أرشيف

اندم من الگسعي

قدمت إليه تحمل كمداً وتحسرات أوهنت فؤادها وأدمعاً امتزجت بآهات، أثقل كاهلها التقهقر والأسى، بصوت متحشرج قالت له يا ولدي هو كتب في وصيته إن فاجأه الموت فليزوجوك بابنته، هو أودع لك عندي مائتي ألف ريال وطلب مني ألاّ أخبرك شيئاً عنها، يا ولدي هو كان يعدك واحداً من أبنائه .. بهذه الكلمات أبكت الأم البائسة المقل قبل أن تودع فلذة كبدها وتغيب مع شمس الرحيل.

غانم شاب عشريني العمر غادر قريته يحمل مبلغ ثلاثة آلاف ريال، اتخذ منها رأس مال للاتجار بالقات، حين غادر غانم كان العام 1997م وعمره لا يتجاوز الرابعة عشر، في أحد أسواق العاصمة صنعاء افترش غانم بساطاً كان يبيع عليه القات، غانم صبي صغير خبرته في الحياة قليلة جداً والذئاب لا ترحم أحداً .. ذات نهار تعرض للنشل والسرقة ليجد أنه لم يعد لديه سوى قارعة الطريق وجوع يقرص أمعاءه ليقع الصبي الصغير في شراك نشال احتواه وعلى يديه احترف النشل، مع مرور بعض الوقت تعرف غانم على عصابة نشالين وسار معهم في درب الضياع ..

أحد شلة النشالين أقدم يوماً على سرقة ضابط في الداخلية إلا أن الضابط انتبه للنشال الذي كان أسرع منه ليبطش به النشال ويرديه قتيلاً قبل أن يلوذ بالفرار، بعد حدوث الجريمة استنفرت الأجهزة الأمنية إلى أن تمكنت من إلقاء القبض على شلة النشالين المكونة من أربعة عشر شخصاً .. عندما قدموا للمحاكمة أصدر القاضي حكم الإعدام على القاتل والسجن لسنوات متفاوتة على باقي أفراد العصابة بتهمة النشل والسرقة .. غانم كان نصيبه ثلاث سنوات قضاها في السجن يعض أنامل الندم .. في لحظة ضعف راجع غانم حساباته لينتهي  به المطاف أن اعتبر  خاله هو السبب في ضياع مستقبله فهو من أصر على تركه للقرية والسفر للعاصمة لطلب الرزق، عندها قرر غانم الانتقام من خاله عند خروجه من السجن .. مرت الأيام سريعاً وأفرج عن غانم ليعود إلى قريته تأكل نيران الحقد قلبه على خاله الذي ظل يتربص به إلى أن أرداه قتيلاً في ليلة ظلماء هجرها نور القمر .. غانم أطلق على خاله عدة أعيرة نارية رحلت به إلى عالم الأموات وسلم نفسه للشرطة حين قدمت والدته لزيارته تفاجأ غانم بوالدته تخبره أن خاله كتب في وصيته "إن فاجأه الموت فليزوجوه بابنته وأنه كان يضع له عند والدته مبلغ مائتي ألف ريال ليجد غانم نفسه يعض أنامل الندم مرة أخرى ..

صدر حكم الإعدام من المحكمة الابتدائية وأيدته محكمة الاستئناف ليخرج غانم إلى ساحة الموت في عام 2004م وتصعد روحه إلى سماء بارئها على صراخ والدته بعبارة «حرمتني منك ومن أخي يا غانم».

حين يقع الفأس في الرأس وتحل الكارثة عندها يغدو الندم وعض الأنامل.. حسرات ليس منها جدوى.                         

زر الذهاب إلى الأعلى