فضاء حر

الرجل الأقوى على الساحة اليمنية

كم هو مؤلم وقاسٍ لأؤلئك اليمنيين الشرفاء الذين يتابعون مبعوث منظمة الأمم المتحدة جمال بن عمر وهو يتنقل من معسكر إلى آخر ومن شيخ قبيلة إلى آخر في إطار إشرافه على دورات الإستلام والتسليم بين قيادات الجيش اليمني وغيره وذلك لما فيه من إذلال وإنتقاص من شموخ وعزة وسيادة اليمن واليمنيين ، وليس المقصود هنا التقليل من شأن بن عمر كموظف دولي بل بالعكس. بيد أن الملاحظة على إنتدابه من قبل الأمم المتحدة ، بصفته العربية وقدراته الإيجابية الأخرى ، لم تكن من قبيل الصدفة بل أن إختياره قد تم بعناية فائقة للقيام بهذه المهمة وذلك مراعاة لتخفيف وطأة المهانة على اليمنيين من قبل المجتمع الدولي. وللتذكير ؛ حتى لا يعتقد البعض أن هناك مبالغة في هذا الطرح ؛ رفض الحاكم السابق علي عبدالله صالح في سنة 1993 طلب الجهات الخارجية لمراقبة الإنتخابات لنفس ذلك العام بذريعة أنها تمس السيادة كما كان يعتقد. فتخيلوا الفرق الآن بين رفض المراقبة الدولية على الإنتخابات في السابق ، رغم أن ذلك لا يمس السيادة بحسب العرف والقانون الدولي ، والتدخل الحالي بالإشراف الكلي لمجمل القضايا الوطنية في أدق تفاصيلها وخصوصياتها ذات الطابع السيادي والأمني والقومي وغيره من الخصوصيات اليمنية الأخرى.!!
لم نكن لنصل إلى هذا الدرك الأسفل المتقزم والواطي والحقير لولا أن مجموعة صغيرة جداً من اليمنيين أستأثرت لنفسها بكل الوطن معتقدةً أنها قادرة على إبتلاعه مقابل بيعها لأمانيه وترابه وسماءه وشرفه وحرمته وعزته وسيادته !!. ماذا كان سيحدث لو أن هذه الثلة المنحطة أدركت ولو في وقت متأخر بأن "الوحدة اليمنية" التي حققها الشعب اليمني جنوبه قبل شماله في 1990 وضحى من أجلها بدماءه وأرواحه طيلة عقود من السنين كانت بمثابة الدرع الواقي لكل حبة رمل على أرضه التي كان من المفروض المحافظة عليها بأحداق العيون ، وأرتضت الشراكة الوطنية مع أبناء جلدتها الذي قدموا بنوايا أخوية وحدوية صادقة بدولة كاملة للوحدة بدل من إغتيالها بتلك الطريقة الدنيئة والخبيثة بهدف إبتلاع الوطن أرضاً وإنساناً.!
لذلك كان الرئيس عبدربه منصور هادي صادقاً ومحقاً عند التأكيد على ضرورة إستعادة هيبة الدولة الذي شدد على أهميتها في خطابه التاريخي يوم الخامس من الشهر الجاري حين أثبت من خلاله للجميع أنه وصل إلى مركز الرئيس ليكون رئيس دولة بحق وليس مطية لأحد كما كانت تعتقد الغالبية العظمى من الناس. بل أننا تفاجأنا به وهللنا وفرحنا لذلك عند سماعه ، وتفاجعوا هم بمن فيهم الحاكم السابق علي عبدالله صالح وشركائه السابقين لقدرته الهائلة وتمكنه على سحب البساط من تحت أقدامهم جميعاً بكل حنكة وسلاسة وذكاء ليصبح الرجل الأقوى على الساحة اليمنية دون منازع لدرجة أنه لم يدع للقوى الوطنية الحقيقية على الساحة السياسية والثورية أي خيار سوى الوقوف إلى جانبه ومساندته حتى يتجاوز اليمن محنته الحالية على طريق بناء دولة النظام والقانون شريطة السيطرة الكاملة على كل المنفلتين بدون إستثناء.
بيد أنه قبل الحديث عن إستعادة "هيبة" الدولة التي أكد عليها الرئيس عبدربه منصور ، على الجميع أن يقر اولاً بضرورة إستعادة الدولة نفسها المخطوفة من قبل قطاع الطرق وقراصنة البحر وتجار الحروب. قد نتفق بأن إستعادة هيبة الدولة شيء ضروري وهام.. ولكن عندما يكون ثمة وجود حقيقي لدولة !. وقد أعترف هادي بشفافية كاملة يشكر عليها في معرض حديثة بأنه حتى هذه اللحظة لا توجد دولة وذلك عندما قال "ما يجعل الجميع يرتضون سواءَ من كان في السلطة أو في المعارضة (أي الذي يمثل النظام المشترك الآن) أن تكون الشرعية الدستورية تحت إشراف أممي ودُولي خلال الفترة الانتقالية" ، بالإشارة على توقيعهم على المبادرة الخليجية وقبولهم بها ، وهذا يعني بصريح العبارة أنهم سلموا اليمن ليُحكم من قبل أطراف خارجية وهذا ماهو ساري مفعوله حالياً شئنا أم أبينا إلى أن يتم إستعادة الدولة ، لذلك أحرج باسندوة مذيع الجزيرة بالإنجليزي وجعله يفقد أعصابه ويخرج من الإستديو دون إكمال المقابلة بسبب سؤاله عن التدخل الأمريكي لأنه لا يريد أن يعترف بالوصاية الخارجية رغم حضورها وبقوة ، على العكس تماماً من شفافية الرئيس هادي ، لأن الدولة الإفتراضية التي ينبغي أن تكون ، ليست موجودة حالياً أي بمعنى أنها "مختطفة" وهذه حقيقة ينبغي علينا جميعاً الإعتراف بها حتى نتمكن من معالجتها. وعملية الإختطاف هذه لم تتم اليوم بل منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً في أحسن تقدير وتريد القوى المتنفذة مواصلة هذا التعتيم. وفي مثل هذه الحالة ينبغي على القوى الوطنية أن تدرك هذه الحقيقة من حيث الإعتراف بوجودها والتعامل معها وهذا لا يعني بالضرورة قبولها او الرضوخ للأمر الواقع كما يروج البعض بل يعنى العمل على تغييرها بالطرق السلمية المتدرجة مع إستمرار الثورة.
ويزداد الأمر سؤاً عندما نعرف أن الذين وقعوا على المبادرة الخليجية هم الأطراف المتنازعة على إقتسام السلطة وليس على إستعادة الدولة وبالتأكيد ليس على هيبة الدولة أيضاً لأنهم يفضلون بقاء الحال كما هو في حالة إختطاف دائم ليستمروا في نهبهم للبلاد ، بينما لم يتبادر إلى أذهانهم وهم يهمون بالتوقيع على المبادرة الخليجية بأنهم سيقعون في شرِ أعمالهم بواسطة المواطن النزيه عبدربه منصور هادي الذي أجمعت عليه القوى الغربية وأختارته ليكون المُخلص وقدمت له شيك مفتوح في إتخاذ قرارته المدعومة دولياً دون قيدٍ أو شرط ، وهو دعم لم يحصل عليه أي زعيم عربي من قبل حتى الآن. بينما من وقعوا على المبادرة لم يكونوا يعرفون أو حتى يظنون بأن هادي على هذه الدرجة من المكانة والحكمة والتعقل والدهاء بل أعتقدوا بأنهم سيتمكنون من إستخدامه لإغتصاب اليمن مجدداً ، وساد هذا الإعتقاد الخاطئ حتى عند معظم القوى الوطنية نتيجة أخطاء الماضي المتراكمة وعدم الشفافية والإفتقار للمعلومة الصحيحة والحقيقية ، ولذلك رفضت هذه القوى الوطنية والمستقلة بالخصوص المبادرة وأعترضت على إنتخاب هادي رئيساً وذلك خوفاً على اليمن من أن تقع في فخ جديد من خلال سرقة الثورة وإغتصاب السلطة وهذا ماحدث ويحدث بالفعل حتى هذه اللحظة ، لكن أقتضت الحكمة بحسب مقولة قديمة "إن الوصول إلى الحق لابد وأن يمر بطرق متعرجة" ، لذا فإن المبادرة التي أُعتبرت مؤامرة وهي فعلاً كذلك لو لم يكن هناك وطني شريف إسمه عبدربه منصور هادي تولى المنصب الأول في البلاد "لإستعادة هيبة الدولة" كما أشار في خطابه وأيضاً لو لم تفشل جريمة وعلمية إغتيال النهدين لأختل التوازن ولكانت الأمور قد مضت في حالها وأنتقلت إلى مرحلة الإغتصاب الثانية لليمن دون رجعة. 
ورغم هذه الحقيقة إلا أننا قد نختلف بعض الشئ مع الرئيس هادي في مسألة "إستعادة الهيبة للدولة" لأنه ينبغي إستعادة الدولة المنزوعة أولاً حتى يمكن إستعادة الهيبة لها. وليس ثمة أي مبالغة في غياب الدولة لأنه لا يمكن أن نتحدث عن وجود دولة وأرضها تقضم يومياً دون أن تجد من يدافع عنها أو يحميها غير مواطنين أقحاح من سكان المناطق الحدودية. ولايمكن أن نقر بوجود دولة وهناك من يقوم ببيع أكثر من نصف أرض هذه الدولة دون مقابل أو رادع لعائلة واحدة وهي عائلة آل سعود. ولا يمكن أن تكون هناك دولة مع وجود قطاع طرق يقيمون النقاط في شوارع العاصمة. ولا يمكن أن تكون هناك دولة دون وجود من يحمي مواطني هذه الدولة على طول وعرض البلاد وخارج الحدود. ولا يمكن أن يكون هناك دولة في ظل تدخل أجنبي سافر في كل المجالات العسكرية والمدنية.
إذن نحن أمام مفارقات جدلية عجيبة كوننا بحاجة أولاً إلى إستعادة الدولة حتى نعيد لها هيبتها. ولا يمكن أن نستعيد الدولة بمن هم ناهبوها وسارقوها وبايعوها والبعض منهم يجلس أمام الرئيس هادي بينما هو يصيح بأعلى صوته عن "إستعادة الهيبة" وهم يصفقون له بكل وقاحة. ولا يمكن أن نستعيد الدولة ونحن مازلنا ننظر بأهمية كبرى إلى دعوة من أختطفوا الدولة والسلطة والثروة والثورة إلى الحوار الوطني. أي حوار وطني هذا لمن قاموا بإرتكاب كل هذه الجرائم ، ثم ماهي محاور هذا الحوار ، هل هي إعادة إقتسام اليمن بين البلاطجة الجدد أم ماذا؟
ولذلك نحن رفضنا المبادرة الخليجية لأنها تحمل روح الفتنة وإجهاض الثورة علاوة على إعادة إنتاج النظام السابق بتجديد واجهته بواجهة أخرى مماثلة بل ومن طينة أسوأ مع رفع سقف نمطية الأداء المرتهن وهذا ما كان معلومٌ أيضاً ومخطط له من قبل الأطراف التي رعت ووقعت على المبادرة الخليجية ولذلك هي أرتضتها ووقعت عليها. بيد أنهم الآن يعيشون في حالة من الضنك والخيبة والإنفصام والرعب إزاء الورطة التي وقعوا فيها بوجود عبدربه منصور هادي الذي لم يتعرفوا عليه في السابق والذي أكد لهم ذلك بقوله ”إن الأحزاب بتحالفاتها المختلفة لم تستطع مغادرة الماضي والعبور مع الشعب إلى اليمن الجديد الذي ارتضاه وصوت عليه" وهذا يعني أنهم لم يتوقعوا هذا المأزق الذي وقعّوا عليه ووقعوا فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى