حوارات

المناضل السامعي اسماعيل:الاصلاح رفض المشاركة في مسيرة الحياة..وفي صنعاء استقبلونا بالضرب

 

الثائر المناضل/ إسماعيل مكرد السامعي – 55 عاماً- من أبناء قرية (حُضِّرات) سامع- تعز- رغم أنه متزوج إلا أنه لم يرزق بأي طفل.. إسماعيل ليس موظفاً حكومياً ذلك ما دفعه للهجرة إلى السعودية في السبعينات ليعمل هناك إلا أن نخوته العربية دفعته للهجرة أبعد من ذلك والمغامرة بالسفر إلى بلاد الشام وبالتحديد (فلسطين)، ولكن ليس للعمل وإنما ليكون أحد جنود المقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل..

 

سافر إسماعيل إلى فلسطين أكثر من مرة تهريباً.. وخاطر بحياته، وبعد مقتل الرئيس الحمدي عاد إلى الوطن وما هي إلا سنوات حتى عادت النخوة العربية إلى عروقه من جديد فقرر عام 1980م وللمرة الرابعة- العودة إلى فلسطين- ولكن بطريقة رسمية- ليكون أحد الجنود المرابطين في وجه الجيش الاسرائيلي في منطقة البقاع..

 

إسماعيل شارك بتنفيذ العديد من العمليات الهجومية على المواقع الإسرائيلية كان أكبرها عملية في البقاع الشرقي أسفرت عن أسر ثمانية جنود إسرائيليين قتل أحدهم، بعد أن حاول أن يغدر به ورفقاءه.

 

وبعد تسع سنوات – أي في عام 1989م- عاد إسماعيل إلى البلد ليستقر في قريته سامع.

 

إسماعيل كغيره من أبناء الوطن عانى الكثير من الظلم والفساد، وما إن انفجرت ثورة 11 فبراير  في تعز حتى بدأ الأمل يتجدد في قلبه بضرورة التغيير، فتابع الثورة من بدايتها وعاشها بكل جوارحه ووجدانه وهو في القرية ولكن وبعد محرقة ساحة الحرية لم يحتمل إسماعيل الموقف.. ترك أسرته وأرضه لينظم للساحة وليواصل مشواره الثوري الذي بدأه منذ عشرات السنين ومن يومها لم يعد إلى القرية..

 

في كل مسيرة كنت أوثقها مهما كانت صغيرة أو كبيرة ومهما كان خطرها كنت أراه في مقدمتها بلحيته البيضاء مميزاً عن غيره برفع عصاه بيده اليسرى والمصحف بيده اليمنى.. هكذا كان دوماً ولا يزال.. لقد كان متحمساً أكثر من غيره وذلك ما دفعه للمشاركة في مسيرة الحياة إلى صنعاء بالإضافة إلى مسيرة الكرامة.. لا أطيل مع هذا الثائر العربي لنسلط الضوء على بعض الجوانب من تاريخ حياته الثوري..

 

حاوره:  أمين عبد الله راجح

 

 بداية هذا اللقاء ممكن أن نعرف متى كان التحاقكم بثورة الشباب السلمية بتعز؟

 

أنا لي فترة أمضيتها في القرية (سامع)، ولما قامت الثورة الشبابية كنت أتابع كل شيء بالتلفزيون عن الثورة والشباب وكنت أتمنى أن أكون معهم، ولكن بسبب المعيشة الصعبة لم أستطع أن أشارك في الثورة، وعندما حدثت محرقة ساحة تعز لم أحتمل ذلك فتركت الأسرة والأهل والأرض والقرية وذهبت مباشرة إلى الساحة ومن يومها لم أفارق الساحة وسوف أستمر في الساحة إلى أن تنجح الثورة وتحقق الدولة المدنية المنشودة.

 

 هل شاركت في مسيرة الحياة الراجلة إلى صنعاء؟

نعم.. أنا كنت أقول لهم من البداية بدلاً من تصعيد الثورة في تعز نصعدها في صنعاء كونها عاصمة وسيلقى هذا التصعيد هناك اهتماماً أكثر من وسائل الإعلام المختلفة ولفت نظر العالم.. قال لي محمد الصبري إنشاء الله سيتحقق هدفك، وما هي إلا أيام حتى زاد العدد حق مسيرة الحياة.. أنا سميتها مسيرة العرب.. انطلقت معهم من هنا.. من الساحة بعد صلاة الفجر سيراً على الأقدام وكان الإصلاح رافضاً للمسيرة ولم يصدقوا أننا سنخرج إلى الحوبان ولما وصلنا صنعاء، استقبلونا بالضرب.

 

 كونك مسناً. ألم تركب أي سيارة في الطريق؟

 

عندما أغمي عليّ بسمارة أصعدوني إجبارياً في (بيجوت).. قطعنا تقريباً عشر دقائق بعدها رفضت ونزلت.. المشي عندي أفضل لأنني عندما أركب في سيارة أشعر بالتعب.

 

كيف كان شعورك وأنت في المسيرة؟

كنت سعيداً وزادت سعادتي أكثر عندما كنت أرى الناس ينضمون للمسيرة وكانت المسيرة تكبر أمامي ويُخْيل لي أن الشعب كله خرج وشارك في هذه المسيرة العارمة مسيرة الحياة.

 

 موقف أثر فيك أثناء المسيرة

 

عندما وصلنا (يريم) اُستقبلنا أعظم استقبال.. حقاً كان أعظم استقبال شعرت به في حياتي.. شعرت به أنه من القلب إلى القلب.. استقبلونا بالألعاب النارية وبكل أنواع الأكل عندما وصلنا.. أمسينا تلك الليلة في المسجد والمدرسة بعدما أطعمونا العشاء.. نمنا للصباح وما قمنا إلا والصباح قد أشرق بجميع أنواع الأطعمة التي تسابقت من كل بيت من بيوت يريم.. يريم الرجولة والشهامة والكرم العربي الأصيل لدرجة أن الأكل والفواكه رجع من عندنا..

 

 أهم المشاكل التي واجهتموها في الطريق؟

مشينا مسيرة حياة الثورة إلى ذمار وكل شيء على ما يرام ولم نتعب أو نعاني إلا عندما وصلنا منطقة (خدار).. أنا لم أستطع النوم كان البرد شديد ولم أستطع أن أنام.. الشباب من شدة البرد جمعوا القراطيس وأشعلوا الحطب من أجل أن (يدفوا بالنار)، لأنه حتى البطانيات التي في السيارة ما حصلنا عليها. جلسنا بين البرد للصباح ثم وصلنا (دار سلم) وهناك حدث الموقف الكبير.. كان الموقف رهيب.. سيل من الجماهير خرجوا لاستقبالنا.. من صنعاء ومن أبناء المنطقة.. كانت حينها فرحتنا كبيرة..

 

 هل أصبت أثناء إطلاق النار في دار سلم؟

أصيب أمامي ثلاثة من الشباب، وبنت من اللاتي خرجن من تعز (نسيت اسمها) كان الدم يسفح أمامي والرصاص تنطلق بكثافة وكنت أتمنى أن أتصوب واستشهد محبة في الوطن وهذه الثورة ولكن ما أرادت مشيئة الله، رفضت الهروب لأنني أقسمت بدم كل شهيد أننا لا نخونهم وأقسمنا أن تكون مسيرة الحياة نصرة للحق جلست وسط الشارع وكان العساكر يطلقون الرصاص علينا من جهة والبلاطجة من الجهة الأخرى..

 

 إلى من كان ينتمي هؤلاء العساكر الذين أطلقوا الرصاص عليكم؟

 

من الأمن المركزي ونصهم من حق الفرقة، عرفناهم بالساحة قدهم لابسين من الفرقة.. ضربوا علينا حتى لا نمر بالسبعين وكانوا مصممين أننا نمر بشارع خولان وهو ملغم ببلاطجة مختبئين جوار المنازل وزاد الحماس حتى وصلنا باب اليمن رغم ذلك اعتقلوا كثيراً من الشباب اختطفهم البلاطجة بعد ما مرت الدفعة الثانية من بعدنا..

 

 كيف كان شعورك أو موقفك والعسكر يرمونكم بالرصاص بدار سلم؟

 

كانوا يطلقون علينا.. والله أن الرصاص كانت تمر بين رجلي وتصيب ناساً آخرين منهم من جرحوا ومنهم من قتلوا وأنا لم يحدث في شيء.. أذكر مرت رصاصة هنا (يشير إلى مرفق يده اليمنى) – بالكوم حق الكوت- حسيت الحرارة.. لم أخف على نفسي وخفت على الكوت، فخلعته والمشدة وأخذت الحذاء من رجلي ورفعته وقلت للضابط بصوت مرتفع: "هذا الحذاء أشرف منك ومن  البلطجي حقك" ثم أقتربت وقلت له: "أنا في سبيل الله، وأنت في سبيل الشيطان، أنا أحب أكون أحد شهداء الثورة وأتمنى الشهادة الآن، لكن أنت سوف تموت موتة كلب لأنك تعبد شخصاً وتدافع عنه، أما نحن فخرجنا بسلميتنا نرفع راية السلام والثورة لإنهاء الظلم والفساد".. فلما سمع كلامي هذا الضابط بكى ورفع السلاح من يده وخطى نحوي يقبلني بعد أن منعهم من إطلاق الرصاص فقلت له: "لا تقبلني لأنك تعبد أشخاصاً وتقتل من أجلهم" قبلني على رأسي بالقوة هو وخمسة عساكر من بعده هرولوا لوسط الشارع (الرصيف).. يقبلونني في دار سلم، وبعدها سمحوا لنا بالمشي وقد كان الوقت آخر العصر..

 

 ماذا تعلمت من مسيرة الحياة؟

تعلمت الكثير من المسيرة علمتنا الصمود والتحدي والشجاعة.. علمتنا حب الثورة والوطن وحب الآخرين..  أحسسنا كأننا أخوة وكل واحد يخاف على الثاني، كنا نقسم اللقمة بيننا بالتساوي فالمسيرة علمتنا الوفاء للشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الثورة..

 

 هل شاركت في فعاليات الساحة والمسيرة في صنعاء؟

 

شاركت بالمسيرة في الفترة التي أقمت فيها، واحتجينا بسبب ما تعرضنا له من اضطهاد في المنصة.. لأنهم كسروا المنصة الجديدة والسيارات حقنا.. سيارة الشيخ/ محمد صبر  وسيارة أخرى، وبعدها ضايقونا  فقررنا العودة.. في ناس لم يتحملوا ورجعوا اليوم الثاني.. كانت الضغوطات علينا قوية من قبل اللقاء المشترك..

 

هل قدمت الساحة لكم الأكل أثناء إقامتكم؟

خلال الخمس الأيام التي أقمت فيها أنا لم أحصل على أي أكل.. رفضت الأكل من أول يوم.. كنت آكل على حسابي.. كان معي قليل من الفلوس أخذتها معي أثناء المسيرة وفي صنعاء تعرف عليَّ شخص وأعطاني (ثلاثة ألف) ساعدتني على البقاء إلى يوم الخميس..

 

 هل تعرضت لإصابة ما بسبب خروجك المستمر في مسيرة محافظة تعر؟

لم أصب رغم وجودي مع الشباب يوم مجزرة حوض الأشراف التي قتل فيها قدامي أحد الشباب وكنت بالرصيف.. كان الشباب خائفين عليّ لما رأوا الرصاص، تقدم نحوي واحد من الشباب من أجل أن يسحبني حتى لا أصاب.. كان يقول لي: "ما بكش سخا" نحن بحاجتك.. نحن نريد أن نستشهد ونموت بدلاً عنك".. هو قال يريد أن يستشهد وتقدم لينقذني والله تعالى قد استجاب دعوته وأنا لم أصب.. كان العساكر يطلقون حولي الرصاص وذاك الشاب تقدم قليلاً مقابل مبنى "اليمنية" فاصابته خمس رصاص في أنحاء متفرقة في جسمه فاستشهد هو وصرت أبكي لماذا لم أستشهد أنا..

 

سمعت بأنك شاركت الثوار الفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل متى كان ذلك وكيف كانت البداية؟

 

نهاية السبعينات قبل اغتيال الحمدي.. عشت بالسعودية أربع سنين وكنت أشتغل (بفرم) بالبطحاء فسمعت مجموعة من الفلسطينيين واللبنانيين يوشوشوا أحسست أنهم يريدون جنوداً إلى فلسطين فانضممت إليهم سراً ومن هناك سافرت إلى فلسطين ثلاث مرات .

 

 هل كنتم تسافرون إلى فلسطين بطريقة رسمية؟

 لا.. تهريب.. الذهاب والإياب.. كنا نركب داخل ثلاجات وقبل أن نصل النقاط حق التفتيش ننزل ونمشي على الأقدام بعيداً عن الأنظار والمركبة تنتظرنا إلى أن نلحق بها ونركب من جديد وهكذا إلى أن نصل فلسطين.. كانت الفترة كلها تدريباً على الكلاشنكوف والأر بي جي (R P G) و (14.5، 23) كان إخواننا الفلسطينيون يدربوننا وأذكر منهم القائد (وليد) وواحداً اسمه (الحاج إسماعيل) وبعد مقتل الحمدي رجعت إلى السعودية ثم عدت إلى اليمن..

 

 هل عدت مرة أخرى من اليمن إلى فلسطين للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل؟؟

رجعت في بداية الثمانينات في (1980م) من هنا بطريقة رسمية.. ركبت الطائرة من صنعاء إلى مطار دمشق والباصات أخذونا من المطار مباشرة إلى (البقاع) في لبنان ثم رحلوا بنا إلى المعركة في الجنوب مناطق (صيدة).. حاربنا مع الفلسطينيين هناك وبعد دخول القوات الإسرائيلية انسحبنا إلى البقاع الشرقي ومن البقاع الشرقي إلى الغربي منطقة (الحمارة).. دخلنا إلى (الجبل الأعلى) وجلسنا هناك أكثر من تسع سنين..

 

 هل جرحت أثناء مشاركتك بالحرب ضد إسرائيل خلال هذه الفترة؟

 أصبت في (البقاع) في إحدى الغارات الإسرائيلية بالطيران.. كانت الإصابة باليد – يفتح يده اليمنى ويرينا آثار الخياط- وفي قصف آخر أصبت في بطني ومرة في ركبتي.. الحمد لله.. في ناس استشهدوا قدامي، كنا غالباً ما ننفذ عمليات ضد الاسرائيليين في البقاع الشرقي أحياناً نقتل ونأسر من جنودهم..

 

 هل حدث أن شاركت في أسر اسرائيليين أثناء تنفيذ تلك العمليات؟

 أذكر في إحدى العمليات نهاية عام 1982م تمكنا من أسر ثمانية من الإسرائيليين مع قائدهم.. خرجنا إلى الموقع بعد تخطيط طويل وبعد أن قمنا بعملية استطلاع أربع مرات في الخامسة نفذنا العملية.. كان عددهم (خمسة عشر جندياً)- 10 في المؤخرة، و5 هجوم وباغتناهم من فوق وهم سكارى والحارس دائخ ولا هو داري.. صحنا بصوت واحد (أثبت- أثبت) ونحن ملثمون بعدما توزعنا وطلع كل واحد من جهة.. كان أصحابنا خلفنا خائفين علينا كيف سنفعل؟! وخائفين من إطلاق الرصاص علينا من قبل اليهود ومقاومتنا، وما عرفوا إلا ونحن نؤشر لهم بالصعود ليلحقوا بنا بعد أن تأكدنا من نجاح العملية..

 

هل قاوم اليهود بعد أن دخلتم الموقع؟

بعدما رأونا محاصرين عليهم بالسلاح ونردد (أثبت- أثبت) حاولوا التحرك فقال لهم ضابطهم: (أنا مُسَلِّم) -بلغته اليهودية وقليل عربي- كان يقول: "أنا ما في موت.. أنتم في موت".. ثم قال لي: "أنت صوت حق.. أنا أقتل على باطل.. أنا في دولة في ضغط، ممكن أموت في بيت إذا ما خرجت.. أنت خرجت تشتي تموت.. أنا ما حب موت".. فسَلم وسلم البقية.. أخذنا السلاح وأخذناهم إلى البقاع ثم إلى السجن..

 

 هل حدث أن قتلت اسرائيلياً خلال التسع السنوات التي قضيتها في المواجهات مع الإسرائيلين؟

في تلك العملية نفسها بعدما أخذنا الأسرى قام واحد في الطريق بمحاولة خطف السلاح من أحد أصحابنا.. سحب السلاح ونحن آمنون فقمت أنا بإخراج المسدس (كاتم الصوت) وأطلقت عليه طلقتين فمات، والفلسطينيون غضبوا، قلت لهم لو كنت ما قتلته لكان قتلنا هو.

 

 في نهاية هذا اللقاء وبعد تسلم (عبد ربه) رئاسة البلاد هل نعتبر أن الثورة نجحت وحققت أهدافها المرسومة؟!

الثورة لم تحقق أهدافها بعد.. ما هي الأهداف التي حُققتها؟! لم يتحقق أي هدف، بل زادوا أنهم أدخلوا لنا طائرات وسط العند وأدخلتهم حكومة الوفاق وبعض الجزر سلمهم (عفاش) لفرنسا , لذلك أنا أنصح الشباب بالصمود وأن يستمروا بثورتهم حتى تتحقق كل أهدافها لإنهاء الظلم والظالمين والفساد والمفسدين..

 

يمنات – المستقلة خاص

زر الذهاب إلى الأعلى