أرشيف

“يمنات” تتجول في مرابع أول إمارة إسلامية في اليمن

استطـلاع/ جهـاد محسـن

 

في “جعار” المدينة التي يطلق عليها مسلحو “أنصار الشريعة” إمارة “وقـار” منذ أن سيطروا عليها في 28 فبراير2011م، تبدو الحياة فيها طبيعية ولكنها مشبوبة بالمخاوف والحذر من قبل المواطنين العاديين الذين التقيت بهم، وظل بعضهم يحدثني عن طبيعة العلاقة والروابط الاجتماعية التي بدأت تنشأ وتتوطد بينهم وبين مسلحي “القاعـدة” إلى درجة أنني حاولت كثيراً طرح العديد من التساؤلات المستفزة للسكان المحليين، علي أجد إجابة واحدة تعبر عن رفض شعبي لمسلحي “أنصار الشريعة”، غير أن كل الإجابات التي سمعتها هناك كانت تدعو للدهشة، بأن هؤلاء المسلحين استطاعوا أن يعوضوهم حيـاة الأمن والسكينة التي افتقدوها طيلة سنوات حكم الرئيس “صالح”.

 

 

كان في يقيني ربما يخشى أو يتحاشى الناس في “جعار” أن يتحدثوا بسوء عن مسلحي “أنصار الشريعة” لهذا كنت حريصاً على سؤال بعض سكان المدينة النازحين في مدارس عـدن، حول طريقة تعامل “أنصار الشريعة” معهم، وكانوا يقولون، إن معاملتهم تتسم بالطيبة والتواضع، ولا يمانعون من وجودهم بينهم، غير أن الهاجس والتوجس الأمني يظل هو العامل الراسخ في أذهانهم، والمتمثل بحسب قولهم، بالتهديدات التي تشكلها على أرواحهم أعمال القصف الجوي للطيران اليمني والسعودي والأمريكي، الذي يشن على مدينتهم في أوقات مباغته وأثناء ساعات الذروة، وبسببه أصبحوا مهجرين ومشردين في مدارس عـدن ولحـج.

 

 

ولاشك أن سياسة القبضة الحديدية التي يتبعها “أنصار الشريعة” في مدينة “جعـار” تتأرجح بين الاستياء والارتياح الشعبي، بين وجود الأمن والأمان الذي افتقده المواطنون طيلة سنوات، وبين الخوف والقلق من وطأة القيود والتقاليد التي تفرض على سكان المدينة، من خلال كبت حرياتهم ومصادرة بعض من حرياتهم الخاصة.

 

 

————————–

 

 

جولة في إمارة وقار

 

تجولت بمعية عدد من المواطنين في أرجاء مدينة “جعار” التي تشهد حالياً نسبة نزوح تصل إلى 70% من مواطنيها، وبدت لي شوارعها نظيفة أفضل مما كانت عليه في عهد السلطات الرسمية، بسبب اهتمام جماعة “أنصار الشريعة” بالنظافة وبالمنظر العام للمدينة، وكانت بعض الشوارع  تشهد حالة جمود سكاني بسبب استمرار عملية النزوح المتصاعد مع كل إنذار توجهه القوات الحكومية للمسلحين بإخلاء المدينة.

 

 

وفي الطريق ظل الناس يصفون لي طريقة تعامل “أنصار الشريعة” معهم، وكيف أنهم وفروا لهم العدالة والمساواة إلى جانب استتباب الأمن، وأوضاع كثيرة قالوا إنهم افتقدوها في ظل النظام السابق وجدوها مع هؤلاء المسلحين الذين استطاعوا تنظيم حياة المدينة التي لم تهتم بها الحكومة حد قولهم.

 

 

و”جعار” هي عاصمة مديرية “خنفر” ويبلغ عدد سكانها نحو 155 ألف نسمة، وفق آخر تعداد أجرته الحكومة، يقول أحد المواطنين، إن من الأسباب التي ساعدت مسلحي “أنصار الشريعة” إحكام سيطرتهم بسهولة على المدينة، أن المدينة كانت تعيش حالة من الفوضى والفراغ الأمني، ولم تكن الدولة تتواجد فيها وعلاقتها بأبناء المدينة ظلت منعدمة منذ عام 1996م، وبمقدور الزائر للمدينة اليوم أن يميز بين السكان العاديين وبين عناصر “القاعـدة” من خلال الأشخاص المدججين بأسلحتهم وبعضهم كان يرتدي عـدة الحرب، لأن المواطنين العاديين يقولون، إنهم أصبحوا ليسوا بحاجة إلى حمل أسلحتهم الخاصة، لشعورهم بالطمأنينة والأمان في ظل سيطرة “أنصار الشريعة” على مدينتهم.

 

 

حاولنا معرفة حجم الضحايا والجرحى من المدنيين الذين سقطوا خلال معارك المسلحين في “جعار” مع قوات الأمن والجيش، بالإضافة إلى عدد الممتلكات والمنازل المدمرة، لكننا لم نجد إحصائية دقيقة بشأن ذلك، لعدم وجود جهاز متخصص لدى “أنصار الشريعة” يتولى عملية الإحصاء والحصر.

 

 

واستطعنا في “يمنـات” من رصد بعض صور المباني والممتلكات التي طالتها أعمال القصف الجوي، وهي مبنى مستشفى الرازي الوحيد في المدينة الذي لا يزال مغلقاً، ومبنى محكمة ومقر شرطة “جعار” القديم، اللذان تم قصفهما عدة مرات، والمعهد الصحي والفندق الوحيد بالمدينة، والمبنى السكني للأطباء الصينيين، وجامع “الحمزة” الذي تم قصفه من قبل الطيران السعودي، بالإضافة إلى بعض المنازل المدمرة.

 

 

تعايش القاعدة والسكان

 

حين دلفنا مدينة “جعار” استقبلنا مسلحو “أنصار الشريعة” بطريقة كريمة وتعاملوا معنا بأخلاق رفيعة ومتواضعة، إلى درجة أنه بدا لنا جلياً من خلال تعاملاتهم أن لديهم منهجية فعالة ومؤثرة في التعامل مع الناس بغية كسب تأيدهم، وتغيير الانطباع النمطي السائد الذي يعرفه العالم عن أعضاء “القاعـدة” عبر وسائل الإعلام بأنهم ليسوا سوى إرهابيين وقتلة، ربما يكون ذلك تصنعاً، سيما وأنهم يعرفون أننا صحفيون جئنا لننقل أوضاع الحياة العامة في إمارتهم المصغرة.

 

 

واللافت أننا لمسنا أن شعبية عناصر “القاعـدة” بدأت تتوسع في مناطق قريبة من “جعـار”، وينظر أحد السكان المحليين إلى جماعة “أنصار الشريعة” بأنهم يقدمون من خلال تعاملاتهم نموذجاً إيجابياً للدولة الإسلامية المصغرة ـ حـد تعبيره ـ كما يؤكد العديد من المواطنين، بأنه حصل تمازج اجتماعي بين سكان المدينة وبين عناصر “القاعـدة”، حيث تمت عمليات زواج بين الطرفين، ما يبرهن قدرة جماعة “أنصار الشريعة” على خلق أجواء من التعايش والثقة مع الناس بصورة طبيعية، وتقديم أنفسهم بصورة أكثر قبولاً من خلال توفيرهم لبعض الخدمات والاحتياجات الإنسانية، وتنظيم الحياة العامة، حيث يديرون شؤون مدينة “جعار” بمجموعة دوائر أنشاؤها.. منها، الدائرة الاجتماعية المختصة بالخدمات، والدائرة الدعوية المتعلقة بالتعليم والحسبة، والدائرة القضائية المرتبطة بمؤسسة الشرطة، ودائرة استقبال قضايا المواطنين وتوثيقها ضمن السجلات الخاصة، وغير ذلك من الأعمال التي يسعى “أنصار الشريعة” من خلالها إلى تقديم أنفسهم كبديل للنظام السابـق.

 

 

خدمات مجانية كاملة للمواطنين

 

يقول الأهالي إن الوضع المعيشي في مدينتهم يشهد حالة تحسن، مشيرين إلى أن الخدمات التي يقدمها لهم مسلحو “أنصار الشريعة” مستمرة على صعيد الكهرباء والمياه والغاز وأوضاع النظافة والبلدية، وأنه تم إعفاؤهم عن دفع فواتير الكهرباء والمياه، وإعادة تأهيل كثير من مؤسسات الدولة، ويؤكدون أيضاً، أن الكهرباء لم تعد تنقطع عن مدينتهم كالسابق، كما أن الماء صار متوفراً وفي حال انقطع عنهم، يجدون “أنصار الشريعة” يحضرون (وايتات) ويوزعون لهم الماء مجاناً، بالإضافة إلى أن “أنصار الشريعة” يقومون بضخ مياه الشرب إلى قوات الجيش نفسه، شريطة أن يمدوهم بالكهرباء مقابل حصولهم على الماء.

 

 

ويضيف بعض الأهالي، أن تواجد المسلحين في مدينتهم لا يقتصر فقط على خوض القتال والمعارك مع قوات الجيش، ولكنهم يوظفون أنفسهم لخدمة سكان المدينة، ويعملون على تركيب شبكة كهرباء حديثة وتنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية، وحفر مياه الصرف الصحي بواسطة عربة حكومية مخصصة ظلت معطوبة لسنوات في مبنى البلدية، وجاء هؤلاء المسلحون وأصلحوها، حسب قولهم.

 

 

ويقول ملاك المحلات التجارية، إن جماعة “أنصار الشريعة” قاموا بإلغاء الضرائب التي كانوا يدفعونها للدولة، ووقف الإتاوات والرسوم التي كان يجبيها عمال البلدية من الباعة المتجولين في الشوارع، مشيرين إلى أن عهد الابتزاز الذي كان يمارسه بحقهم رجال الأمن سابقاً، انتهى بعد سيطرة “أنصار الشريعة” على الحياة العامة في مدينتهم، والذين وضعوا حداً لجرائم السرقة التي كانت شائعة في المدينة والتصدي لعصابات السرقة والمتقطعين الذين يتم قطع أيديهم، ويضيفون أيضاً.. أنهم باتوا يعيشون في حياة يذهبون فيها إلى “الصلاة” وأبواب محلاتهم مشرعة، حد قولهم.

 

 

ويرى “أنصار الشريعة” أن مسألة التدخين وتعاطي (القات) من المسائل المحظورة في شريعتهم، وقاموا بحضر بيع كل أنواع التبغ وتحذير ملاك المحلات التي تبيعها، ونقل سوق (القات) الوحيد إلى خارج المدينة تمهيداً لإلغائه، بالإضافة إلى أنهم يمنعون الناس من سماع الأغاني، لأن الغناء لا يجوز في اعتقادهم، وعدم السماح لحفلات الأعراس التي يصاحبها غناء وآلات موسيقية عبر وضع لوحات في الشوارع والأسواق العامة، توضح فيها ما أسموها بالضوابط الشرعية لحفلات الأعراس، وهي عدم استخدام الطبول والمعازف باستثناء “الدف” ومنع استخدام مكبرات الصوت، واجتناب الألفاظ الشركية في أناشيد الأعراس، ولكنهم يسمحون للأهالي بممارسة الألعاب الرياضية وينظمون لهم مسابقات وأنشطة كروية، وغالباً ما تجد سيارة مكتوب عليها “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تجوب شوارع المدينة في أوقات الصلاة لحث المواطنين على الذهاب إلى الجوامع، كما يقومون بإعطاء الناس أسطوانات الكترونية وأقراصاً مدمجة و”ذواكر” هواتف محمولة، تتضمن خطباً دينية.

 

 

الوضـع الصحـي والتعليمـي

 

يواجه الوضع الصحي في مدينة “جعار” الكثير من الصعوبات ومنها شحة الإمكانيات، ولم نلاحظ وجود أي مراكز صحية أو مستوصفات بديلة تغطي مكان مستشفى “الرازي” الوحيد في المدينة الذي لا يزال مغلقاً، بعد تعرضه للقصف والدمار، غير أن “أنصار الشريعة” يؤكدون بأنهم قاموا بإنشاء مركز صحي داخل المدينة، وذلك بالتعاون مع لجنة “الهلال الأحمر” لتقديم الخدمات الصحية والطبية للمواطنين، ويقول عدد من المواطنين، إن مستشفى “الرازي” قبل تعرضه للقصف، كان يقدم خدماته لهم تحت إشراف أطباء عرب بينهم (سعوديون ومصريون) يعملون ضمن “أنصار الشريعة” ويتولون مهام الإشراف على شؤون المستشفى.

 

 

وفيما يتعلق بالوضع التعليمي، يذكر لنا أحد المواطنين أنه توجد في مدينة “جعار” مدرستان للبنين، ومدرستان للبنات، وأن “أنصار الشريعة” عندما سيطروا على المدينة، فتحوا للأهالي مدارس أخرى لحفظ “القرآن الكريم” وأخرى لمحو الأمية بين النساء وتدريبهن على المهن والحرف اليدوية.

 

 

وحول التعديلات التي أدخلها “أنصار الشريعة” في مناهج التعليم الحكومي، يقول بعض المواطنين إن ذات المناهج الحكومية تدرس حالياً للطلاب، باستثناء مادة “التربية الوطنية” لأنه بحسب ما تصفه جماعة “أنصار الشريعة” فيها تمجيد للدولة.

 

 

ويؤكد مسؤول اللجنة التعليمية “لأنصار الشريعة” أنهم قاموا بوضع ضوابط شرعية في المنظومة التعليمية والتربوية منها، منع الاختلاط بين البنين والبنات في المدارس، ومنع تحية العلم الوطني والنشيد الجمهوري في طابور الصباح باعتبارها تجعل ولاء الطلاب للوطن وليس للدين، بالإضافة إلى وضع آليات للتعامل مع المشكلات التي قد تقع بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، واعتماد أنشطة لبناء الشخصية القائمة على تعظيم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويضيف.. أن دور اللجنة التعليمية التي تتولى جماعته مسؤوليتها، تنحصر فقط في الرقابة والتوجيه، فضلاً عن اهتمامها بإعادة هيبة المعلمين التي أضاعها حكم النظام السابق، حد قوله.

 

 

النظام الأمني والقضائي لـ”أنصار الشريعة”.

 

أنشأت جماعة “أنصار الشريعة” لجنة أمنية أسموها “الشرطة الإسلامية” تتولى مهام ضبط الأمن في المدينة، ومهمة الإصلاح بين الناس وفض نزاعاتهم وخصوماتهم، ولكن بخصوص القضايا التي تحتاج إلى أحكام قضائية مثل تنفيذ أحكام القصاص وإقامة الحدود الشرعية، فإن الشرطة تحيلها إلى مندوب القضاء الشرعي الذي يقوم برفعها إلى اللجنة القضائية ليتم البت فيها بصورة عاجلة.

 

 

ويعتمد عناصر اللجنة الأمنية على نظام أمني منظم بدقة ومعزز بشبكة اتصال لاسلكية واسعة ومترابطة، وتشعر وأنت تتجول في مدينة “جعار” بان الأعين متواجدة في كل الأماكن ولديها الإمكانات في تحديد الهدف والقبض على المخالفين بسرعة متناهية، وذكر لي أحد المواطنين، بأنه أبلغ اللجنة الأمنية في شرطة “أنصار الشريعة” عن سرقة تعرض لها، ولم تمر ساعات حتى قبضوا على اللص، وأعادوا إليه منهوباته.

 

 

يقول لي أحد “أنصار الشريعة” بأن عناصر جهازهم الأمني، حريصون على صورة الحياة العامة في المدينة، ويعملون على محاربة المحرمات مثل الربا والسرقة، ولكنهم لا يتدخلون بحسب كلامه، في خصوصية الناس، أو يقتحمون حرمات البيوت والمنازل.

 

 

كنت في “جعار” سألت المواطنين، كيف لي أن أفرق بين الأعضاء المنضوين في شرطة “أنصار الشريعة” وبين الأعضاء العاديين، فألمحوا لي.. نحو شخص كان يرتدي اللباس “الأفغاني” متمنطقاً سلاحه، ذهبت إليه وسألته.. هل أنت من عناصر شرطة “أنصار الشريعة” هـز بهدوء رأسه، وحين قلت له.. وهل من لون معين تلبسونه، رد عليّ باسماً، أنه غير مخول بالإجابة: “لك أن تذهب إلى مسؤول الدائرة الأمنية ليعطيك أية إجابة تبحث عنها”.. وفهمت من كلامه، أن لديهم تعليمات بعدم الحديث مطولاً مع المواطنين، وحين ذهبت إلى شرطة ومحكمة “إمـارة وقـار” المتواجدتين في مبنى واحد، سمحوا لي بالدخول ومقابلة السجناء الذين كان عددهم 9 أشخاص موقفين على ذمة قضايا مختلفة، وأوضح لي عضو في جماعة “أنصار الشريعة” بأن الـ 9 السجناء المحتجزين لديهم، هم إجمالي عدد السجناء في مدينة “جعار” كما أنهم سمحوا لي بالحديث مع أحد السجناء، وسألته عن أوضاعهم في السجن، أجابني مستقرة وأنهم يتلقون في زنزانتهم الدعوات والنصائح التي تحثهم على الصلاة والصيام.

 

 

وفي مبنى المحكمة التي يطلق عليها “محكمة وقـار الشرعية” يوجد 6 قضاة يقومون بالبت في كل القضايا المحالة إليهم بصورة عاجلة ودون تأجيل أو مماطلة، ويتولون إصدار الأحكام الحدية بحق المخالفين، وقد شهدت “جعار” حالات إعدام وصلب لـ 3 عناصر يعملون ضمن “أنصار الشريعة” بتهمة الخيانة والتجسس لصالح الاستخبارات اليمنية والسعودية والأمريكية، هما اليمنيان، حسن ناجي حسن النقيب وصالح أحمد صالح الجاملي، والسعودي رمزي بن محمد قائد العريقي، وقد تم إعدامهم رمياً بالرصاص في فبراير الماضي، وصلب أحدهم في ساحة نادي “خنفر” في “جعار”، بالإضافة إلى مواطنين عاديين تم إعدام بعضهم وقطع أيدي البعض الآخر، في شوارع وأسواق عامة بتهمة القتل أو السرقة، غير أن مالا يقوله أو يؤكده لنا أحد من أعضاء “أنصار الشريعة” كم عدد المواطنين العاديين الذين نفذوا بحقهم أحكاماً حدية مثل الإعدام وقطع الأيدي.

 

 

يقول أحد المواطنين إنه حين سجن، أصبح على ثقة بنزاهة القضاة العاملين لدى جماعة “أنصار الشريعة”، ويسرد لي قصته، بأنه كان له دين بمبلغ مليون ريال عند أحد الأشخاص، فحكم قاضي “أنصار الشريعة” ويلقب “بالحضرمي” أن يدفع له مبلغ (500 ألف ريال) والباقي يتم تقسيطه، ويضيف: حين قمت بإعطاء القاضي مبلغ (100 ألف ريال) تقديراً مني لسرعة حكمه، رأيته يغضب ويأمر بحبسي بتهمة الرشوة.

 

 

غير أن اللافت الذي أثار دهشتي، وأنا على متن حافلة عامة في طريقي إلى محافظة “أبيـن” جلس بجانبي رجل مسن من سكان مديرية “الوضيع”، تحاورت معه عن الأوضاع العامة في مدينته، وطلب مني لو تمكنت من مقابلة أمراء “القاعـدة” أن أسألهم لو كان لديهم نفوذ في مديريته، قلت له لماذا.. قال لأسلمهم ملفاً “فأنا لي خلاف مع أحد الغرماء على قطعة أرض، ولازالت قضيتي في محاكم صنعاء منذ 18 سنة، وأريد منهم أن يحكموا فيها”.

 

 

مركز إعلامي عالمي ينظم أنشطة “القاعـدة”

 

يقول “فؤاد الحضرمي” المندوب الإعلامي لجماعة “أنصار الشريعة” في أبيـن، إن لدى مقاتليهم شبكة مراسلين تابعين لهم، يقومون بتصوير الأحداث المباشرة وتوثيق الأخبار والعمليات التي ينفذونها في جبهات القتال، وإرسالها إلى المقر الإعلامي الرئيسي لـ “القاعـدة” والذي لم يفصح عنه، غير أنه ألمح إلى وجوده في الخارج، وإنهم يعلنون باستمرار عن كل عملية يقوم بها مقاتلوهم.

 

 

ويضيف أن مركزهم يقوم بفرز الصور والأخبار, وتوزيعها للصحافيين ووكالات الأنباء العربية والعالمية التي تم إشراكها بمركزهم عبر شبكة التواصل الاجتماعي “الانترنت”، وأنهم قاموا بتزويد قنوات مثل، الجزيرة والعربية والـ BBC  بصور حصرية عن معركة “وادي دوفس” في محافظة أبيـن، وتزويدها بالمعلومات الكافية عنها بهدف نقل الحقيقة، وإيصال رسالة تنظيمهم.

 

 

وكشف “الحضرمي” لصحيفة “يمنـات” أن لديهم مؤسسات إعلامية في العديد من الدول والأقطار في آسيا وأفريقيا، تنظم مهام الأنشطة الإعلامية لـ “القاعـدة” وذكر منها، مؤسسة الملاحم في اليمن، ومؤسسة الفرقان في العراق، ومؤسسة الأندلس في الجزائر، ومؤسسة ابن تيمية في فلسطين، ومؤسسة الكتائب في الصومال، ومؤسسة السحابة في أفغانستان.

 

 

وذكر لي أن جهازهم الإعلامي في محافظة “أبيـن” يقوم بتوزيع نشرة ملونة عبارة عن تقرير إخباري صادر عن وكالة “مـدد” الإخبارية التابعة لتنظيم “القاعـدة” كل عشرة أيام مجاناً تتناول فيها أخبار أمرائهم والعمليات التي يقومون بتنفيذها داخل نطاق اليمن، وتعرض إحدى نشرات “أنصار الشريعة” في أبين، صوراً لجنود أمريكيين يتجولون في محيط فندق “الشيراتون” بالعاصمة صنعاء، الشهر الماضي، وجرى بثها على موقعهم الإخباري.

 

مخاوف وقلق ومطالب

 

يؤكد العديد من المواطنين الذين التقينا بهم في عـدن وأبيـن، أنهم باتوا يشعرون بمهانة الحياة، بين كماشة تهديدات السلطة والجيش، وبين استعدادات المسلحين لمواجهة العمليات العسكرية المرتقبة ضدهم، ويضاعف من مخاوف الأهالي، تسرب معلومات تتحدث بين الفينة والفينة، عن استعدادات القوات الحكومية لاقتحام المدينة، وتحريرها من قبضة مسلحي “أنصار الشريعة” يقابله استنفار في صفوف المسلحين تحسباً للهجوم الذي قد يشن عليهم، وفق الخطة الأمنية التي أقرها مؤخراً الرئيس “عبدربه منصور هادي” بالتنسيق مع القوات الأمريكية.

 

 

ويأمل المواطنون في محافظة “أبيـن” أن يكون هناك صلح بين القوات الحكومية ومسلحي “أنصار الشريعة”، وأن تفتح الطرقات المغلقة أمامهم، حتى يعودوا إلى ديارهم ودفع ضريبة ما خلفته الحرب من أضرار على ممتلكاتهم، وأوجاع معنوية ونفسية.

 

 

فيما يعتبر أبناء محافظة “أبيـن” الذين يعارضون جماعة “أنصار الشريعة، أن سقوط محافظتهم في أيدي مسلحي “القاعـدة” عملية مدبرة بين الرئيس “علي عبدالله صالح” و”علي محسن الأحمر”  وعناصر تابعة لهما داخل تنظيم القاعـدة من أجل تسليمهم المحافظة، وأنه بات يساورهم إيمان عميق بأنهم أصبحوا بيد “صالح” وبقايا نظامه العائلي، حسب قولهم.

 

 

ويضيف بعض مشائخ المنطقة، أن معظم المقاتلين الصغار المنخرطين ضمن “المعسكر الجهادي” الذي أشرف عليه النظام بعد حرب الانفصال عام 1994م، ينطلقون من بواعث وعواطف دينية بحتة، ولكنهم يجهلون علاقة أمرائهم وزعمائهم بشخصيات رفيعة في مراكز القرار بصنعاء.

 

 

في المقابل ينفي “أنصار الشريعة” علاقتهم بالنظام ويقولون إن البعض يتهمنا بأننا ننفذ أجندة سياسية الهدف منها إرضاء السلطة وجني أموال رابحة منها، ولكنهم لا يعلمون أن صراعنا مع السلطة حقيقي، وليس مناورة وهمية كما يعتقده المواطنون وبعض المحللين والمراقبين السياسيين، حد قولهم، مضيفين أن الناس في اليمن جربوا فشل الأنظمة العلمانية والاشتراكية، وأنهم يريدون تطبيق حكم الدولة الإسلامية القائمة على المساواة والعدالة، حيث لم تشهد اليمن نموذجاً سابقاً لحكم الدولة الإسلامية، حتى يحكم الناس عليها، حد تعبيرهم، كما أنهم يرون أن النظام السابق كان متعاوناً مع أمريكا، وحكومة المشترك أكثر تعاوناً مع الغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى