حوارات

أنس حسن يحيى : علَي أن أعبر عن قلقي من هذه النزعة الإقصائية التي تتجسد في سلوك بعض عناصر الإصلاح, سواء في القمة أو في القاعدة, هذه النزعة الاقصائية مقرفة


واوضح الأستاذ انيس حسن يحي في مقابلة صحفية اجرتها معه صحيفة " الشارع " أن " هناك بعض الإخوة في الإصلاح في مراكز قيادية ما زالت تميل إلى إقصاء الآخرين، هذا الإقصاء يضر باللقاء المشترك ككل، وبالإصلاح بشكل أخص "

واضاف يحي " أعبر عن قلقي من هذه النزعة الإقصائية التي تتجسد في سلوك بعض عناصر الإصلاح، سواء في القمة أو في القاعدة، وأنا دائماً في لقاءاتي بشباب الإصلاح أوجه لهم ملاحظاتي النقدية في ما يخص النزعة الإقصائية، وأقول لهم تعلموا من تجربة الاشتراكي، فالنزعة الإقصائية التي كانت لدى الاشتراكي في الماضي اضرت به "

وحول التسوية السياسية التي تمت في البلاد قال انها مثلت الحل الممكن، ولم تكن الحل الأمثل، فبدون هذه التسوية كان من الممكن أن يتوجه البلد إلى حرب أهلية،

واعتبر انيس يحي عبد ربه منصور ومحمد باسندوة فدائيين من النوع النادر، لأنهما يتحملان اليوم مسؤوليات ضخمة في ظروف بلد يعاني من صعوبات شتى، وهما يتحليان بالصبر والجلد وروح المثابرة والنفس الطويل.

نص المقابلة:

أزيد من 4 سنوات مرت منذ حوارنا الأول مع الأستاذ أنيس حسن يحيى. مذاك جد الكثير على المشهد السياسي، أهم هذا الجديد الثورة، وما أحدثته من تغيير، إضافة إلى ما آل إليه الحراك الجنوبي. الأمر الذي قادنا إلى إجراء حوار مع هذا الرجل صاحب الخبرة والتجربة السياسية الغنية، وصاحب الرؤية الثاقبة المستشرفة لأبعاد المستقبل.

الثلاثاء الماضي؛ طرقنا الباب نفسه الذي كنا طرقناه منذ 4 سنوات، فتح لنا واستقبلنا بالبشاشة والترحاب ذاتهما، وحدثنا عن الثورة وتحالف الاشتراكي مع الإصلاح، وعن الحراك الجنوبي، وأخطاء الحزب إزاء القضية الجنوبية. حدثنا بذات صفاء الذهن السابق؛ هذا الصفاء الذي نادراً ما يتمتع به شخص بلغ الـ77، مثل الأستاذ أنيس حسن يحيى، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وأحد مؤسسي هذا الحزب.

حاوره: علوي السقاف ونائف حسان


* في مقالك عن الإسلاميين وقوى الحداثة في اليمن، كان موقفك حريصاً على الإصلاحيين واللقاء المشترك، هل لا زلت عند هذا الموقف؟

– قلت في المقال إن التحالفات ليست ذاتية، وإنما هي تعبير عن حاجة موضوعية، فجار الله عمر عندما هندس لهذا اللقاء، كان يستجيب لحاجة موضوعية في الساحة السياسية لقيام مثل هذا التحالف، فبالتالي مهما كانت ملاحظاتنا تجاه بعضنا يجب أن تكون مسؤولة حصيفة متوازنة لا تخل بهذا التحالف. أنا لاحظت إلى أمس أن هناك بعض الإخوة في الإصلاح في مراكز قيادية ما زالت تميل إلى إقصاء الآخرين، هذا الإقصاء يضر باللقاء المشترك ككل، وبالإصلاح بشكل أخص، كيف أتعامل مع هذا الأمر، أتعامل معه بتوجيه النقد الحصيف الرصين. تلقيت رسالة من أحد الإخوة القياديين في الإصلاح يقول فيها نحن نتفهم ملاحظاتك النقدية، أنها تأتي من قبيل الحرص على تحالفنا، وعلى الإصلاح بدرجة أساسية. أنا حريص على اللقاء المشترك، فهذا التحالف مهماته لم تنجز بعد، رحيل صالح هو واحدة من المهمات، لكن بقايا النظام ما زالوا يعبثون في هذا السياق. التسوية السياسية هي الحل الممكن، ولم تكن الحل الأمثل، فبدون هذه التسوية كان من الممكن أن يتوجه البلد إلى حرب أهلية، الإصلاح له حضور في كل المحافظات؛ في عدن، لحج، أبين، حضرموت، بالإضافة إلى المحافظات الشمالية، أنا كاشتراكي مفروض فيّ ألا أتحسس من هذا الحضور المكثف، ولكن عليّ أن أعبر عن قلقي من هذه النزعة الإقصائية التي تتجسد في سلوك بعض عناصر الإصلاح، سواء في القمة أو في القاعدة، وأنا دائماً في لقاءاتي بشباب الإصلاح أوجه لهم ملاحظاتي النقدية في ما يخص النزعة الإقصائية، وأقول لهم تعلموا من تجربة الاشتراكي، فالنزعة الإقصائية التي كانت لدى الاشتراكي، أضرت هذه التجربة منذ بدأنا في الاشتراكي نقصي الآخر خارج الاشتراكي، ثم أقصينا بعضنا، فحدثت الكثير من الكوارث، هذه النزعة الإقصائية التي تتبدى في بعض قيادات وقواعد الإصلاح، مقرفة. هذه المشكلة لا يجري التعامل معها بالشكل الصحيح من قبل أحزاب اللقاء المشترك، لهذا أتمنى من الإصلاح ألا يكرر أخطاء الإسلاميين في مصر وتونس؛ في مصر الإخوان يعرفون أن الدستور للشعب بجميع قواه ومكوناته، ثم يكونون لجنة تأسيسية لصياغة الدستور، ويهيمنون عليها، هذا نهج إقصائي.

* ما الذي يحول في اليمن دون تكرار تجربة تونس ومصر؟

– أنا أتمنى ألا يقعوا في هذا الخطأ، ففي الإصلاح عناصر عاقلة.

* تتمنى. هل يعني هذا أن هناك مؤشرات لوقوع الإخوة في الإصلاح في نفس خطأ الإسلاميين في مصر وتونس؟

– نعم هناك مؤشرات.

* ما هي؟

– حديث الزنداني عن دولة إسلامية.. نحن في القرن الـ21، ونريد دولة عصرية تنفتح على كل مكونات الشعب اليمني، ولا تعزل هذا الفريق أو ذاك. صحيح الزنداني كان أحد أهم عناصر الإصلاح في المطالبة برحيل صالح، وكوني أتفق معه في هذه الجزئية لا يعني أنني متفق معه في مسائل أخرى هامة جداً، وبالذات في ما يتعلق ببناء الدولة المدنية. وصحيح أن الإخوة في الإصلاح يتحدثون عن الدولة المدنية، وهذا شيء إيجابي، لكن برؤية ضبابية ربما حتى لا يصدموا شركاءهم في المشترك. يجب الحديث عن الدولة المدنية بشفافية ووضوح، فهي لا تعني إطلاقاً تجاهل الشريعة وتجاهل الإصلاح، لكن لا يجوز أيضاً أن أجعل من الشريعة قيداً على بناء الدولة المدنية. يمثل الزنداني التيار السلفي المتشدد في حزب الإصلاح، وهو يسيء لحزب الإصلاح بتصريحاته وفتاواه التكفيرية، كما حدث مؤخراً مع الرائعين بشرى المقطري وفكري قاسم. أتمنى على حزب الإصلاح ألا يسكت على أخطاء الزنداني للحفاظ على سلامة توجهه كحزب فاعل في الحياة السياسية، ويدعو إلى قيام دولة مدنية لبقائه كحزب سياسي طرفاً فاعلاً في أحزاب اللقاء المشترك. الجدير بالذكر أن حزب الإصلاح طرف مهم في اللقاء المشترك، وثمة حاجة وطنية لبقائه في إطار اللقاء المشترك.

* في ظل التطورات الجديدة التي حدثت: الثورة ونزول الشباب إلى الساحات ورحيل صالح، كيف تنظر إلى علاقة الاشتراكي بالإصلاح؟ ما هي نظرتك إلى مستقبل هذه العلاقة، خاصة وأنه قد صدرت فتاوى تكفير بحق رفاق لكم في الاشتراكي مثل بشرى المقطري، ويلاحظ أن هذه الفتاوى تمس شباباً ناشطين في الساحات، وكأنما الأمر مقصود منه الحد من فاعلية الاشتراكي داخل الساحات؟

– قلت لحلفائنا في الإصلاح إن هذا موقف معيب من الزنداني أن يكفر بشرى المقطري وشباباً آخرين، وأن عليهم أن يدينوا ما قام به الزنداني، فكان ردهم غير مقنع، إذ قال لي بعض قياداتهم إن الفتوى لم تصدر من الإصلاح، وإنما صدرت عن الزنداني، فكان ردي أنه لو صدرت عن الإصلاح فكارثة، وكان على الإصلاح أن يدين هذه الفتوى، ويدينها بحزم. وأتمنى على الإخوة في الإصلاح أن يستوعبوا أن مثل هذه الفتاوى التكفيرية تشوه سمعة الإصلاح قبل كل شيء، ولكني رغم هذا ما زلت متمسكاً بهذه العلاقة التحالفية مع الإصلاح، لأن هذه العلاقة ليست رغبة، وإنما هي تعبير عن ضرورة موضوعية، لكن هذا لا يعني أن أسكت عن الأخطاء، وإخواننا في الإصلاح عندهم كامل الحق ألا يسكتوا عن أخطائنا نحن في الاشتراكي، أمس (أُجري الحوار الثلاثاء) كنت أتحدث في اللجنة التي تعد أفكاراً حول الحوار، وقلت إن الشفافية معدومة داخل اللقاء المشترك، الحوار معدوم، فكيف يمكن تصويب الأخطاء في غياب الشفافية، وفي غياب النقد المتبادل. أنا لا أعرف أن هذا التحالف يمكن أن يمنع النقد.

* الآن نمر بفترة انتقالية مدتها سنتان، السؤال هو: باعتبارك صاحب خبرة، ما الذي يفترض أن ينجز خلال هاتين السنتين؟ ما الذي على حكومة الوفاق إنجازه؟ وما الذي على الشباب الذين فجروا الثورة فعله، هم والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم؟ ما الذي عليهم فعله؟ لئلا يتم خلال هاتين السنتين إعادة إنتاج الاستبداد مرة أخرى؟

– هذا هو التحدي الكبير، تحدٍّ لنا كلنا، لكل القوى الثورية في المجتمع اليمني، ولأحزاب اللقاء المشترك بشكل خاص. أولاً أعتبر عبد ربه منصور ومحمد باسندوة فدائيين من النوع النادر، لأنهما يتحملان اليوم مسؤوليات ضخمة في ظروف بلد يعاني من صعوبات شتى، وهما يتحليان بالصبر والجلد وروح المثابرة والنفس الطويل.

أعرف الأخ عبد ربه من وقت مبكر، ولكن صلاتي به تعمقت أكثر خلال السنوات القليلة الأخيرة, كنت أحس بمعاناته في العلاقة مع صالح، وكان ينتقد صالح بلغة حصيفة دون أن يخوض في التفاصيل، لذلك تعززت لديّ القناعة بأنه ليس ظل صالح كما يتوهم البعض.

وأعرف محمد سالم باسندوة منذ كنا زميل دراسة في ثانوية عدن، وفي كلية عدن لاحقاً, اشتركنا معاً في العمل الوطني منذ منتصف الخمسينيات، وهو من جيل الرعيل الأول المؤسس للحركة الوطنية في عدن بتوجه يمني.

أتمنى للأخوين عبد ربه وباسندوة النجاح في مهماتهما الصعبة، ولكني أقول إنه سيتعذر إنجاز المهمات الملقاة على عاتقيهما بدون إعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية على أساس وطني، وبدون تعزيز إعداد وتماسك هاتين المؤسستين بإعادة هيكلتهما، بدون ذلك سيتعذر تحقيق الأمن والاستقرار، كما سيتعذر التصدي للأعمال الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة و"أنصار الشريعة". وبسبب هذه الوضعية المؤسفة للمؤسستين العسكرية والأمنية، ستراوح التسوية السياسية في مكانها. ومع ذلك أتمنى لهما النجاح في مهماتهما الصعبة، لأن في ذلك نجاحاً للوطن والشعب.

* إعلام الإصلاح في أحداث منطقة دماج كان يحرض الناس ضد الحوثيين بشكل كان ينذر بحرب طائفية في البلد، وبالنسبة لما حدث ويحدث في أبين من قبل القاعدة، دعا هذا الإعلام إلى تبني حوار مع القاعدة.. ما رأيك في هذا، وخصوصاً الحوار مع القاعدة؛ هذا التنظيم الذي لا يؤمن إلا بالعنف؟

– هل الإصلاح دعا إلى حوار مع تنظيم القاعدة.

* أطراف في الإصلاح دعت إلى هذا..

– الشيء الذي يؤسف له أن الإعلام القريب من الإصلاح يهاجم الحوثيين بطريقة لا تسمح بالحوار معهم، فأنا عندما أقرأ صحيفة "أخبار اليوم" أرى تحريضاً منظماً ضد الحوثيين، أنا كاشتراكي لا أرى أي قيد على الحوثيين في أن يتبنوا المذهب الشيعي، فأنا كاشتراكي حداثي علماني أؤمن بحرية المعتقد، وبالتالي أرى من حق الحوثيين أن يتبنوا المذهب الذي يريدون. كما أقول إن دعوة فك الارتباط في الجنوب هي خيار سياسي مشروع، لكني لست مع هذا الخيار، لأنه سيفضي إلى تشظي الجنوب، وأيضاً قيام دولة شيعية في صعدة وما جاورها سيفضي إلى تمزق اليمن، فهناك فرق كبير بين أن يكون الإخوة الحوثيون شيعة، وبين أن ينشئوا دولة، هم يبدو أن إعلامهم ضعيف لا يوضح بشكل كافٍ أنهم ليسوا بصدد إنشاء دولة، لكن النشاط الإيراني في المنطقة هو الذي يثير القلق والمخاوف، وهو نشط مؤخراً، وهذا النشاط ليس حباً في الحوثيين، وإنما لإيجاد بؤرة يتم الاستناد إليها في خاصرة السعودية، يعني أجندة مختلفة عني أنا. لذلك أتمنى من المشترك أن يتعامل مع هذه المسألة بشكل يمكن الحوثيين من أن يكونوا طرفاً فاعلاً في الحياة السياسية، بعيداً عن أي أوهام بأن عندهم توجهاً لإنشاء دولة شيعية.

أما في ما يتعلق بالإرهاب في المحافظات الجنوبية، فأرى أنه حالة طبيعية للانفلات الأمني هناك، لذلك يتمدد نشاط القاعدة و"أنصار الشريعة"، وهو الآن متواجد في أحياء هامة في عدن.

أما سؤال ما إذا كان القاعدة سيشارك في الحوار القادم، أقول بأن تنظيم القاعدة له أجندة مختلفة، هو أسوأ بكثير من أنصار فك الارتباط الذين يقولون إن الحوار القادم لا يعنينا، القاعدة بأية لغة ستخاطبهم، أما إذا تحولوا إلى حزب سياسي، فهذا شيء آخر، لكن حتى هذا الأمر فهو غير وارد عندهم، لذلك أستبعد أن يكونوا طرفاً في الحوار القادم. بالمقابل أدعو الحراك بجميع مكوناته، بمن فيهم دعاة فك الارتباط، إلى الحوار القادم. كما أدعو الحوثيين إلى ذلك أيضاً، لكن وضع تنظيم القاعدة مختلف، فهو محكوم بأجندة مختلفة؛ أجندة توضع خارج اليمن من قبل المركز الرئيسي الذي يقود فروع التنظيم في الوطن العربي ومنطقة الجزيرة.

* إلى أي مدى يمكن لتنظيم القاعدة أن يبسط نفوذه على مدينة عدن أو على أجزاء منها؟

– في وجود الانفلات الأمني كل شيء وارد. هناك حالة من القلق والذعر موجودة عند الأهالي. تحدثت قبل يومين مع الأشخاص الذين تضرروا مما حدث في التواهي في نشوان والشرطة البحرية، في غياب الجيش القوي والموحد والأمن الموحد، من السهل أن تتمدد القاعدة، فقبل فترة كما تعلمون وصلوا إلى رداع.

* هل نفهم من كلامك أن مشكلة القاعدة هي مشكلة أمنية فقط؟

– في التصدي لهذا التنظيم أنا بحاجة إلى جيش قوي وموحد، وإلى قوى أمنية قوية وموحدة. المعلومات التي أطلع عليها من خلال قراءاتي تقول إن القاعدة عندما يستولون على منطقة فإن عدد أفرادهم قليل، فإذا كان الجيش موحداً، فبإمكانه أن يقضي على القاعدة في غضون أيام.

* مؤخراً في ندوة وأنت تتحدث عن القضية الجنوبية بكيت..

– (مقاطعاً).. لم أبكِ، وإنما تهدج صوتي..

* حسناً. ما الذي دعا إلى تهدج صوت الأستاذ أنيس؟ ما الذي أقلقك وأحزنك إلى هذا الحد وأنت تتحدث عن القضية الجنوبية؟

– أنا تحدثت كاشتراكي، وأنا أرى كثيراً من دعاة فك الارتباط كانوا في الاشتراكي، واليوم يتحدثون عن هوية جنوبية وليست يمنية، ويشككون في أن الجنوبيين يمنيون، وكأننا قدمنا من كوكب آخر، هذا أحزنني كثيراً. كنت أقول لكثير من الناشطين من الفريق الأول دعاة فك الارتباط، فلننفصل في الجنوب، لكننا نبقى يمنيين، ليس لأننا انفصلنا نلغي حقيقة تاريخية تقول بأننا يمنيون، فالشعب اليمني طوال التاريخ شعب واحد، وعبر هذا التاريخ لم توجد دولة موحدة إلا مرتين، لكن عدم وجود دولة شيء، وكوننا يمنيين شيء آخر. نحن في الجنوب نحس بالغبن من 20 سنة، أبناء تهامة يحسون بالغبن منذ قرون، فهل إذا طالبوا بالانفصال يتوقفون عن كونهم يمنيين؟! هذا أمر محزن، محزن جداً. الاشتراكي الذي كان حامل قضية الوحدة من وقت مبكر، يأتي من داخله من يقول بأننا لسنا يمنيين! هذا الشيء هو ما آلمني كثيراً. ورغم أنني أقول إن الدعوة إلى فك الارتباط هي خيار سياسي مشروع، لكني أحذر من أنها ستؤدي إلى تشظي الجنوب، وأعطيت في الندوة أمثلة؛ فالجنوب لم يتوحد إلا في 67، كان من عدة كيانات؛ أنا من عدن، وكثير من أبناء عدن كان عندهم توجه أن مدينة عدن لحالها، ولا علاقة لها ببقية الكيانات في الجنوب. فشل هذا التوجه، وحزب الرابطة صاحب مشروع الجنوب العربي، فشل مشروعه أيضاً.

القضية اليمنية كانت المرتكز الأساسي الذي قامت عليه القضية الوطنية في الجنوب، ولم يكن أحد يسأل في عدن داخل قيادات الحركة الوطنية والنقابية، أنت من فين. عندما يذكر محمد عبده نعمان أعتبره عدنياً، صحيح أن جذوره من الشمال من الأحكوم، لكن نشأته ودراسته الابتدائية والثانوية، وأين قضى عمره؟ في عدن. وهناك المئات من أمثاله، هناك الآن من ينظر إلى هؤلاء وكأن لا علاقة لهم بالجنوب، هذا شيء مؤسف، يعني عندما تحدثني إحدى الرفيقات أبوها درس الابتدائية في عدن، وجلس فيها فترة طويلة، وجذوره من تعز، هذا الأب عاش طوال عمره في عدن، وأنا لم أتعامل معه إلا باعتباره أحد قيادات عدن، ابنته الآن يتم التشكيك في أنها من عدن (يصمت برهة ثم يضيف وهو يتنهد) هذا شيء مؤلم.

* قلت في ذات الندوة وأنت تتحدث عن المظاهر المسلحة في عدن، إن هناك سلاحاً يتدفق إلى المدينة بتمويل من الخارج، إلى يد من يذهب هذا السلاح؟ وما هي الجهة التي تمول تدفق السلاح؟

– في حديثي وأنا في عدن وحديثي هنا في مركز الدراسات، وأيضاً في حديثي في اجتماع الأمانة العامة للاشتراكي، قبل أسبوعين، قلت إن توزيع السلاح في عدن تم من قبل عناصر نافذة في السلطة المحلية في عدن من جهة، ومن قبل أحد قيادات الخارج الجنوبية من جهة ثانية. المفارقة أن تلتقي العناصر المحسوبة على النظام السابق مع أطراف في الحراك في حمل السلاح وترويع المواطنين الجنوبيين. وأجزم أن الحراك السلمي الجنوبي بغالبية مكوناته يتمسك بنهجه السلمي، ويرفض العنف واللجوء إلى السلاح. ففريق الدعوة إلى فك الارتباط لكي لا نظلمهم يوجد ضمنه أساتذة جامعيون، شعراء، روائيون، حقوقيون، صحفيون، هذا الفريق بلغ التشويش عنده حد تشكيل نقابة صحفية للجنوبيين، على اعتبار أن النقابة القائمة تخص الشماليين ولا تعني الجنوبيين، مع أنه أنا كصحفي جنوبي مشكلتي ليست مع مروان دماج لأنه شمالي، مشكلتي في الأساس هي مع نظام. هذا هو التشويش الذي ما يزال مستمراً. هذا الفريق صوته عالٍ في المحافظات الجنوبية، لكنه ليس الفريق الذي يمثل الغالبية. الذي يمثل الغالبية حقيقة هم غير مدعومين مادياً وإعلامياً، وهم دعاة الفيدرالية من إقليمين. نحن في الاشتراكي نحاول احتضان هذا الفريق إعلامياً، وحتى مادياً إذا أمكن. ممكن أن أذكر لكم أسماء أبرز هذا الفريق في عدن: ناصر الطويل، خالد بامدهف، عمر سعيد الصبيحي، قائد عام في البريقة، أحمد سالم الصبيحي، من الناشطين في دار سعد، علي جوهري، وعادل جعفر، ومن خارج عدن عبدالمجيد وحدين في حضرموت، وعلي بن علي هادي في شبوة، لكن بالنسبة لهذا الأخير لا أستطيع أن أجزم رغم أن أكثر من شخص أكد لي ذلك. في الخارج يمثل هذا الاتجاه علي ناصر وحيدر أبو بكر العطاس، وهما من أبرز قيادات الخارج الجنوبية, حيدر العطاس هو صاحب الدعوة إلى فيدرالية من إقليمين، وهو أكثر قيادات الخارج الجنوبية عقلانية. يميل الأخ علي ناصر محمد إلى فكرة الفيدرالية من إقليمين، وهو يبدو أكثر تماسكاً وعقلانية وثباتاً في مواقفه وتصريحاته.

* وما رأيك في عودة محمد علي أحمد؟

محمد علي أحمد هو مناضل جسور، وأجمل ما فيه احترامه لنفسه. لم يكن في جيب أحد لا في الماضي ولا في الحاضر. كما أن أروع ما فيه تعامله مع الآخر بأخلاق عالية، وهذا ما جعلني أطلق عليه تسمية "البدوي النبيل". شعرت بالفرحة بعودته من منفاه القسري، لأن في هذه العودة إغناء وإخصاباً للحياة السياسية. كنت أتمنى عليه ألا يتعجل في القول بأنه عاد ليتابع النضال من أجل الاستقلال والتحرير، علماً أن هذا الخيار حق مشروع له ولغيره، ولكني كنت أفضل أن يتريث بعض الوقت ليستطلع كل الآراء المطروحة في الساحة السياسية في الجنوب.

* نفهم من كلامك أنك مع الفيدرالية من إقليمين..

– (مقاطعاً) لا، أنا مع دعاة الفيدرالية من إقليمين.

* هل ناقشتم هذا الأمر داخل الحزب؟

– نعم ناقشناه أمس؛ أنا مع الفيدرالية من 5 إلى 7 أقاليم، وفق خصوصية وتضاريس كل منطقة، وأمس في نقاشاتنا توصلنا إلى ألا نطرح الفيدرالية من 5 إلى 7 أقاليم، بل ندعم الفيدرالية من إقليمين، بهدف توسيعها مستقبلاً للحفاظ على وحدة هذا الوطن. وفريق دعاة الفيدرالية من إقليمين في الحراك من إيجابياته أيضاً أنه ضد الكفاح المسلح، ومع الحوار مع كل الاتجاهات، ولا يريد أن يقصي أحداً.

* هل هذا الفريق مع طرح أن يكون الحوار بين الشمال والجنوب؟

– لا، الفريق الأول الداعي إلى فك الارتباط هو الذي يطرح حواراً بين شمال وجنوب. الفريق الثاني لا يتحدث بهذا الشكل، وهو عنده استعداد أن يشارك في الحوار، وإذا جاء حيدر العطاس وصالح عبيد كما تقول الصحف، وأنهما مع الفيدرالية من إقليمين، وأنا لأول مرة أعرف أن صالح عبيد مع الفيدرالية من إقليمين، هذا شيء إيجابي. نشاطات الفريق الأول الداعي إلى فك الارتباط مغطاة إعلامياً من قناة "عدن لايف" وبعض الصحف، فيما نشاطات الفريق الثاني مع الأسف غير مغطاة إعلامياً، وهذا خطأ كبير يتحمل مسؤوليته بدرجة أساسية الحزب الاشتراكي.

* كما طرحت أستاذ أنيس وقلت بأن الاشتراكي يتبنى موقف دعاة الفيدرالية من إقليمين. في ضوء هذا، ما موقف شركائكم في المشترك من ذلك؟

– يقال إن الإصلاح رافض الفيدرالية كلية، وهذا بسبب قصور في أداء المشترك، وقصور عندنا في الاشتراكي، لهذا قلت إن هذا التحالف في إطار اللقاء المشترك، والذي فرضته ضرورة موضوعية، يجب أن يناقش التباينات من أجل أن نكون أكثر تماسكاً وأكثر قوة. ولا أدري إذا كان حوار بهذا الخصوص قد تم، لكن في اعتقادي أنه لم يتم، لأن الاتجاه الغالب في الإصلاح لا يتحدث إلا عن دولة بسيطة.

* الفريق الأول في الحراك (دعاة فك الارتباط) لن يحضر مؤتمر الحوار الوطني، الفريق الثاني (دعاة الفيدرالية بين إقليمين) لم يحسم مسألة حضوره بعد. إذا لم يحضر الفريق الثاني، إلى أي مدى يمكن المضي في حل القضية الجنوبية؟

– قبل كل شيء، على أحزاب المشترك أن تأخذ المبادرة في القضية الجنوبية باعتبارها قضية عادلة، وأن الحراك السلمي هو التعبير الصحيح عن هذه القضية العادلة. الآن تتم بلورة أفكار من هذا القبيل داخل الاشتراكي، لكن أقول لكم تأخرنا. أعطيكم مثالاً من أجل أن تعرفوا الخطأ الذي ارتكبناه في قيادة الاشتراكي، بدأت التباينات عندما تبنى مسدوس فكرة تصحيح مسار الوحدة، ماذا يعني أن يتبنى مسدوس فكرة تصحيح مسار الوحدة؟ يعني هذا أنه وحدوي، عيب مسدوس، وهو صديق بيننا احترام متبادل، في الوقت الذي يدعو الآخرين لأن يتفهموا آراءه، هو أيضاً لا يجيد الحوار، وهو شخص يحترم نفسه صاحب رأي وصاحب موقف. هذا الفريق الذي كان يدعو إلى تصحيح مسار الوحدة حينذاك، انتقل إلى الدعوة لفك الارتباط، كثير من رموز تصحيح مسار الوحدة هم الآن موجودون داخل الفريق الأول؛ فريق فك الارتباط، فيهم أساتذة جامعيون ومثقفون. هذا خطأ من أخطاء الاشتراكي، وأنا هنا أمارس نقداً للاشتراكي، ومن داخل الاشتراكي، حرصاً على هذا الحزب، وليس تحاملاً عليه. أريد أن أقول بأنه لو كنا أحسنا التعامل مع فكرة مسدوس في ذلك الوقت، لما حصل هذا التصدع، وأعتبر مسدوس مشاركاً في هذا الخطأ، لأنه مع الأسف لا يجيد الحوار مع الآخرين، ففي برنامج الحزب في المؤتمر الخامس كانت هناك فكرتان؛ فكرة تصحيح مسار الوحدة، وفكرة الإصلاح السياسي الشامل للنظام. المنطق يقول إن الفكرتين تتكاملان، الذي حصل هو أن الفكرتين تصادمتا، مسدوس شعر أن لا أحد يستمع إليه، والذين وقفوا معه شعروا نفس شعوره، وهم رموز كبيرة في اللجنة المركزية للحزب، الأمر الذي جعلهم يذهبون في ما بعد إلى الدعوة لفك الارتباط. يعني هناك بطء في تعامل قيادة الاشتراكي مع هذا الأمر، وهذا الكلام أقوله بحرص كامل وبدون تحامل، وأن يأتي النقد من داخل الاشتراكي أفضل ألف مرة من أن يأتي من خارجه. وأنا الآن مرتاح لأن نقاشات أمس في الحزب أبدت تفهماً أكثر من السابق لعدالة القضية الجنوبية، وأهمية مساندة الفريق الداعي إلى فيدرالية من إقليمين، مع الدعوة إلى توسيع الفيدرالية مستقبلاً إلى 5 أو 7 أقاليم.

* بعض الجنوبيين يبدون مخاوفهم من أن الإصلاح في الجنوب يدرب مليشيات. وهذا ما قاله الجفري في حوار سابق.. هل لديك معلومات عن هذا؟

– إن هذا الكلام قلته لبعض قيادات الإصلاح في عدن، ونفوا، لكن هذا النفي لا يمكن أن أقبل به، ولا أطمئن إليه، لأن الذي هو موجود على الأرض يؤكد أن هناك توجهاً لتسليح بعض أعضائه، ويحتمل أنه اتجه إلى تسليح بعض أعضائه.

* الحزب الاشتراكي بنيته التنظيمية هي نفس البنية أو الهيكل التنظيمي الذي أنشئ منذ بداية تأسيسه. حصلت متغيرات ومستجدات جديدة على المستوى الدولي والمستوى العالمي، وأيضاً على المستوى المحلي من ديمقراطية وتعددية، وما إلى ذلك، والآن العامل الجديد هو الثورة التي أفرزت قوى فاعلة جديدة من داخل الواقع، أو أضافت فاعلاً جديداً هو الشباب.. هذه البنية لم تتغير والعوامل السياسية تغيرت كثيراً. أليس هناك ضرورة لتغيير الهيكل التنظيمي للحزب ليتلاءم مع المستجدات التي حصلت؟

– لا أعتقد أن مشكلة الحزب الاشتراكي اليمني هي نظام داخلي جامد. المشكلة هي في أسلوب القيادة، أسلوب القيادة البابوية، وهذا ليس له علاقة بالنظام الداخلي، النظام الداخلي الجامد الصارم لو كان هو المشكلة أو لو أن هناك صرامة تمنع الاشتراكيين من أن يلتقوا ويتحدثوا، لما حصلت هذه اللقاءات بين الاشتراكيين خارج الهيئات كل يوم.

* هذا دليل أن الهيئات الحزبية لا تستوعب. إنما …

– (مقاطعا) قلت إن هناك أسلوباً قيادياً بابوياً، وأعطيت مثالاً على ذلك ما حاصل في تعز. الشباب في تعز شباب الاشتراكي بالذات، شباب الساحات. هم أخذوا القرار في تشكيل القيادة الحزبية الجديدة. هناك عقلية بابوية موجودة في أكثر من منظمة حزبية في كل المستويات. هناك رفاق فاعلون في المكتب السياسي في الأمانة العامة، فاعلون ممتازون، لكن الهيئة كمؤسسة ليست فاعلة. هل هذا يعود إلى النظام الداخلي، أم يعود إلى قصور في القيادة العامة؟ هؤلاء الرفاق في الأمانة العامة كلهم مناضلون، لكن واضح أن قدراتهم لم تعد تتفق مع متطلبات الحياة المعاصرة، وبالتالي المنطق يقول افسحوا المجال لقيادات شابة لتقود الحزب.

* كيف يتم هذا؟

– وفق النظام الداخلي في المؤتمر كما حصل في تعز.

* في الغالب كان يتم، وهذا أعتقد هي مشكلة كثير من أحزاب اليسار، أن هناك قطاعاً شبابياً يتم استيعاب الشباب فيه، بينما الهيئات الرسمية التي تتخذ القرار تكون بعيدة عن الشباب…

– (مقاطعا) هل هذه المشكلة لها علاقة بالنظام الداخلي، أم لها علاقة بالقيادة البابوية الموجودة في الكثير من مستويات الحزب وكثير من منظماته؟ أتمنى أن ما حدث في تعز يكون نموذجاً لإحداث نقلة نوعية بداخل الحزب بكله.

* الآن، مع الثورة واضح أن الحزب الاشتراكي له حضور فاعل عبر شبابه في الساحات، وفي كل الأماكن. هذا الحزب هناك نقص في إعلامه الذي لا يبرز دوره الفاعل، حيث لا يمتلك من وسائل الإعلام إلا صحيفة أسبوعية واحدة وموقعاً إلكترونياً قيد الإنشاء. ما رؤيتكم لتطوير إعلام الحزب؟ خاصة وأن أحزاباً أخرى تمتلك أكثر من وسيلة إعلامية بما فيها قنوات فضائية.. هل هذا بسبب نقص في الإمكانيات؟

– لا، هناك إمكانيات، وهي متواضعة، لكنها تلبي الغرض. أنا في بداية حديثي ماذا كنت أقول، إن الحزب الاشتراكي اليمني حاجة موضوعية. هؤلاء الشباب الذين تحركوا في كل الساحات متمسكون بالاشتراكي ليس بقيادته ولا برموزه، متمسكون به باعتباره حامل مشروع حداثي. وأتمنى أن هذا التمسك يقترن بالعمل من أجل تغيير القيادات في كل المستويات، لكن في كل الأحوال كنت أتكلم مع الرفيقة الممتازة، حتى الآن لم أرها، بشرى المقطري، آخر مقال لها عندكم في صحيفة "الأولى" المقال الثاني. قرأت المقال وأنا قلق، قلت هل هو بداية انكسار عند بشرى. الفقرة الأخيرة في المقال هي التي أراحتني، في هذه الفقرة هناك إصرار على المواصلة. اتصلت بها وقلت لها يا بشرى قرأت باهتمام شديد المقال، وأنا قلق، أخشى أنك وصلت للانكسار، لكن الفقرة الأخيرة بينت أنه ليس انكسار. قالت هذا مستحيل. وأنا أقول لكم منى صفوان التي كتبت قبل سنتين عن أزمة اليسار في اليمن، هي تقدم قراءة موضوعية لحاجة موضوعية لليسار بشكل عام، والاشتراكي بشكل خاص. الكوارث التي مر بها الاشتراكي لو كانت هي الأساس في الحكم عليه، لتخلى كل الاشتراكيين عن هذا الحزب، وربما أسسوا حزباً آخر يسارياً. وأهم من هذا كله أن نزوحهم نحو الحداثة ما زال قوياً، وأن هذه حاجة موضوعية. وأنا فقط كل ما أتمناه أن هذا النشاط الواعي من قبل الاشتراكيين الشباب يقترن بتوجه نحو تغيير القيادة، وأنيس حسن يحيى ممكن يعمل جندياً مع هذه القيادة الشابة، وباعتزاز.

*نقلاً عن صحيفة "الشارع"

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى