الله شرها ثم تحولت إلى نظريات تؤصل لطرائف الحكم في الفقه الإسلامي .



ما من تجارب في الحكم الإسلامي سوى ما علمناه في بيعة السقيفة وتجربة استخلاف الخليفة الأول للثاني بوصية أو أمر مكتوب ثم تجربة انعقاد البيعة بستة ثم انعقادها بواحد وفق نظام التوريث الأموي وأخيرا نظرية استحقاق البيعة والحكم لمن يملك القوة والغلبة.



مبلغ علمي أن هذه القواعد التي اعتمدت في التاريخ الإسلامي تحولت إلى فقه شرعي واعتمدها أكثر الحكام الاستبداديين حتى العصر الراهن لإثبات شرعيتهم في الحكم وفرض نظام التوريث ومصادرة حقوق الأمة في الحكم والمشاركة والانتخاب وتداول السلطة ويجري اليوم تداولها على أنها وجهة نظر الإسلام في الحكم .



كثير من الأنظمة الاستبدادية في اليمن والمنطقة العربية طالما ادعت أنها تستند على شرعية علماء الأمة من أهل الحل والعقد لكن الثابت أن هؤلاء لم يجتهدوا كثيرا في إنتاج نظرية حكم إسلامية تتيح العدالة والحقوق والحريات والمساءلة للحاكم قدر اجتهادهم في تبرير كل مزالق الحاكم وبوائقه وجرائمه بل ووضعوا له قواعد يدعون أنها إسلامية تقيد الأمة وتحشرها في خانة «الخارج عن الجماعة» والمشكك باجماع السلف وهي دعاوى لا يملك معها المرء سوى أن يرضخ بقوة الجهل والإرهاب الفكري للأمر الواقع على قاعدة «تسمع وتطع وإن جلد ظهرك وإن أخذ مالك» . 



عندما نكرس لدى الطلاب في المدرسة فكرة أنه لا مذاهب في الإسلام وأن المذهبية ظاهرة ممقوتة ثم نتحايل عليه ونكرس له اجتهادات فقهية تصب في تيار أو مذهب واحد من حيث لا يدري ونوهمه بأن ذلك هو «الإسلام و إعمالا للسنة والإجماع» ثم نقول له: هذا هو الإسلام الحق وما دونه ليس الإسلام فنحن في الواقع نلقنه استعداء التنوع  ونكرس لديه نزعة العداء للآخر المختلف وربما إلغاءه وتكفيره .



والأدهى من ذلك أننا نتركه فريسة للتيارات التي تملك المال والأدوات لدفعه إلى هذا الطريق أو ذاك بذريعة أن ما تقوله هو كل الحقيقة وما دونه كفر وسرعان ما نجد هذا الطالب الصغير قد كبر وتسلح بهذه الفكرة ونزل إلى الشارع أو المسجد مروجا لخطاب متطرف يكفر الآخر بل إنه يجتهد برأيه مقلدا لمعلمه ولذلك نراه يبالغ كثيرا في الغاء وتكفير المخالف بل ويدعو لقتاله واجتثاثه حتى صارت  لغة الاجتثاث هي السائدة في كل شيء . 



دروس التاريخ



عندما نقدم التاريخ لطلابنا من وجهة نظر واحدة ونلقنهم أن ما سوى ذلك خارج عن السنة والجماعة ومدعاة للخروج من الملة وعندما نقيد المناهج الدراسية في تيار إسلامي واحد ثم نطلق العنان للفكر المتطرف في المساجد لتعليم أبنائنا قواعد ودعاوى تحريضية بالية على شاكلة تحريف القرآن أو أن نلقنهم دروسا في التحريض على شاكلة أن ضم اليدين على الصدور في الصلاة يعني أنك من أهل السنة والجماعة وأن إرسالها يعني أنك شيعي رافضي مجوسي .



عندما نلقن طلابنا وشبابنا أن ما أورده علماء الحديث في الصحاح والسنن على درجة من الصدقية تضاهي صدقية كتاب الله وأن مناقشة حديث ما لا يستقيم مع كتاب الله يعد تشكيكا يدخل المسلم في خانة الكفر بالعقيدة أو على ألأقل يجعله من «الروافض وأعداء الأمة» وعندما يلقن أبناؤنا لغة تكفيرية عن المذاهب ونكرر على مسامعهم ليل نهار أن الشيعة يدينون بعقيدة غير الإسلام ويدعون أن لديهم قرآنا خاصا ونتركهم فريسة لأهواء متطرفين يصفون لهم أتباع المذاهب الأخرى بأنهم روافض ومجوس وكفرة فنحن في الواقع نساهم في تأصيل بذرة التطرف والإرهاب لدى هؤلاء منذ نعومة أظفارهم .

علينا ألا نلوم مراهقاً دخل المسجد راغبا في الاستقامة وأداء ما فرضه الله سبحانه وتعالى عليه فيتلقفه متنطعون وأنصاف فقهاء ويملون عليه كتيبات الجيب الطافحة بلغة التكفير والتخوين والتحريض على القتل ثم يلقنونه ما يرون أنه صالح له ونراه بعد فترة وجيزة قد أمتطى حزاما ناسفا بذريعة «قتل الكفار والمرتدين والصليبيين وعملائهم» .



عندما يرفع مسلحو القاعدة السلاح ويهاجمون المعسكرات ويقتلون الجنود ويروعون المدنيين ويخربون المنازل وعندما نراهم يقتلون النفس التي حرم الله في هجمات إرهابية أو انتحارية الا يسمون ذلك جهادا وعمليات استشهادية؟ الم ينطلقوا في هذه الجرائم من ركام الفتاوى التكفيرية وفقه التكفير والقوة والغلبة والقراءة غير الصحيحة لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟.



أظن أن أيمان هذا الشاب الانتحاري الذي قرر أن ينتحر بدعوى الشهادة لا يضاهيه إيمان لكنه يا للأسف وقع ضحية فقه التكفير والقتل والتحريض الأعمى .. كيف يمكن إقناع هذا الانتحاري الذي رضع فكر القاعدة الإرهابي من نعومة اظفاره في المدرسة والجامع والمنزل بأن ما فعله كان انتحارا وقتلا محرما للنفس في حين أن فقهاء الإرهاب قد لقنوه وقودا يكفي لتفجير مجتمع .



نزعة التكفير



في أحيان كثيرة يضلل المتطرفون ومنظروهم السريون الناس بالقول: أنهم يمثلون الإسلام الحق ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودونهم إما علمانيون أو ملاحدة أوشيوعيون أو قوميون أو حداثيون أو أنهم روافض ومتمذهبون وأصحاب بدع وقبوريون ثم يتجاوزن هذا الإطار إلى آخر أوسع بتكفير الدولة والقوانين والبرلمان والديمقراطية بدعاوى واجتهادات لا حصر لها .



ولا يخلو الفكر الإرهابي المتطرف من استمالات دينية وعاطفية ولذلك نجد هؤلاء يفاخرون أنهم يواجهون أكبر قوة في العالم «أمريكا وما أدراك ما أمريكا» ثم لا يغفلون الإدعاء بأنهم عندما يرفعون السلاح إنما يرفعونه في وجه عملاء أميركا وهي حجة وطالما تجد آذاناً صاغية لدى الشباب الحديث السن والتجربة والعلم  ولو أن هؤلاء تأملوا قليلا في سبب تدخلات أميركا في الشأن اليمني لوجدوا أن القاعدة وفكرها المتطرف هي السبب رقم واحد واثنان وثلاثة وأربعة وعشرة .



أليس أعضاء القاعدة منتشرون في كثير من البلدان العربية فلماذا لا تحلق الطائرات من دون طيار فوق أجواء هذه البلدان وتنفذ عمليات ألم يكن عنف القاعدة وتبنيها هجمات إرهابية وانتحارية على السفارات والمنشآت الحيوية والاقتصادية وترويع الآمنين سببا مباشرا في استدعاء الطائرات الأميركية إلى اليمن لشن عمليات اغتيال للمطلوبين؟ .



لماذا لم يسأل هؤلاء أنفسهم مرة: ما الدافع الذي يدفع الممولين لهجماتهم الإرهابية إلى منحهم أموالا باهظة لتجنيد الشباب وتحويلهم إلى عبوات ناسفة .. بذريعة الجهاد على الكفر الأكبر في بلد مسلم؟ .



أليس غريبا أن يأتي كثير من قادة القاعدة إلى اليمن ويعلنون تأسيس جناح جديد يضم أعضاء القاعدة في اليمن والسعودية تحت مسمى تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ثم يظهر لنا آخر تحت مسمى أنصار الشريعة يدمر مسلحوه مدنا كاملة ويشردون عشرات الآلاف عن مساكنهم ثمنا لإعلان إمارة إسلامية ثم يفرون تاركين خلفهم الخراب .



بعد الخراب الذي طال كل شيء في محافظة أبين ( زنجبار نموذجا ) أكاد أجزم أن الدمار الكبير الذي حل فيها وغيرها سيظل شاهدا للتاريخ على أنه ما من أسلحة للدمار الشامل في هذا العالم تضاهي  فكر القاعدة .

وللحديث بقية ..

[email protected] 


المصدر: الجمهورية نت 

زر الذهاب إلى الأعلى