حوارات

الشيخ الثائر محمد صبر.. سنشكل محكمة من قضاة نزيهين وننـصـب لها منصة في شارع جمال بتعز لمحاكمة المجرمين والقتلة

 

أرتبط أسم الثائر محمد صبر بمسيرة الحياة التي خرجت أواخر العام الماضي  راجلة من مدينة تعز جنوبي اليمن، وقطعت حوالي "300"كم نحو العاصمة صنعاء.. لتنقل الفعل الثوري من الساحات الضيقة إلى القرى والأرياف والمدن عبر محافظات عدة.. مسيرة الحياة التي جعلت طرفي التسوية السياسية في اليمن يتوجسا قلقا وخوفا من وصولها صنعاء.. لا شيء سوى الخوف من سقوط كراسي تربعت على أشلاء الجرحى ودماء الشهداء..  محمد أحمد عبد الرحمن صبر ذلك الشاب الثلاثيني الذي طاف مع شباب التصعيد والحسم الثوري كل الحواري والأزقة في مدينة تعز، مبشرين بثورة سلمية عنوانها الأوحد "دولة مدنية حديثة"، ثورة خلقت من رحم معاناة تعز الحالمة المسالمة المدنية من آلة القصف والدمار، والتي كادت أن تحول الوجه المدني لتعز إلى فوهة مدفع وقذيفة دبابة.. محمد صبر والذي كان يشغل نائبا لرئيس اللجنة الإشرافية للمسيرة يتحدث للمستقلة في حوار صريح عن خفايا المسيرة والمعوقات التي كادت أن تعصف بها منذ ظهرت كفكرة وحتى عودتها إلى تعز.. كما يكشف عن مشروع تصعيدي ثوري جديد.

 

حاوره: أنس القباطي [email protected]

 

التاجر الحمادي أبكى الثوار بكرمه وفي خدار  شعرنا أن بقائنا على قيد الحياة غير مؤكد

 

المسيرة نتاج تراكمي تصعيدي

 

 كيف بدأت فكرة مسيرة الحياة..؟

 

مسيرة الحياة هي نتاج تراكمي لأعمال تصعيدية قام بها معظم شباب الثورة اليمنية منذ بداية التصعيد الثوري في 03 إبريل 2011م، بعد أن بدأت المسيرات اليومية بشكل مستمر، فأصبح العمل التصعيدي مألوف عند الجميع، وبدأ شباب الحسم والتصعيد الثوري بالخروج عن النسق المتعارف عليه، بابتداع أعمال تصعيدية ثورية، مقدمين عدد من الشهداء والجرحى، وهو ما شحذ همم الشباب وجعلهم يشعرون بالمسئولية تجاه ثورتهم، نظرا لما شاهدوا من مجازر استباحت دماء إخوانهم، فكبر شباب تعز وأصبحوا يفكرون بحجم الوطن، وشاركهم في ذلك شباب المحافظات الأخرى، فكانت مسيرة الحياة هي النموذج الذي كشف عنه الغطاء لجمهور الثوار في عموم الوطن، وهناك العديد من الأعمال الأخرى التي لم يستطع الشباب إيصالها بسبب الحجب أو التغييب من قبل وسائل الإعلام.

 

 كيف جاء أسم مسيرة الحياة..؟

عقد أكثر من لقاء من قبل المجموعة النشطة من الشباب "شباب التصعيد والحسم الثوري وأسود الحالمة" لتدارس المشروع وطرح مسمى معين، وقد طرح أكثر من اسم ومن الأسماء التي طرحت "ثورة من تحت الأنقاض" و"مواجهة الموت" و "القدر" وغيرها من المسميات.

 

وفي أحد الاجتماعات حضر معنا الناشط السياسي والإعلامي "هاني الجنيد" والذي قدم من ساحة التغيير بصنعاء، والذي طرح علينا فكرة تسمية المسيرة بمسيرة "الحياة"، بمبرر أن من سيقوم بالمسيرة هم صناع الحياة، والمسيرة لابد أن تعكس المطلب الحقيقي لتعز التي تبعث الحياة في كل أرجاء الوطن، فقوبل مقترح هاني بالموافقة وأقر اسم "الحياة" كمسمى للمسيرة.

 

وصفوها بالفكرة الجنونية

 

ما هي الخطوة التي تلت التسمية..؟

بدأنا بخطوات تدشين المسيرة ببيان للجنة التحضيرية للمسيرة تم قراءته في المنصة، وطرحت الفكرة على أكثر من جهة ثورية وسياسية للإعداد والتجهيز للمسيرة، لكن للأسف معظمهم قابلوا الفكرة بنوع من السخرية، واعتبروها فكرة جنونية، على اعتبار أن المخاطر المحدقة بها جمة، وبالتالي لم يرحبوا بها.

 

ماهي المعوقات التي واجهتكم بعد أن رفضت جهات ثورية المشاركة في الإعداد والتجهيز للمسيرة..؟

 

لقد حاول الكثيرون وممن كنا نعول عليهم المبادرة في دعم المسيرة ماديا ومعنويا إعاقتها، على الرغم من أنها تحمل قضية الثورة ومصير الوطن، 

لقد منعنا من طرح مشروع المسيرة عبر منصة الساحة لباقي المكونات الثورية لتتاح الفكرة للجميع في المشاركة، كما منعنا من طرح المشروع كندوة أو ما شابه ذلك عبر منصة الساحة، ونحن نلتمس العذر لهم لأنها كانت ناتجة تحت تأثير ما تعرضت له الثورة في تعز.

 

منصة الساحة رفضت وقناة فضائية أعتذرت

 

كيف تجاوزتم معوقات المنع..؟

حاولنا بعد ذلك البحث عن مكان له صبغة عامة في الساحة، حتى لا تنسب الفكرة لفلان أو علان من الناس، فعقدنا اجتماع في وسط الساحة أمام مرأى الجميع، وحاولنا إدراج الإعلان عن الاجتماع عبر  المنصة، ومع الرفض تمكن أحد الإخوة الإعلاميين من الإشارة لوجود الاجتماع بصفة شخصية، ودعونا المتواجدين في الخيام لحضور الاجتماع، وحضر من أرد أن يشارك ، وكان هذا قبل  انطلاق المسيرة بحوالي شهر ونصف.

 

في تلك الفترة كنا بحاجة لوسيلة إعلامية توصل صوتنا، ومن باب الصدفة كان يتواجد في الساحة مراسل أحدى القنوات الفضائية ومر بجوارنا ونحن نناقش الموضوع ، فاعتبرناها فرصة لنوصل صوتنا كون المراسل يقوم بعمل مقابلات مع بعض الحاضرين في الساحة، توجهت إليه ليقوم بنقل الحدث كجانب مهني، لكنه تحجج بأن منظرنا غير لائق "مخزنين قات"، وفورا بادرت بإزالة القات، لكن أتضح أنه كان مجرد عذر.

 

كيف كان موقفكم بعد رفض هذه القناة التعاون معكم..؟

مع أننا أحبطنا.. لكن إرادة الشباب كانت أقوى.. واستمرينا في الاجتماع وشكلنا لجنة تحضيرية لتحمل مسئولية العمل، ثم عقد أكثر من اجتماع في الساحة بعد ذلك، أسفرت عن تشكيل لجنة إشرافية للمسيرة، وتم الإعلان عنها بطريقة غير مباشرة من منصة الساحة بجهود شخصية من أحد الإعلاميين.

 

ما هي الخطوات الأولى  التي بدأت بها اللجنة الإشرافية للمسيرة..؟

بدأنا بتسجيل الذين يرغبون بالمشاركة في المسيرة ووصل العدد إلى "470" مشارك، سجلت بياناتهم الشخصية وأرقام تلفوناتهم حتى يتم التواصل معهم.

ثم بدأنا نفكر كيف نوفر متطلبات السفر عن طريق البحث خارج الساحة، لكن علاقاتنا في هذا الجانب كانت شبه معدومة، فقررنا الخروج بمسيرة لنلفت انتباه التجار أن التبرع للمسيرة لا يكون لحساب شخص وإنما لتجهيز المسيرة، وحتى يكون التبرع في العلن وأمام الحشد.

 

دخلت المسيرة من شارع العواضي باتجاه تجار الجملة في المدينة، وقرأنا بيان وطلبنا المشاركة في المسيرة، ودعونا التجار لدعم المسيرة بالمواد العينية، خرجت معنا اللجنة المالية والعينية، وكان معنا كشف بالمواد التي نحتاجها وتحركنا على التجار، رحب التجار بالفكرة وسجلوا أسماؤهم والمواد المتبرع بها، واتفقنا العودة بعد المسيرة وإحضار سيارة لاستلام تلك المواد، وفي العصر عدنا لاستلام تلك المواد، وتفاجئنا برفض التجار التبرع مع أنهم أبدوا رغبتهم بالتبرع سابقا.

 

تبرعوا ثم رفضوا والحمادي جذور تعز الحقيقية

 

لماذا رفض التجار التبرع..؟

 

اكتشفنا بعد ذلك أن السبب قيام أحد القياديين في الساحة بتحريض التجار، وقال لهم أن الأشخاص الذين حضروا إليكم، يتبعون الأمن القومي، وليس لهم علاقة بالثورة وأنهم ينفذون أجندة ضد المشترك.

 

لم نحصل على شيء من التجار غير قطمة أرز، قررنا الخروج من السوق ونحن مصدومين من الموقف، وبينما نحن عائدين باتجاه شارع العواضي وبالصدفة، قابلنا صاحب البهارات المشهور "الحمادي" سألنا لماذا لم نمر لاستلام المواد التي طلبناها، فطرحنا له ما دار ، فتفاجأ الرجل مما حصل، وقال: كونوا من تكونوا أنا مستعد أتحمل العبء الأكبر، وطلب منا تسجيل المواد التي نحتاجها، وأخذنا إلى أحد المحلات المجاورة، وحملنا السيارة بالمواد التي نحتاجها على حسابه.

 

كيف كان موقفكم بعد رفض التجار التبرع وموقف التاجر الحمادي..؟

 

شعرنا أن تجار تعز خيبوا أملنا وعشنا حالة من اليأس.

وعندما قابلنا الحمادي وجدنا فيه جذور تعز الحقيقية، تفاجئنا بتصرفه لدرجة أن أحد أعضاء اللجنة الإشرافية للمسيرة بكى من تأثير الموقف، بعد أن كان قد وصل لحالة يأس قبل ذلك، وقال للحمادي: والله لو تخلى الجميع عن المسيرة بعد الآن سأزحف بمفردي إلى صنعاء وفاء لموقفك هذا، فقد كبر هذا الرجل في أعيننا بحجم الثورة التي ننشدها، شعرنا أن بداخل هذا الرجل أحاسيس ومشاعر ثورية تتجاوز ما بداخل بعض القيادات الثورية.

 

عدنا إلى الساحة وقام الحمادي بالتواصل مع التجار ووضح لهم الفكرة، وكذلك قام شخص أخر اسمه "الحداد" بالتواصل مع التجار، وقاموا بجمع مبالغ عينية وأوصلوها إلى الساحة، كما ساهموا بمبالغ نقدية، نشكرهم على تعاونهم، وعذرناهم على التصرف السابق الذي كان بسبب التعبئة الخاطئة.

 

طلبوا المشاركة في التصعيد لإعاقة المسيرة

 

ماذا عن المعوقات التي صاحبت البحث عن تمويل للمسيرة..؟

 

هناك من حاول تغييب صوتنا أثناء دعوة الناس للمشاركة في المسيرة أثناء خروجنا بالمسيرات، وهناك من قال أن مبالغ خيالية دفعت للقائمين على المسيرة، وأن مصادر تمويل المسيرة مجهولة وغير معروفة، فيما تعمدت بعض القوى الثورية على تغييب أصواتنا في المسيرات اليومية التي نخرج فيها، ونشرت عدد من الشائعات والأكاذيب عن المسيرة لعرقلة خروج المسيرة، لكن عزيمة الشباب كانت هي الأقوى أمام المعوقات، وأوضحنا للجميع أن ما أستلم مدون بسندات قبض ومن مصدرها، ووصلت المبالغ المستلمة نقدا إلى مائتين وستة وسبعين ألف ريال، وتحركنا من تعز وفي الصندوق حوالي مائتين وخمسين ألف ريال، بعد أن صرف مبلغ على المطبوعات ومستلزمات المسيرة.

 

هل واجهتم مشاكل في الأيام الأخيرة قبل انطلاق المسيرة..؟

 

قبل انطلاق المسيرة بأيام عملت بعض الجهات على احتواء المسيرة، وتبديد فكرة نقل الزخم الثوري عبر المحافظات باتجاه العاصمة صنعاء، حيث دعت لاجتماع لمناقشة برنامج تصعيدي، مع أننا كنا قبل ذلك ندعو لمناقشة برنامج تصعيدي موحد، لكنهم لم يستجيبوا لنا بحكم ارتباطهم ببرامج يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من الطابع الثوري، لا تتوأم مع طاقات الشباب وقدراتهم.

 

تسلمت قيادة المسيرة دعوة بهذا الخصوص، ولم نستجب لتلك الدعوة، لأن عملنا التصعيدي كان أكبر، وقد جاب شباب التصعيد كل شوارع المحافظة وحواريها، وفي الأيام الأخيرة وصلوا إلى جوار القصر الجمهوري، وعندما يئسوا من استجابتنا، تفاجئنا ببيان من المنصة يدعون فيه لمسيرة إلى عدن "مسيرة الوحدة"، وقاموا بفتح التسجيل للراغبين بالمشاركة، وشكلوا فريق عمل، وكانوا يهدفون من ذلك إعاقة تحرك مسيرة الحياة، ولفت نظر المشاركين في مسيرة الحياة بأن وجهة المسيرة ستكون عدن، وهو ما خلق نوعا من التضارب لدى المشاركين، لكن إرادة وعزيمة شباب التصعيد والحسم الثوري وأسود الحالمة، تمكنوا من التغلب على ما يحاك حولهم من مؤامرة.

 

الهلال الأحمر يرفض والحاج العريفي يلبي

 

ما هي أهم الأشياء التي خرجتم من تعز وأنتم تعانون من غيابها..؟

 

أهم شيء في هذا الجانب عدم وجود سيارة إسعاف، بعد أن رفض الهلال الأحمر تزويدنا بسيارة إسعاف، فتبرع الحاج العريفي بسيارته المرسيدس لنقل اللجنة الطبية للمسيرة والتي كانت لديها بعض المواد البسيطة جدا، وقد حصلنا على سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر في ذمار، لكنها عادت من نقيل يسلح، وكذلك نقل مستلزمات المسيرة، تبرع لنقلها الأخ "سلطان الشعبي" بواسطة دينا تابعة له، كما نقل بقية الأشياء بسيارة الهيلوكس التابعة للأخ "جمال العريقي" والذين نشكرهم على جهودهم وتعاونهم، وكانت نقاط التفتيش تتعمد في النقاط خلط أمتعة المشاركين في المسيرة، مما يخلق عدد من المشاكل، حتى يصطدم الشباب مع صاحب الدينا، لكن وعي الشباب كانوا بقدر الحدث.

 

منعوا الطبخ وتذرعوا بإصابات المشاركين

 

ما هي أول المعوقات التي واجهة المسيرة في الطريق..؟

 

أول مشكلة ظهرت في مدينة القاعدة، عندما وجهت اللجنة الإشرافية لجنة الخدمات التوجه إلى القاعدة لتجهيز وجبة الغداء، وعندما وصلت المسيرة إلى القاعدة لم نجد وجبة غداء، بسبب أن أشخاص لحقوا بالطباخين إلى هناك، وأقنعوهم أن وجبة الغداء أعدت من قبل أشخاص في القاعدة، وأنه من باب العيب أن لا نقبل منهم، ونرفض الضيافة، ونتيجة ثقة الطباخين بهؤلاء الأشخاص لم يقوموا بتجهيز الغداء، فضلا عن عدم إدراكهم للجمع الهائل الذي سيصل القاعدة، لأننا خرجنا من تعز حوالي خمسمائة شخص والبقية مرافقين سيعودون من الحوبان و سوفتيل و زيد الموشكي، لأنهم يجهزوا أنفسهم للسفر، لكننا وصلنا القاعدة بسيل جارف من البشر، واعتبرنا أن سبب ما حدث في القاعدة ازدحام الناس.

 

وفي إب واجهنا مشكلة أخرى عندما أتصل بنا شخص قال إنه تابع لمنظمة طبية دولية، وأنهم أجروا فحوصات مع أطباء متواجدين في الساحة لبعض الشباب المشاركين في المسيرة، وقد وجدوا قرابة ثلاثمائة حالة لديها إصابات مختلفة بين الشد العضلي والتورمات والطفح بسبب السير على الأقدام لمسافة طويلة، وأنهم رفعوا تقريرا بذلك، ويحملونا مسئولية ما يحصل، وأننا سنحال للتحقيق والمحاسبة، وكأن من شاركوا في المسيرة مستأجرين لفلان من الناس، فقلنا له تحاوروا مع الناس.. من لا يستطيع أن يواصل فليرجع، فطلبوا أن تبقى المسيرة في إب من يومين إلى ثلاث أيام، وقلنا له نحن لا نستطيع إجبار أحد على العودة أو الذهاب أو البقاء، ومن خرج خرج بدافع ثوري، واتفقنا مسبقا أن كل شخص يتحمل مسئولية نفسه، وأشيع خبر الإصابات بين المشاركين.

 

كيف كانت ردة فعل المشاركين بعد سماع هذا الخبر..؟

 

تفاجئنا في الصباح الباكر أن مجاميع شبابية كبيرة خرجت من الساحة عند السادسة صباحا دون أن يتناولوا طعام الإفطار، حتى لا يتم منعهم من الخروج وكان معظمهم من الذين يعانون من كدمات وتورمات وطفح جلدي، ولم نلحق بهم إلا في وسط المدينة مع باقي المجاميع، وهؤلاء ظلوا يواصلون السير دون تناول الصبوح حتى وصلنا منطقة السحول، عندما قطعت طريق المسيرة مجاميع من أبناء المنطقة وأصروا على الشباب تناول وجبة الإفطار.

وعندما وصلنا منطقة الدليل قبل سمارة لم نجد وجبة الغداء على الرغم من إرسالنا فريق المطبخ الخاص بالمسيرة إلى هناك لتجهيز الغداء، لأن شخص للأسف الشديد يتبع المجلس الثوري أقنع الطباخين بأن وجبة الغداء قد جهزت في كتاب بعد سمارة وسيتولى هو نقلها إلى الدليل، وعندما حاولنا الاتصال به كان تلفونه مغلق، فأدركنا أن ذلك محاولة لإعاقة المسيرة، فكان الوقت ضيق والجوع شديد، وإمكاناتنا المادية ضعيفة لا تمكنا من شراء وجبات جاهزة من المطاعم، فقمنا بتوزيع بعض المواد العينية كالتمور، وقام البعض بشراء البسكويت والعصائر، وواصلنا السير باتجاه سمارة دون تناول وجبة الغداء.

 

يريم الثورة والثورة يريم

 

وماذا عن يريم..؟

 

توجهنا إلى يريم بعد تناول العشاء في كتاب، وللأمانة لم نكن نتوقع ذلك الاستقبال وتلك الحفاوة التي استقبلنا بها في يريم، حيث لم تشهد المسيرة استقبال كالذي في يريم، فكان موقفا ثوريا غير متوقع، فقد احتشدت يريم برجالها ونسائها على الرغم من حالة الصقيع الشديد، واستقبلونا خارج المدينة بالحشود الجماهيرية وقرع الطبول والزغاريد ومكبرات الصوت والإنارة بمولدات محمولة على السيارات، وبقت المسيرة في يريم حتى الصباح.

 

 ويريم لم تكن محطة للاستراحة فقط وإنما محطة زودت المسيرة بالطاقة التي سنصل بها إلى صنعاء، فشعرنا حينها أن يريم هي الثورة.

 

النيران في مقدمة المسيرة

 

هل فعلا واجهتم مجاميع مسلحة بعد يريم..؟

 

في النقطة الفاصلة بين يريم وذمار ودعنا أبناء يريم الذين خرجوا معنا وألتحق منهم الكثيرين معنا، وقبل أن نصل بيت الكوماني تفاجئنا بمجاميع مسلحة في الطريق مباشرة، وطلبوا منا العودة باتجاه يريم حتى يؤذن لنا بالسير، بسبب اندلاع اشتباكات بين قبيلتين، وأننا قد نتعرض للخطر بسبب تبادل إطلاق النار، لكن الشباب في مقدمة المسيرة شعروا أنهم أمام تحدي، وأجمع الشباب مع اللجنة الإشرافية للمسيرة على مواصلة السير، لأن التراجع يعني أننا سنمنع من الوصول إلى صنعاء بطرق مختلفة وعديدة، وطالما والناس مجمعين على السير، فهم مصرين على مواجهة هذا التحدي كما واجهوا غيره من قبل.

تجمع الشباب في مقدمة المسيرة وخلعوا ثيابهم ووحدوا صفوفهم بصدور عارية، وطلبوا من المسلحين فتح الطريق، لكن المسلحين حاولوا منعنا بداعي الخوف، لكن الشباب قبلوا التحدي وواصلوا السير بخطوات سريعة.

 

هل كانت توجد مشاكل بين قبيلتين أم أن الهدف إعاقة المسيرة..؟

 

ما شاهدناه وجود فريقين مسلحين على جانبي الطريق، عند مرور المسيرة تم إطلاق النار بشكل كثيف إلى الطريق الإسفلتية في مقدمة المسيرة، لكنهم لم يتمكنوا من إيقاف أحد، الشباب مندفعين إلى الأمام بخطوات سريعة، والمسيرة اندفعت أيضا باتجاه الشباب في المقدمة والذين كانوا لا يتجاوزن مائتي شاب بصدور عارية، ومثلوا رأس الحربة التي تخترق العوائق دائما، أستمرينا بالسير ولم نعرف ما يحصل، لأن لنا هدف أخر، ومن حسن حظنا أنه لم يصب أحد، وشاهدت وأنا كنت مع الشباب في مقدمة المسيرة أحد المصابين من الفريق المفاوض لنا بالعودة.

وعندما كنا على مشارف بيت الكوماني تفاجئنا بحشد كبير من النساء والأطفال وهم يستقبلونا بالزغاريد والورود والمياه الباردة، ووجبات الضيافة، عرفنا أن ما كان يدور قبل قليل هو مؤامرة مفتعلة لتوقيف المسيرة، وواصلنا خط سيرنا حتى وصلنا مدينة ذمار عند الخامسة مساء دون أن نتناول وجبة الغداء.

 

في ذمار أزيلت الحواجز

 

وكيف كان استقبال المسيرة في ذمار..؟

 

استقبلنا في ذمار بحفاوة شديدة وترحاب، وشعرنا هناك أن المسيرة بدأت تحقق أهدافها حيث بدأنا نتخلص من العوائق الطبقية والمناطقية  وفي ذمار شعرنا أن الطاقة التي نتزود بها من كل محافظة هي التي ستجعلنا نصل إلى صنعاء، وكانت عزيمة الشباب مرتفعة بشكل غير متوقع، ووجدنا أن من كان الأضعف في المسيرة صارقويا.

 

وماذا عن القبائل التي قامت بحماية المسيرة عند وصولها ذمار..؟

 

كانت هناك حشود قبلية مسلحة أثناء خروجنا من مدينة ذمار، وهؤلاء القبائل نشكرهم على مبادرتهم، لكن وجود السلاح إلى جانب المسيرة منظر مغاير للأهداف التي خرجت من أجلها المسيرة السلمية من شباب خرجوا بصدور عارية، لا يمتلكون شيء غير قلوب بيضاء وعزيمة فولاذية.

 طلبت اللجنة الإشرافية للمسيرة من القبائل الابتعاد عن المسيرة فنحن لا نحتاج لحماية، والمشاركين على أتم الاستعداد للتضحية، فابتعدوا عنا بمسافة.

 

وصلنا معبر ظهرا وكانت الحشود مليونية، والسيولة في الصندوق لا تكفي لإطعام تلك الحشود، فبادر أهل معبر بالوجبات الغذائية الكافية، ويشكروا على ذلك.

وعندما وصلنا نقيل يسلح رجع المسلحون بحكم وجود ثكنة عسكرية هناك، ونظروا إلينا بتعجب.. كيف سنواجه التحدي الصعب، وكان التحدي في نقيل يسلح بين قوتين، قوة السلاح، وقوة المدنية والسلمية، وأثبت شباب المسيرة أن سلاح المدنية هو أبقى وأقوى وأبلغ في قدرته على المواجهة والمقاومة، انطلقت المسيرة نحو نقيل يسلح على الرغم من الشائعات بأن المنطقة ثكنة عسكرية، وقد تتعرض المسيرة لإبادة جماعية.

 

وتعرضت المسيرة لتفتيش ومحاولة إعاقة وبشكل كبير من خلال النقاط العسكرية من الحرس الجمهوري، واستمر التفتيش حتى الساعة التاسعة ليلا.. وكانت المسافة بين صنعاء ويسلح لا تزال بعيدة والوقت متأخر، وأن ابتعاد المسيرة عن يسلح فيه من الخطورة الكثير.

 

خدار .. صمود اسطوري للشباب وتقاعس المجلس الثوري

 

وكيف كانت ليلة خدار..؟

 

كانت خدار هي أقرب نقطة آمنة لنا بعد الإعاقة التي تعرضت لها المسيرة في نقطة يسلح، وكنا قد اتفقنا مع أعضاء في  المجلس الثوري على أن يؤمنوا لنا المبيت في خدار، لكنهم لم يعملوا شيء، وكان بعض الشباب قد تجاوزوا خدار، فاضطرينا لإرجاعهم، وزادت الصعوبات لدينا عندما منع الحرس الجمهوري السيارة المحملة بالبطانيات وجاكيتات ومستلزمات المشاركين من المرور من نقيل يسلح، لم ننام في خدار لأن الوقت المتبقي للصباح لم يكن سوى ست ساعات، فضلا عن عدم المبيت الآمن، وكان أحد المتبرعين قد أرسل لنا ببطانيات من صنعاء لكن نقطة قحازة منعت من وصولها، بعض الشباب فتحوا أبواب المدرسة التي كانت مغلقة للحصول على مكان أدفا، وبعضهم ظل في العراء.

 

هل قامت الأجهزة الأمنية بحمايتكم في خدار..؟

 

لا لم تكن هناك أي أطقم عسكرية للحماية، ووجدت عناصر مدنية مسلحة من أبناء المنطقة، شكلوا عامل قلق لنا، كما وجدت عربة تابعة للأمن المركزي عملت على تشويش الاتصالات علينا، لكني استلمت اتصالا من أحد أعضاء اللجنة التنظيمية المشاركين في المسيرة التي قدمت لاستقبالنا ودار حوار معه، طلب منا تحديد خط سير المسيرة لليوم التالي، مقابل توفير مستلزمات التدفئة وحل مشاكلنا، وقال: إذا لم تحددوا لنا خط السير ليوم غد نحن غير ملزمين بشيء، فأجبته نحن نتعرض لكارثة معظم الشباب تعرضوا لتشنجات بسبب شدة البرد، وعدم وجود تغذية، لكن عضو اللجنة التنظيمية كان يريد معرفة خط سير المسيرة وضمان خط سيرها مقابل حصولنا على المساعدة، فرديت عليه أن خط السير ليوم غد لم يحدد بعد.

 

حينها شعرنا أننا وقعنا بين فكين، فك الحرس الجمهوري والأمن المركزي المحيطين بنا، وفك شركائنا في الثورة الذين يريدون عدم وصول المسيرة إلى صنعاء بأي ثمن كان.

 

هل وصلتكم أي إمدادات عينية أثناء مبيتكم في خدار..؟

 

وصلت سيارتي هيلوكس عليهما وجبات سريعة من أبناء تعز المقيمين في صنعاء، كما وصلت سيارة هيلوكس محملة بعصائر وبسكويت، ودينا محملة بمياه معدنية وعصائر من طرف محمد عبد اللاه القاضي، وبعض المواد التي وصلت إلينا بجهود فردية.

 

ما الذي واجهتموه بعد الخروج من خدار صباح اليوم التالي..؟

 

أثناء خروجنا من خدار واجهنا حشد كبير من الأمن المركزي مزودين بالمصفحات، وفي دار سلم تفاجئنا بوجود حائط من الأمن المركزي يقطع المنفذ المؤدي لشارع تعز، بهدف توجيه المسيرة لشارع خولان، فقام الشباب المتواجدين في مقدمة المسيرة وبصدور عارية بالاندفاع إلى الأمام بعد أن تجمعوا في صفوف موحدة، على الرغم من معرفتهم أن الموت ينتظرهم، فتفاجئت حشود الأمن المركزي بحشود تتقدم، فقام فريق مكافحة الشغب بضرب الشباب بالعصي الكهربائية، لكنها لم تجدي أمام عزيمة الشباب، وأختلط الشباب بحشود الأمن المركزي وعرباتهم. 

 

اعتصام 45 وكذبة الاستقبال في التغيير

 

ماذا كنتم تريدون من البقاء ليلا في جولة 45 بشارع تعز..؟

 

نفذنا في جولة 45 وقفة احتجاجية على المجزرة البشعة التي تعرض لها شباب سلميين عزل، بهدف توصيل رسالة للعالم بأننا  سنعتصم حتى يتم الكشف على الجناة، وعلى إثر ذلك أعلن رئيس الوزراء ووزير الداخلية بأنها سيقدم استقالتهما إذا لم يكشف عن الجناة، وأعلن المخلوع بأنه سيرحل من اليمن، فأحدثت المسيرة حراك ثوري كبير.

 

 كان هدف المسيرة الوصول إلى السبعين.. لماذا توجهتم إلى ساحة التغيير بدلا من السبعين..؟

 

الهدف العام للمسيرة ليس الوصول للسبعين، وإنما للمسيرة أربعة أهداف وزعت في بلاغ صحفي على وسائل الإعلام والمشاركين في المسيرة قبل انطلاقها وهي:

1- إيصال رسالة قوية للعالم عن غضب الشعب اليمني الثائر، ورفضه لكل التجاوزات وإصراره على إنجاز الهدف الأول للثورة بإسقاط النظام، ورفع الزخم الثوري السلمي.

2- الإبقاء على الثورة وعنفوانها وفاء من شباب الثورة للشهداء والجرحى وجميع المتضررين من حروب النظام على الشعب.

3- إذكاء نار الثورة وتجديد النشاط والعزيمة الثورية على امتداد الساحات اليمنية.

4- التأكيد على وحدة الشعب اليمني وإجماعه على ضرورة محاكمة القتلة الملطخة أيديهم بدماء الشعب وأمواله، ورفض الوصايا على الثورة.

 

ما الذي حصل في جولة 45..؟

 

عند التاسعة مساء تفاجئنا بإطفاء الكهرباء وصار المكان مظلم،  وانهمرت علينا القنابل المسيلة للدموع والقنابل السامة بكثافة ومن أماكن مختلفة، وحينها لم نكن نعلم ما يحاك علينا من تأمر، فأصيب الكثيرين من الشباب بالإغماء، بسبب نوعية الغازات التي لم نعرفها من قبل، وتم الهجوم على الشباب من قبل الأجهزة الأمنية، فأنسحب الشباب بمجاميع عبر الأزقة والحواري مضطرين لمواصلة السير إلى ساحة التغيير التي صارت الملجأ بعد ما تعرض له الشباب من عنف من قبل أجهزة الأمن والبلاطجة في الحارات والأزقة.

 

عندما كنتم تعتصمون في جولة 45، كانت بعض القنوات الفضائية تبث حفل استقبال المسيرة من ساحة التغيير.. مالذي حصلبالضبط..؟

شباب المسيرة لم يصلوا ساحة التغيير إلا في وقت متأخر من الليل دون أن يستقبلهم أحد، والمشاركين في المسيرة رابطوا في جولة 45، ومن أحتفل في الساحة يبدوا أنه أستقبل نفسه هكذا كما يبدو، والمسيرة لم تصل الساحة إلا بعد فض إعتصام جولة 45 بالقوة بعد التاسعة مساء.

 

وقد سمعنا ونحن في جولة 45 أن بعض الجهات أدعت تمثيل المسيرة عبر وسائل الإعلام، فكان الأمر بالنسبة لنا نصر، فالجهات التي كانت تحاول إعاقة المسيرة وتوقف حركتها منذ انطلاق الفكرة، صارت بعد وصول المسيرة إلى هدفها تريد أن تحل محل اللجنة المشرفة على المسيرة، وهو دليل على أن من يقومون بالتصعيد الثوري هم أصحاب الفعل الثوري الصحيح، ومن أدعوا تمثيل المسيرة فقط حاولوا ركوب الموجة وجني الثمار، وهذا نصر بحد ذاته، لأنهم وصولوا إلى قناعة أن الفعل الثوري سيل جارف يجرف كل من يقف أمامه ويحاول إعاقته.

 

ضرب الثوار وذبح الثيران

 

ما الذي حصل في ساحة التغيير في اليوم التالي لوصول المسيرة..؟

 

ما حصل اليوم الثاني كان ردة فعل على ما تعرض له شباب المسيرة، فخرج الشباب بمسيرة إلى أمام المنصة وهم يهتفون بهتافات منددة بالمجزرة التي حصلت في دار سلم، مطالبين وزير الداخلية بالكشف عن الجناة وإلقاء القبض عليهم..؟ محملين حكومة الوفاق والقيادات الحزبية والسياسية المشاركة في الثورة ما حصل، فتفاجئنا بوجود فريق مدني يمثل فريقا لمكافحة الشغب في الساحة، قاموا بالاعتداء على الشباب بالعصي والصمول والهراوات وقطع الحديد، وجاء هذا الاعتداء على الشباب على الرغم من أن شباب المسيرة لا زالوا يعانون من الإعياء الشديد بسبب طول المسافة، والتأثير النفسي مما تعرضوا له من قمع.

 

في ذلك الوقت كنت متواجد في إحدى الخيام، وسمعت إطلاق نار، اعتبرت أنه استقبال للمسيرة، لأننا سمعنا ونحن في جولة 45 أن المسيرة استقبلت بإطلاق النار والألعاب النارية، فاعتقدت أنهم يستقبلونا، توجهت صوب المنصة لأجد معركة ثورية حامية الوطيس (يضحك) بين اللجان المنظمة للساحة، وشباب المسيرة، وجنود مسلحون يتبعون الفرقة يطلقون النار في الهواء لإخافة الشباب.

 

قمنا بسحب الشباب من أمام المنصة، وجلست اللجنة الإشرافية للمسيرة مع الشباب لتدارس الأمر، واتفقنا على تنفيذ وقفة احتجاجية أمام المنصة وأعلنا الإضراب عن الطعام، احتجاجا على الاعتداء الذي تعرض له الشباب، لأن المنضمين للساحة كانوا قد أعلنوا وتحدثوا لوسائل الإعلام عن استضافة المسيرة وذبح عددا من الثيران، وهو ما يناقض ما قاموا به من اعتداء همجي، تعرض فيه الشباب لإصابات شديدة نقلوا بسببها إلى المستشفى، فردينا على ذلك الاعتداء بأسلوب مدني راقي.

 

الاضراب عن الطعام والشراب

 

إلى متى أستمر الإضراب عن الطعام..؟

 

الإضراب عن الطعام بدأ من الساعة الواحدة ظهرا، وخلال تنفيذ الإضراب تفاجئنا بظهور فريق مكافحة الشغب التابع للجان المنضمة للساحة مرة أخرى، وبدوا بمحاولة الدخول في إشكاليات جديدة مع الشباب، قمنا بسحب الشباب من أمام المنصة تحاشيا لحصول صدام، ومواجهة واستمرينا في تنفيذ الإضراب عن الطعام، كرسالة مدنية نريد توصيلها للقبيلي والمسلح ومن ألتحق بالثورة وأعلن بأنه سيحميها، وإن كان هؤلاء لا يفهمون ما نقوم به فالعالم يقرأ تلك الرسائل، ويعلم أن من يعبر عن مطالبه بأسلوب مدني هم أصحاب المشروع الحقيقي الذي خرجت ثورة 11 فبرائر من أجله.

 

وعلى الرغم من الجوع الشديد أستمر الشباب في إعتصامهم حتى الخامسة عصرا، عندما قرر الشباب التصعيد من وتيرة الاعتصام بإعلانهم الإضراب عن الكلام، وقاموا بتلصيق أفوافهم  ورفع اللافتات الاحتجاجية ومواصلة الإضراب وإيقاف الحوار مع أي طرف يأتي لمكان الاعتصام، وبدأت معاناة الشباب تزداد بسبب الصقيع.

 

بعد السابعة مساء حضر إلينا مؤذن المنصة، وقال: ما فيش داعي للإضراب أنتم تعبانين "آكلوا" وبكرة با نشوف حل، وكأن شيء لم يحدث، وما يدور لا يعنيهم مع أنهم يدعون أنهم المسئولين على الساحة منذ عام.

 

بعدها خلع الشباب قمصانهم وظلوا بصدور عارية رغم البرد القارس والصقيع، وكان تحدي صعب أمام الشباب، سقط على إثره عددا منهم بحالة إغماء وغيبوبة.

 

بعد التاسعة مساء بدأت الوفود تصل لمعرفة ما يدور، ووصلت جهات ومنظمات صحية للإطلاع على ما يحصل، وبدأ التواصل مع القنوات الفضائية، التي وصل مراسلوها إلى مكان الاعتصام، فشعرت قيادة الساحة بخطورة الموقف، وما يدور سيؤدي إلى كارثة قد تكون مماثلة لما حصل في دار سلم، وسيتحملون مسؤوليتها، ولن يغفرها لهم المجتمع اليمني مستقبلا.

 

حاولت قيادة الساحة التحاور مع الشباب، لكن ما كانوا يقدموه شيء بسيط والوقت قد تأخر، والشباب لم يكونوا يريدون أكثر من اعتذار عند تنفيذ وقفتهم الاحتجاجية ظهرا، من الذين اعتدوا عليهم، والاعتراف بأن ما حصل خطأ.

 

طلب الشباب حضور القيادات الحزبية في المشترك، وعلى إثر ذلك حضر ناطق المشترك الدكتور عبده غالب العديني، وأعتذر بأكثر من طريقة وأسلوب وأستنكر ما حصل من اعتداء، وألزم قيادة الساحة بتقديم اعتذار مكتوب يقدم لشباب مسيرة الحياة، وقرئ البيان أكثر من مرة من منصة الساحة.

 

قبل الشباب الاعتذار مثبتين أنهم أكثر تسامحا، وقد علموا الآخرين درسا كيف يجب أن نتعامل مع بعضنا البعض، وكيف تكون ردود الأفعال منطقية ومدنية لا تخرج الناس عن المنطق العام للثورة.

 

هل كنتم فعلا تريدون السيطرة على المنصة كما أفادت بعض الأنباء آنذاك..؟

 

نحن لم نأتي للاستيلاء على المنصة، نحن أصحاب سلوك مدني حداثي متجه اتجاها مباشرا نحو تحقيق الدولة المدنية التي سقط من أجلها الشهداء والجرحى.

 

استغلوا ظروف الناس ماديا

 

وماذا عن حفل استقبال عودة المسيرة في ساحة الحرية بتعز بعد يومين من وصولها صنعاء..؟

 

تفاجئنا بخبر عودة مسيرة الحياة إلى تعز من قناة سهيل، وكان ما يحدث شيء غريب فاللجنة الإشرافية للمسيرة وكثير من المشاركين لا يزالون في صنعاء بسبب الإعياء الشديد، ولم يتخذوا قراراً بالعودة، وأعتقد أن من عادوا هم من ركبوا الموجة، ولحقوا بالمسيرة عبر وسائل النقل، فلم يعانوا من مشقة السفر، وعادوا بنفس الطريقة التي أتوا بها، عادوا ليقطفوا الثمار، لكن هذا شيء يشرف اللجنة الإشرافية للمسيرة ولمن شاركوا في المسيرة، فمن كانوا يعتبرون المسيرة عمل ثوري مشبوه، وخارج خط الثورة، هاهم يلهثون ويتسابقون بكل قواهم لكي يحلوا محل قيادة المسيرة، ويقطفون ثمارها، ويدعون أنها من عملهم وأنهم هم القادة والمدراء.

 

وكانت اللجنة الإشرافية للمسيرة قد عقدت أثناء ذلك مؤتمرا صحفيا دعيت إليه وسائل الإعلام، وضحنا فيه أن المسيرة لم تعود، وأن ما يتم جزء من التآمر على المسيرة.

 

لماذا ألغيتم فكرة أداء الصلاة على أرواح شهداء مسيرة الحياة في جولة دار سلم..؟

 

ما تعرضت له المسيرة من مؤامرة في ساحة التغيير بصنعاء ومحاولة تشتيتها وتمزيقها، وقيام أعضاء في المجلس الثوري بتعز للأسف الشديد، بسحب بعض المشاركين في المسيرة، مستغلين ظروفهم المادية الصعبة، وإعطاء كل شخص من ألفين إلى خمسة ألف ريال، وتوفير وسائل نقل إلى تعز، حتى لا يقوموا بأي فعل ثوري داخل العاصمة صنعاء، فضلا عن الإعلان عن عودة المسيرة عبر قناة سهيل، بهدف توصيل رسالة أن من تبقى في صنعاء ليسوا من مسيرة الحياة، وهو ما يجعلنا عرضة لأي خطر، فألغينا الفكرة، وعندما عدنا إلى تعز كنا ننوي تنفيذ وقفة احتجاجية وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء في جولة دار سلم لكننا منعنا من قبل حشد كبير من قوات الحرس الجمهوري، حيث أملئت الجولة بالمسلحين والمعدات العسكرية.

 

كمين بيت بوس

 

ما هي حقيقة ما دار في بيت بوس عند عودتكم إلى تعز..؟

 

وضعت ثكنة عسكرية بشكل مفاجئ في بيت بوس، قامت بتفتيش سيارتي التي كانت مخصصة للصوتيات، وأخرجوا الشباب منها، وتعرضوا للضرب، وتم اعتقالهم.أنا كنت مع مجموعة من اللجنة الإشرافية للمسيرة في حافلة ركاب، وتمكنا من الهرب من النقطة بسلوك طريق أخرى، هم كانوا لا يعرفونا وإنما يبحثون عن أسماء معينة من قيادة المسيرة.. أعتقل بعض الشباب وتم أخذهم إلى بعض عربات الحرس الجمهوري، تم نهبت تلفوناتهم وأجهزة كمبيوتر محمولة وبعض الأغراض الخاصة باللجنة الإعلامية.

 

بعد ذلك تواصلت معنا بعض قيادات المشترك، وتم التوجه لمكان الحادث، وأفرج عن السيارة والشباب المعتقلين.

 

يتغنوا بالمسيرة ويجلدوا من شارك فيها


كيف
 تم استقبالكم في تعز..؟

 

عندما عدنا إلى تعز تفاجئنا باستقبال من نوع أخر ن وكأن من شارك في مسيرة الحياة أرتكب جرم في حق الثورة والثوار ، وشارك في جرم أسأ لليمن واليمنيين، حينها شعرنا بتناقض غريب، فالذين يشيدون بالمسيرة ويتغنون بها يجلدون كل من شارك فيها بسياط، الكذب والتشويه والافتراء والتزييف للحقائق، وحبك العديد من الدسائس، ما أشعرنا أن من يقوم بهذه الأفعال أشخاص يعانون من انفصام الشخصية.

أثناء غيابنا تشدق الكثيرون عبر منصة الساحة بأن الملايين بددت في المسيرة، وأن القائمين على المسيرة أثروا ثراء فاحش على حساب جهود المشاركين، فاجتمعت اللجنة الإشرافية مع اللجان المختصة، واستلمت التقارير منها، وأعدت اللجنة المالية تقريرها، وعمل كشف مالي مفصل بمصروفات وإيرادات اللجنة، وذهب رئيس اللجنة الإشرافية الأخ مصطفى الحضرمي لإلقائه عبر المنصة، لكن اللجنة القائمة على المنصة رفضت السماح له بقراءة التقرير.

 

فقمنا بعمل بيان وتوزيعه في الساحة، أحتوى على مصادر التبرعات وقيمتها بأرقام السندات وتواريخها، وجوانب الصرف المختلفة التي صرفت فيها المبالغ.

وقلنا أن من تبرع لمسيرة الحياة ولم يرد اسمه في هذا الكشف التفصيلي، فنحن غير مسئولين عليه، وعليه متابعة من أستلم منه، ونحن لا نتحمل أي مسئولية عن أي مبالغ لم تسلم عبر اللجنة الإشرافية للمسيرة.

 

تحديناهم كشف المركزالمالي للثورة

 

ما هي الرسالة التي كنتم تودون إيصالها من توزيع هذا الكشف المفصل..؟

أردنا من ذلك إرساء سلوك مدني بحت، ونحن نراهن على هذا السلوك، ونطلب من جميع المكونات الثورية إن كانت قادرة على التعاطي بنفس الروح من الشفافية والوضوح بأن تتقدم بكشف عن المركز المالي للثورة، ومن حق الثوار أن يتعرفوا على ما يدور، وقلنا أن من حق الثوار أن يطلبوا معرفة الحقائق المالية، ونحن لا يستفزنا هذا السلوك، مؤكدين لهم أنهم يطالبونا بسلوكيات جديدة، لا يستطيعون هم القيام بها. 

 

ما هي أبرز المواقف التي واجهتك أستاذ محمد..؟

 

موقف صعب

 

في ليل خدار كنا أمام تحدي حقيقي، لدرجة أننا شعرنا أن بقائنا على قيد الحياة قد يكون غير مؤكد، عند حوالي الثانية فجرا سمعت صياح لبعض الشباب، توجهت للمكان، فوجدت احد الشباب وقد تصلب جسمه، بسبب بطء الدورة الدموية، نظرا لشدة البرد والصقيع، حملناه وهو مثل الخشبة إلى السيارة وقمنا بتدفئته ببطانية كانت في السيارة وجاكيتات بعض الزملاء، حاولنا البحث عن حلول، تواصلنا ببعض المنظمات، لكن دون جدوى، وظل الشاب قرابة الساعة في غيبوبة، شعرت حينها أني كعضو في اللجنة الإشرافية في موقف صعب جدا، وحدثت حالات كثيرة من هذه الحالة.

 

موقف سار

عندما خرجنا من ذمار شارك معنا ثوار ذمار في ترديد بعض الهتافات الثورية، وشارك في الترديد الأخ محمد الصنوي وهو هتاف رائع، وظل يردد الهتافات التي ألهبت حماسنا جميعا، وزاد من الحماس سماعنا لأغنية أيوب يا مرحبا بالضيف.. والتي كان ثوار ذمار يرددوها.. شعرت حينها بسعادة تغمرني.. من عظمة الموقف وحرارة اللقاء، شعرت حينها أن العزلة المناطقية والطبقية التي فرضها النظام على أبناء الوطن الواحد قد بدأت تتبدد، ومصدر سعادتي أني شعرت أن قلوب أبناء الوطن الواحد اجتمعت مثلما يلتقي أبناء الأسرة الواحدة بعد شتات طويل.

 

موقف مستفز

عندما وصلنا الدليل ولم نجد وجبة الغداء بسبب التدليس على الطباخين من قبل أحد قيادات المجلس الثوري بساحة الحرية بتعز، شعرت بخطورة الموقف، الناس يعانوا من الجوع الشديد، والأعداد كبيرة، والإمكانيات المادية لدينا شحيحة، شعرت حينها بخبث من يريدون إعاقة العمل الثوري بأي ثمن كان، حتى لو كان حياة الناس.

 

موقف مبكي

عندما كانت مسيرة الحياة بالقرب من ذمار، وكان صوت الفنان الكبير أيوب يصدح بأنشودة "كم شهيد من ثرى قبره يطل.. ليرى ما قد سقى بالدم غرسه" ولا أزايد بالقول أن قلت أني شعرت ساعتها أن الشهداء الذين أعرفهم يمشون معنا، وخاصة الشهيد فارق محمد سعيد الصبري، وفعلا تخيلت وجودهم بجانبنا، فلم أتمالك نفسي من البكاء.

 

مجزرة دار سلم وقصة تشتيت المسيرة

 

سقط ثلاثة عشر شهيدا وعشرات الجرحى في دار سلم.. ما الذي حصل..؟

 

في دار تفاجئنا بوجود سيارات جديدة للصوتيات من غير السيارات المخصصة للمسيرة، وقد وصلت مع المسيرات المستقبلة، وهي من قامت بتمزيق وتشتيت المسيرة باتجاهات مختلفة، والبعض أوهم المشاركين بالمرور من بعض الشوارع الفرعية لتشتيتهم، وللأسف منهم قيادات ثورية.

 

هل كنت في بداية المسيرة أول ما وصلت دار سلم..؟

 

أنا وصلت مع شباب الصدور العارية جولة دار سلم بعد الحادث، فقد سبقتنا بعض المجاميع المشاركة في المسيرة إلى دار سلم، لأن المسيرة تشتت قبل دار سلم بسبب قيام البعض بتمزيق المسيرة إلى أجزاء.

 

أثناء وصولنا دار سلم قابلنا مجموعة من المواطنين حذرونا من الاقتراب من دار سلم لأن مجزرة قد حصلت هناك، لم نتراجع وكنا نتوقع كل شيء من بقايا النظام والمتآمرين بهدف إيقاف المسيرة بأي ثمن، وسرنا باتجاه دار سلم، رغم قيام خليط من قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي  بإطلاق النار الكثيف والقنابل المسيلة للدموع بشكل لم نعهده من قبل، وأغمي على الكثير من الشباب في الصفوف الأمامية، وظلينا في كر وفر حتى الساعة الخامسة عصرا، عندما قدمت مسيرة لشباب الثورة من ساحة التغيير، فتمكن الشباب من تجاوز الحائط العسكري.

 

تصعيد الثورة بمحاكمة شعبية

 

ما هو مشروعكم التصعيدي القادم..؟

 

هو مشروع محاكمة شعبية يهدف لتشكيل محكمة لمحاكمة من ارتكبوا المجازر خلال فترة الثورة، وقد عرض المشروع على مكونات سياسية وثورية.

المشروع طرح من قبل شباب التصعيد والحسم الثوري، وطرح للدراسة، وتم الإعلان عنه في الساحة، لمن يريد المشاركة.

 

ويهدف المشروع لتكوين محكمة قضائية ثورية تتكون من القضاة والقانونيين المشهود بنزاهتهم ويحظون بثقة الثوار، تقدم إليهم دعاوي وملفات أولياء الدم، وقضايا الجرحى والمتضررين من الانتهاكات التي منذ بداية ثورة 11 فبرائر، وتقام منصة المحاكمة في شارع جمال وسط مدينة تعز، ويحدد موعد معين لعقد الجلسات، بحضور حشد جماهيري وشعبي، وسيتم حشد وسائل الإعلام لتغطية الجلسات، واستدعاء الجناة عبر وسائل الإعلام للحضور، وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم.

 

ما هي الإجراءات التي اتخذت في طريق إخراج هذا المشروع إلى النور..؟

 

المشروع لا يزال تحت الدراسة، وتم التواصل مع عدد من المكونات الثورية من محافظات مختلفة، بهدف جعله مشروعا لكل الوطن ولا يقتصر على محافظة بعينها، وسيتم الاتفاق على آلية المشروع، كعمل تصعيدي ثوري، يرفع معنويات أسر الشهداء والجرحى والناس الذين ظلموا خلال الثورة، ولم يأبه لهم أحد.

نحن نطرح هذا المشروع على الجميع للمساهمة فيه، وإذا وجد أي مشروع ثوري أو تصعيدي بديل نحن على أتم الاستعداد للمشاركة فيه.

 

ما هو الهدف من هذا المشروع كمشروع ثوري..؟

 

جاء المشروع في ظل حالة تيهان يمر بها الفعل الثوري، فالقواعد الثوري لديهم نوع من الشعور بعد امتلاك الفكرة، لتحديد شكل البداية الجديدة بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني، فحاولنا طرح هذا المشروع كفكرة ثورية بسيطة أمام الجميع، مثلما بدأت فكرة مسيرة الحياة والكرامة والعزة بأفكار بسيطة نابعة من المعاناة والحاجة التي تستدعي ذلك، واليوم كل الكيانات الثورية تعاني من غياب الرؤية الواضحة لما يجب أن نقدمه، لنستعيد الزخم الثوري.

زر الذهاب إلى الأعلى