أرشيف

نهج الشباب السلمي يبتلعه نهج النزاع المسلح

برهنت التجارب المعاصرة العربية والعالمية وبجلاء أنه لا حداثة حقيقية من دون تحديث سياسي واليمن حين أعلنت عن قيام دولتها الموحدة أكد دستورها على أن الدولة الحديثة دولة مؤسسات ونصوص وليس نيات حسنة كما نص دستورها بإقامة انتخابات دورية تصون الممارسة الديمقراطية وتضمن عدم احتكار السلطة وتصنع سقفا زمنيا لتولي الحكم..الخ. ولكن هيهات فالمشكلة الكبرى في بلدنا والعالم العربي كانت وما زالت مشكلة تطبيق وممارسة وليست مشكلة نصوص وإذا سلمنا بمفاسد من كان يحكم وتمكن القوى التقليدية من فرض وصايتها على الحاكم مقابل استمراره في الحكم فإن زوال هذه الديكتاتوريات المغلفة بالديمقراطية الزائفة لا علاقة لـ(الثورة) الشبابية التي نعيش بأن يكون لها دور في تحقيق ما يتطلع إليه الشعب وما يرغب الشباب في تحقيقه ما دام نفس تلك القوى التقليدية والتي كانت عائقاً أمام أي إصلاح سياسي أعادت إنتاج نفسها بعد أن استخدمت ثورة الشباب كالقفاز الذي يستخدمه اللص حتى يمنع انطباع بصمات أصابعه في مسرح الجريمة وحرص تلك القوى أن تمتلك كل شيء الأرض، والأمن والقوة بكل أصنافها وحتى التفكير والطموح لهذا تحولت الثورة الشبابية السلمية إلى مجرد محور استثنائي احتياطي ليبرز محور آخر فوضوي هو من يقود الثورة التي أفرغت من ثوريتها جراء التسلط العقيم.. فإلى فقرات هذا التقرير.

الإدارة الصفرية

تدار اليوم ثورة الشباب وفق معادلة صفرية وأصبحت القوى السياسية والعسكرية المنضمة إليها أداة للتسلط وليس دفاعا عن الحقوق وتحقيق إصلاح سياسي واقتصادي ففرضت واقع أن من يملك المال والقوة يقرر المصير وتمكنت من تطويع بعض الشباب الذين حولتهم إلى خدام لمشروعها الذي يرتكز على هدف الوصول إلى كرسي الحكم وليس “إسقاط نظام الحكم” الشعار الذي رفعه الشباب والذي تم التجاوب معه من خلال استجابة الحزب الحاكم إلى تغيير نظام الحكم إلى نظام برلماني وتعديل الدستور والدعوة إلى انتخابات مبكرة وجوهر المشكلة هو الشك في نوايا السلطة والانحياز الكامل من الشباب لأحزاب اللقاء المشترك والقوى التقليدية والاعتقاد الصارم في السلطة أنها تريد القضاء على بريق وزخم الثورة الشبابية حسب ما تطرح القوى المناوئة للحزب الحاكم بينما أخذت هذه القوى تعمل على تحقيق تسويات تعكس ميزان القوة لصالحها عن طريق برامج أشد خللا تكرس وضعا تختفي فيه المطالب الثورية للشباب وتوصلها إلى كرسي الحكم لتكون بديلاً لحاكم تقتدي بنفس نظامه السابق من خلال طرحها في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي بأنه مرتبط (بما يتفق مع قيمه ومفاهيمه وثقافته الدينية والحضارية وظروف الدولة وإمكاناتها) وهذا الطرح قيود تفتح الباب على مصراعيه أمام التبريرات ومناورات التنصل من إصلاح سياسي حقيقي بحجة أن هذه المسألة من مسائل الإصلاح الديمقراطي أو تلك تتناقض مع خصوصيات الثقافة الدينية أو لا تتماشى مع وتيرة التغييرات الجارية في البلد وتعكس هذه الفقرات أن هذه القوى السياسية والتقليدية والدينية هي ذاتها التي كانت تعيق السلطة من تنفيذ العديد من الإصلاحات وهي تثق أيضا أن الرئيس لا يرغب في ترشيح نفسه لفترة انتخابية قادمة لأنه قد استنفد كافة مبررات تمنحه دورة انتخابية جديدة ولم يتبق له في فترته سوى عام واحد وبضعة أشهر ولكنها لم تحصل على ضمانات الوصول إلى السلطة ومنح المقعد الرئاسي لم ترغب ولهذا سعت إلى الوصول إلى السلطة عن طريق التسويات التي تحاول فرضها من خلال خلق محور آخر ليكون رديفا لثورة الشباب وهذا المحور ثمن فاتورة باهظة لا طاقة للشباب في مواجهتها.

الأسرة القادمة

منذ أن تمكنت طلائع الشباب الثائر من تحديد مكان ومنصة الاعتصام سحب من تحت أقدامهم بساط قيادة الثورة فثمن فاتورة الاعتصام لليوم الواحد ما يقارب مليوني ريال تصرف مقابل التغذية ومصاريف التنقلات فقط إضافة إلى مصاريف أخرى ولهذا تم تحييد الشباب المستقل وآخرين من الأحزاب لا يتجاوز عددهم مائتي شاب كانوا هم من حملوا مشعل ثورتهم في مطالب لا يمكن في أي حال أن توصل البلاد إلى ما وصلت إليه من تفتيت اجتماعي وارتداد سياسي وأدارات أحزاب اللقاء المشترك سير الثورة ولكن سلمت الريادة لحزب الإصلاح الذي أدار الثورة وفق رغبة علي محسن الأحمر وأبناء الشيخ الأحمر والشيخ عبدالمجيد الزنداني وسرعان ما ظهرت على السطح تطفو الصراعات بين الشباب الذين يرفضون أن تجير ثورتهم لصالح أسرة تنافس الأسرة التي تحكم، لم يمهل الزمن الشباب وقتاً كافياً فقد جاءت أحداث جمعة الكرامة التي حصدت ما يقارب 48 شابا هزت الرأي العالمي وأكسبت ثورة الشباب تعاطفاً كبيراً في ظل عدم كشف مخطط العملية التي تدور حولها العديد من الشبهات ولكن ظن الساسة الذين يركبون موجة الثورة أن الوقت قد حان لكشف القناع عن وجوههم والالتحاق بالثورة حتى يحققوا مكاسب سياسية بعد أن أشارت كافة التوقعات إلى أن سقوط السلطة قادم خلال أيام ولكن ذلك الالتحاق تخلله تصرفات عجيبة وأخذ الجنرال علي محسن يطرح نفسه كقائد بديل والزنداني كمرشد ديني ومرجعية للثورة وأبناء الأحمر كأوصياء على اليمن وخليفة لأسرة الحكم ولكن العديد من الشباب الثوار لم يتقبلوا ما ذهب إليه حزب الإصلاح ومن خلفه ومن يحمل فوق رأسه وواجه الشباب هجوماً شرساً واستهدافاً، حيث تعرض العديد منهم للضرب من قوات الفرقة الأولى مدرع التابعة لعلي محسن وتم التعامل معهم بأسلوب لا يمكنهم من إبداء رأيهم في العديد من المبادرات التي تقدمت بها السلطة حتى من جانب تدارسها وإبداء الرأي مثل الدعوة إلى تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم إلى برلماني واعتماد القائمة النسبية في النظام الانتخابي ولم يتم إمهال الشباب كثيرا حيث أخذت القوى القبلية تواجه المعسكرات لتفرض على مسار ثورة الشباب المسار القبلي المسلح لأن القوى القبلية التي أخذت تواجه المعسكرات تتبع مشائخ موالين للواء علي محسن وهنا يفرض على الشباب تأييد ذلك الصراع وإدانة المعسكرات واشتعلت بعد ذلك حرب الحصبة بين أسرة أبناء الأحمر الطامحين للحكم وبين القوات العسكرية التي تتبع سلطة تسيطر عليها أسرة هي منافسة لبيت الأحمر وهنا تسقط كل المثاليات عن الثورة الشبابية بعد أن أدانت السلطة في مواجهة أسرة بيت الأحمر ولم تدن أسرة أبناء الأحمر من خلال استيلائهم على الوزارات الحكومية وكذلك عدم إلصاق همجية الفيد والنهب واختراق الدستور على ثورة الشباب من خلال اعتبار المقاتلين في صفوف أبناء بيت الأحمر شهداء يتم تشييع جنائزهم من ساحة الثوار بينما من قاتل من صفوف الأمن والجيش وهو مأمور من سلطة ما زالت قائمة لا يعتبر شهيدا فوهنت ثورة الشباب وأخذت العديد من الخيام تفقد ساكنيها ومن نصبوها أول مرة وبدأ الشباب يشعرون أنهم أمام مأزق وأخذوا يرددون أن الثورة لم تبدأ بعد وأن البداية الحقيقية لها بعد سقوط النظام وشعرت القوى التي ما زالت قابضة على مسار ثورة الشباب أن أعداد الشباب أخذ يتناقص فقامت بتوزيع ملصقات تم لصقها على كافة الخيام والجدران تقول (من يصنع نصف الثورة يحفر قبره بيده) في إشارة إلى أن فشل سقوط النظام سيؤدي إلى تصفيتهم تصفية جسدية.

المحور الثاني

تدار الثورة الشبابية وفق محورين فالمحور الأول هو سلميتها والتي تعد سر قوتها إذا سلمت من التحكم بها لصالح أي أجندة تتعارض مع السلمية وتتعارض مع المفهوم الثوري الذي يعني القضاء على الاستبداد ومسبباته وآلياته ولا يحق لكل من يلتحق بالثورة أن يخرج عن إطارها سواء بالحوار النفعي عن طريق ضمانات خارجية تعيد إنتاج الاستبداد بشكل جديد أو عن طريق استخدام العنف والمواجهة المسلحة التي تسقط السلمية وأن لا تكون الثورة مجردة عن الأخلاق الثورية في أن تتحول إلى منبر إعلامي لصالح أسرة ضد أسرة أو الترويج لقبول الاستبداد من أسرة ورفضه من أسرة أخرى.

أما المحور الثاني الذي تدار به الثورة يكتشفه المتتبع بسهولة حين يقوم برصد أماكن الصراعات المسلحة الدائرة في هذه الأيام مثل الصراع المسلح في أرحب بين القبائل وقوات الحرس الجمهوري وفي الحيمة وفي تعز وفي الجوف وهنا يجب أولا أن نشير إلى أن المحافظات التي سقطت لم تسقط بأيادي شباب الثورة أو جراء الثورة السلمية فمحافظة الجوف سقطت في أيادي جماعات مسلحة من القبائل اليوم تقود معارك ضد بعضها مستخدمة الدبابات في تلك المعارك كذلك محافظة مأرب سقطت في أيادي القبائل في المحافظة أما محافظة أبين سقطت في أيادي قوات دينية جهادية أما محافظة تعز الواجهة المدنية لليمن فقد تم إقحامها رغم أنفها في صراع قبلي دفع ثمنه شبابها السلمي والمتتبع لمحور الصراع الذي يدور في الجوف والحيمة وأرحب يجد أن من يقاتل باسم الثورة مشائخ يتبعون علي محسن وحزب الإصلاح ويشنون قتالهم تحت شرعية الثورة التي انطلقت سلمية والسؤال الذي يفرض نفسه هل ذلك القتال هو حقا قتال من أجل إنجاح الثورة والمقاتلين ولاؤهم ولاء ثوري وبقتالهم ذلك هل يخدمون الثورة وسوف يحققون أهدافها الرئيسية؟! الإجابة على ما يتم طرحه من تساؤلات أن القوى التي تقاتل باسم الثورة هي قوى تابعة لجهات هي جزء من النظام الذي ثار الشباب ضدهم، فالنظام يقمع الثورة السلمية بعنف حتى لا تحقق أي نجاح كذلك الجزء المنشق من النظام لا يريد لهذه الثورة أن تنجح فنجاحها يعني القضاء على الاستبداد بكافة أدواته وآلياته ومسبباته وهم جزء من أدوات الاستبداد في النظام ففضلوا أن يكون في ركب الثورة الشبابية حتى يتمكنوا من إسقاط النظام عن طريق القتال والعنف ويصعدون إلى كرسي الحكم ليعيدوا إنتاج الاستبداد بطريقة أخرى وهذا يعتبر فشلاً للثورة خاصة حين يكون ذلك الجزء الذي انشق من النظام هو أكثر الأجزاء فسادا وابتزازاً وتسلطاً واستبداداً ويعتبر كذلك أكثر الأجزاء المتصلبة ضد التحديث السياسي وصاحب مشروع ثوري ومن قوى تميل إلى الظلامية والهمجية، فمن الطبيعي أن مثل هذا الجزء لا يمكن أن يكون مناصر لثورة تحمل مشروعاً مدنياً وديمقراطياً ولهذا اتجهت إلى ابتلاع المحور السلمي للثورة وتصنع نفسها كمحور ثان من أجل إلغاء المحور الشبابي الثوري بمجرد أن تجهز على شقها الثاني في النظام المستبد.

نقلا عن صحيفة الوسط

زر الذهاب إلى الأعلى