فضاء حر

أصحاب الكرفتات

يمنات – خاص


ابتكر الكرواتيون في القرن السادس عشر رباطا يلتوي على أعناقهم ويتدلى في صدورهم خلال الحرب الأوربية وقد انتهت الحرب بإعدام كثير من الكرواتيين  بتعليقهم برباطات أعناقهم ولقد أعجب الفرنسيون برباط الكروات وبدأوا في استخدامها وصار اسمها كرافات وهي تطوير لكلمة الكروات وعبر الفرنسيين عبرت الكرفتة إلى جميع أنحاء المعمورة وأصبحت مبيعات الكرفتات في هذا العقد الأخير تصل إلى بليوني دولار سنويا.

عندما كنت في الابتدائية راهنت أحد الزملاء على جنبية الزعيم جمال عبدالناصر الذي كانت صورته معلقة في منزل بيت مدرسنا فكنت أصر على أن عبدالناصر يرتدي جنبية تصل إلى عنقه وهذا ما يميز الجنبية المصرية عن اليمنية، خسرت الرهان عندما شرح لي المدرس أنها كرفتة من القماش فأكد صحة كلام زميلي ومن ذلك اليوم سمعت وعرفت الكرفتة

عندما كنت في سنة ثانية جامعة ارتديت الكرفتة لأول مرة وليوم واحد فقط بعد أن ربطها لي زميلي وصنع الانشوطة التي أدخلت منها عنقي. كان يوما كئيبا حيث كنت أتعامل برسمية زائدة عن اللزوم وكنت مجبرا على إلقاء التحية لمن أقابله في الطريق بل يمد البعض أياديهم لمصافحتي والصبايا يرمقنني وأنا مفتهن. وعندما سافرت إلى بريطانيا ربط لي أحد الزملاء الكرفتة  وارتديتها وظلت على نفس الربطة إلى أن ضاعت. أتذكر في الطائرة أنني كنت جالسا على المقعد المخصص لي وعلى يميني  مسافرة يمنية فناداها مذيع الطائرة قبل الإقلاع أن تنزل للتأكد من حقائبها وأثناء غيابها قمت ألعب بحزام المقعد فربطته وعندما عادت المسافرة أرادت الدخول إلى مقعدها ولابد أن أقف كي تعبر. كانت تقول لي: اسكه بالله نخطى وأنا أحاول أن افتح الحزام ولم أعرف فارتفع صوتها وأنا أحاول ولم أعرف وصادف قدوم أحد الركاب في الممر فقلت له: لو سمحت افتح لي الحزام ففتح الحزام بسهولة وامسك كرفتتي قائلا: أما الكرفتة إلا ركبتها.

ومن عجائب الكرفتة التي لا أجيد ربطها لحد الآن رغم سماعي عن سبعة ماتوا اختناقا وهم يتدربون على ربط الكرفتة فذات صيف بعد إكمال العام الدراسي الجامعي وظهور النتائج قررت أنا وزميلي أن نسافر إلى قريتنا فركبنا باص النقل البري إلى مدينة إب. كنا قد جهزنا البيبسي والقات والسجائر وشريط مارسيل خليفة الذي طلبنا من سائق الباص أن يضعه على مسجلة الباص وكنت مع زميلي الوحيدين اللذين يرتديان كرفتات ونتيجة لكثافة الدخان وارتفاع الحرارة ورائحة احتراق تأتي من ماكينة الباص ونحن قرب سمارة سمعنا صوت راكب على وشك أن “يطرش”  فالتفت جميع الركاب نحوه وهو يركض باتجاه مقدمة الباص ليحصل على كيس بلاستيكي وعندما وصل جوارنا قفز من فمه سيل تقيأه إلى أرضية الباص كنا نحدق فيه لنتجنب ابتلال اغراضنا فوصلنا بعض الرذاذ ونحن نشاهد كيف تخرج من فمه كريات العصيد والحلبة والمرق الأغبر وتعلقت بعض مكونات السلطة على لحيته فلم نملك إلا الغثيان والاكتئاب وتصبب العرق فأخذنا كيسين وطرشنا في نفس الوقت الذي طرش فيه عدد كبير من المسافرين وفي الجهة المقابلة لنا كان رجل طاعن في السن يقول لشاب جواره يحاول مقاومة التقيؤ: خلاص اطر ش قا طرشوا حتى أصحاب الكرفتات.

الذي مازال يحيرني هو : ماذا يتدلى بين تلابيب الوزراء: أربطة عنق أم ألسنة؟

زر الذهاب إلى الأعلى